الحـوت الأزرق يعيـــد الحيــاة إلـى الـمكتبــات

أعاد هاجس لعبة الحوت الأزرق التي خلقت رعبا في المحيط المدرسي و الأسري، الأولياء إلى اقتناء القصص و الكتب لأولادهم و حثّهم على المطالعة، و هو ما وقفنا عليه في عدد من المكتبات بمدينة قسنطينة، و التي عرفت إقبالا كبيرا منذ بداية العطلة الشتوية، حيث أكد جل من تحدثنا إليهم أنهم قرروا العودة للكتاب الورقي، لتجنب الخطر الإلكتروني الذي بات يحصد أرواح البراءة.
روبورتـــاج : أسماء بوقرن
في جولة قادت النصر إلى  عدد من المكتبات بوسط مدينة قسنطينة، لاحظنا بأنها تعج بالأولياء و أبنائهم، و هم منهمكون في اختيار العناوين المناسبة و يتشاورون معهم حول محتوى كل عنوان، مستعملين أسلوب الترغيب لإقناعهم، في صورة تظهر حرص الأولياء على تدارك أخطائهم و  الرجوع إلى العادة