مستوردون يسترجعون سلعهم المحجوزة و شبان يزايدون بالسكاكين!

تحولت عمليات المزايدة التي تنظمها القطاعات العمومية المختلفة بالجزائر، و بالأخص مديريات الجمارك، إلى حلبة مصارعة تتنافس فيها مجموعات مخضرمة على  الظفر بأكبر عدد من الصفقات الرابحة، مستعملين جميع الوسائل لتحقيق ذلك، و لو وصل الأمر إلى التهديدات و الشجارات بالأسلحة البيضاء، فيما باتت المزايدة مهنة حقيقية يتفرغ لها البعض من خلال شراء السلع و إعادة بيعها بهوامش ربح كبيرة.
روبورتاج: عبد الرزاق مشاطي
النصر حضرت عملية بيع عن طريق المزايدة، من تنظيم المديرية الجهوية للجمارك بقسنطينة، و بمشاركة قباضات سكيكدة «الرئيسية و المنازعات» و قباضة قسنطينة، و ذلك على مستوى دار الشباب أحمد سعدي بحي فيلالي، أين عُرضت للبيع مئات السلع المحجوزة على مستوى مطار محمد بوضياف و ميناء سكيكدة، بالإضافة إلى السلع التي قامت الفرق المتنقلة على مستوى الولايتين بحجزها، و كذا السيارات التي صودرت أو قام أصحابها بالتخلي عنها بالموانئ، و قد حاولنا نقل جزء من عالم المزايدين، و من خلال هذا الروبورتاج نكتشف بعض خبايا المزايدة التي أصبحت حرفة للكثيرين.
حضور مكثف و حراسة مشددة لمنع التجاوزات
عند البوابة الخارجية و قبل الموعد المحدد لانطلاق المزايدة بأكثر من ساعة، تجمع عدد كبير من الأشخاص، تبين من خلال كلامهم  أنهم قدموا من ولايات مختلفة، يتدافعون و يصرخون محاولين الدخول و اقتحام جدار شكّله أعوان الجمارك المسلحين، فأغلق المتزاحمون الطريق، ما تسبب في اختناق مروري، حيث امتدت طوابير السيارات و أطلق السائقون المنبهات، ما أحدث فوضى و جلبة كبيرتين، ليتدخل الأمن لإعادة الأمور إلى نصابها، غير أن الوضع استمر على حاله، في مشهد ينبأ بيوم عمل شاق، حيث ردد أحد الأعوان قائلا «الله يقدرنا على هذا النهار».
كان رجال الجمارك يسمحون بدخول المزايدين الذين يظهرون الوثائق التي تثبت حيازتهم لسجلات تجارية، و قد تمكنا من الدخول بصعوبة وسط حشد من الناس، و وصلنا إلى القاعة التي كان قد امتلأ نصفها، حيث جلس المزايدون في المقدمة، و من وجوههم ظهر أن 90 بالمئة منهم من الشباب القادمين من عدة ولايات شرقية، و على المنصة انقسم ممثلو مديرية الجمارك على عدة طاولات، تحضيرا لانطلاق عملية البيع، و قد بدا معظمهم من أصحاب الرتب.
حلبة صراع للظفر بالسلع الثمينة
بعد لحظات بدأ الجمركي المشرف على إعلان الحصص المعنية بالبيع، في شرح شروط و طريقة المزايدة، أمام تلهف الجمهور الحاضر الذين بدوا غير مكترثين بما يقوله، و منهمكين بالحديث إلى بعضهم البعض، و قد تبين مما قاله، أن السلع المعروضة للبيع تتمثل في 169 حصة، من بينها سلع مختلفة بكميات كبيرة، مثل الملابس المتنوعة و الهواتف و الأدوات الكهرومنزلية و الأثاث، و أغراض لها علاقة باستعمالات متعددة، بالإضافة إلى آلات صناعية و فلاحية و جرافات و قطع غيار، تتطلب المزايدة عليها حيازة سجل تجاري خاص بنوع السلعة، إضافة إلى شيك بقيمة لا تقل عن 10 بالمئة من قيمة الحصة المعنية، و يكون مؤشر من طرف البنك، و ذلك إذا زاد السعر عن 100 مليون سنتيم، أما إذا كان أقل من ذلك فيمكن الدفع نقدا، أما بالنسبة للسيارات و الدراجات النارية، فبإمكان أي مواطن المزايدة عليها و شرائها، دون الحاجة إلى امتلاك أي صفة.
انطلقت المزايدة و معها أطلق المزايدون جماحهم، مع العلم أنه يتم الإعلان عن كل حصة بالرقم، مع ذكر نوعها، دون تفاصيل، غير أن المشاركين كانوا قد شاهدوا جميع السلع قبل يومين بالمكان التي خزنت فيه سواء بسكيكدة أو قسنطينة، حيث يعرفون كل التفاصيل الخاصة بها، و يبدو أنهم على علم  بقيمة و أهمية كل سلعة، من طريقة تفاعلهم و مشاركتهم في المساومات، فبعض الحصص تمر مرور الكرام، فيما يتنافسون بطريقة هستيرية للظفر بحصص أخرى.
بعد وقت قصير بدأنا في اكتشاف طريقة عمل المزايدين أو بالأحرى الخطط التي ينتهجونها، إذ أنهم يعملون في مجموعات، من 4 إلى 5 أشخاص، و هدفهم الحصول على أكبر عدد من الحصص المعروضة، و لا تهم نوعية السلعة أو حجمها، فهم يزايدون على كل شيء، و قد يصل الأمر إلى حد مهاجمة بعضهم البعض، ناهيك عن السب و الإشارات و حتى التهديد، و كل ذلك أمام مرأى و مسمع رجال الجمارك، الذين ينذرون المزايدين الذين لا يلتزمون بالقواعد عدة مرات، قبل أن يقوموا بطرد من يتمادون منهم إلى خارج القاعة.
همسات و صفقات و التهديد لمن يساوم في غنيمة غيره!
جميع أنواع السلع تباع و تشترى، و الأسعار قد تصل إلى الملايير، و حين يتوقف الحضور عن رفع السعر، و بعد إعادة ذكر الثمن لثلاث مرات، ترسو الصفقة على آخر مساوم، أما إذا لم يصل السعر للحد المطلوب، يتم إلغاء الحصة و سحبها من المزايدة، إذ يوضع ثمن معين من قبل لجنة مختصة لكل سلعة، حسب ما علمناه من مسؤولي الجمارك، و كل شخص يفوز بحصة معينة، يستدعى مباشرة إلى المنصة ليقدم أوراقه الثبوتية، و يستلم بالمقابل محضرا يؤكد حصوله على الحصة، أما إذا لم يكن يحوز على سجل تجاري و كذا شيك مؤشر من البنك، فسيعود أدراجه إلى القاعة، و قد يطرد منها تماما إذا تمادى في مناقشة الأعوان المكلفين بالعملية، لتعاد المساومة على تلك الحصة من جديد.
البعض حضر للمزايدة على حصة معينة بذاتها و لا شيء غيرها، و عندما يحين الوقت، يقف و يؤكد للحاضرين بأن الحصة من نصيبه، فلا داعي للمساومة عليها، و هو حال أحد الأشخاص و هو رجل أعمال معروف بقسنطينة، كان يجلس في الكراسي الأمامية، و لم يكترث بما يحدث، و عندما تم الإعلان عن الحصة التي يهتم بشرائها، أكد بأنها سلعته التي تم مصادرتها و هو يريد استردادها، و الغريب أن المزايدين توقفوا عن المساومة عليها، و رست الحصة عليه بمبلغ غير كبير، بالرغم من أن الأمر يتعلق بكمية معتبرة من الأواني المنزلية.
و الظاهر أن العديد من الأشخاص حضروا لنفس الأمر، حيث لا يتوانون في المزايدة بأسعار تتجاوز المليار سنتيم و قد تتعداها بكثير، من أجل استرداد سلع حجزت منهم في الموانىء، و ذلك على شاكلة حصة من القماش تصارع الحاضرون على شرائها، و قد وصل الثمن إلى مليار و 290 مليون سنتيم، قبل أن يفوز بها أحد الأشخاص الذي واصل رفع السعر رغم تهديدات الحاضرين، و تفاقم الأمر إلى حد اقترابهم من الدخول في شجار، ليقوم الأعوان بطرد بعض الحضور إلى خارج القاعة، و قد تبين بعد ذلك أن المشتري هو صاحب السلعة الأصلي، حيث حجزت منه على مستوى ميناء سكيكدة، و الغريب هنا أن هذا الشخص قد اشترى هذه السلعة من الخارج و دفع ثمنا كبيرا مقابلا لها، ثم أعاد شراءها بالجزائر بعد أن حجزت منه، ما يدفع إلى التساؤل عن الفائدة الني يمكنه أن يحصلها من بيعها.

و قد بيعت الكثير من الحصص بعد منافسة شديدة، حيث تتعالى الأصوات و تحمر الوجوه و ترفع الأيدي في السماء و يتبادل المزايدون نظرات و كلام التهديد، فيما يقتربون من بعضهم و يهمس أحدهم في أذن الآخر، و في الأخير من يمنح أكبر رقم يكون الفائز، و الغريب أنه قد يفوز أحدهم بالحصة، و يتقدم شخص آخر للقيام بالإجراءات، حيث يبرر المعنيون ذلك، بأنهم يمثلون مجموعة واحدة، و مما لاحظناه أيضا، أن بعض الحاضرين يحاولون مساومة من ترسي الصفقة عليه، ليتنازل عليها لفائدتهم، و قد يكون ذلك بمقابل مادي، حسب ما علمناه من بعض الحضور.
مزايدون يشكلون فريقا و يحتفلون بصور تذكارية
مما وقفنا عليه خلال المزايدة، أن نفس الأشخاص يقومون بالمساومة على جميع الحصص، و التي تبلغ أسعارها أرقاما كبيرة جدا، تقدر بالملايير، غير أن الأجوبة التي حصلنا عليها من الجمارك أو حتى المزايدين الحاضرين، تؤكد بأن هؤلاء الأشخاص يمتهنون هذا الأمر الذي أصبح حرفتهم، فيدخلون كل المزايدات التي يعلن عنها عبر الولايات المختلفة سواء الخاصة بالجمارك أو بقطاعات أخرى، و هم بهذا العمل يحصلون على هامش ربح كبير، من خلال بيع السلع التي يقومون بشرائها، حتى قبل استلامها، إذ أنهم يقومون بدفع 10 بالمئة فقط من ثمن الحصة، لضمان الحصول عليها، و بعد بيعها، يكملون باقي المبلغ من أجل التمكن من امتلاكها، ليسلموها بعد ذلك إلى أصحابها.
و ما جعلنا نتأكد بأن المزايدين يشكلون مجموعات متنافسة تعمل كل منها على تحصيل أكبر قدر من الحصص، هو قيام عدد منهم بالاحتفال بطريقة معينة بعد انتهاء الحصص الخاصة بالسلع، حيث احتضنوا بعضهم و التقطوا صورة تذكارية، احتفالا بتمكنهم من الظفر بعدة حصص هامة، و كأمثلة عن السلع التي قاموا بشرائها، حصة للأثاث بقيمة تجاوزت 700 مليون سنتيم و أخرى للقماش بأكثر من 800 مليون سنتيم، وكذا رافعة هدروليكية بثمن يتجاوز مليار و 600 مليون سنتيم، إضافة إلى رافعة متنقلة «كلارك» بقيمة تفوق مليار و 200 مليون سنتيم، و آلة لصنع النسيج يزيد ثمنها عن 400 مليون سنتيم.
و قد علمنا من أحد الجمركيين أن هؤلاء الأشخاص يشكلون مجموعات متمرسة يصعب اختراقها، إذ أنهم يسيطرون على المزايدات عبر الولايات، و لا يسمحون لغيرهم بالمشاركة فيها، و قد يصل بهم الأمر إلى طلب أموال من المزايدين الأخرين، مقابل السماح لهم بالمشاركة في مثل هذه المزايدات.
صدامات تتحول إلى شجار بالأسلحة البيضاء
المزايدة على السيارات قصة أخرى، حيث أن أي شخص يمكن أن يشارك فيها، و بمجرد أن يحين وقت بيع السيارات و الدراجات النارية، حتى تفتح الأبواب و تمتلئ القاعة بسرعة البرق، ليسارع أعوان الجمارك إلى تطويق المنصة، و مع كل إعلان عن نوع مركبة تنطلق المنافسة الشديدة بين الحضور على الظفر بها، و يبدو أن الأسعار التي تباع بها جد مغرية، حيث تتراوح بين 40 و 100 مليون سنتيم، ما يفسر لهفة الجمهور على الدخول في هذه المزايدة، و كذا دخولهم في شجارات مع بعضهم البعض.
و مع استمرار العرض تزيد سخونة المنافسة، و يحاول بعض الحاضرين منع أخرين من رفع السعر أكثر، فتحدث صدامات و مناوشات، تتطور إلى حد إخراج الأسلحة البيضاء، ليختلط الحابل بالنابل، و يتدخل أعوان الجمارك لفض الاشتباك، و لحسن الحظ لم يقع جرحى أو مصابون، حيث أوقفت المزايدة و تم إخراج الجميع من القاعة، ليعلن في الأخير عن تأجيلها إلى موعد لاحق، خوفا على سلامة الموظفين و المواطنين على حد سواء، و قد علمنا من مصدر أمني أنه تم توقيف 5 أشخاص على الأقل.
ع.م

الرجوع إلى الأعلى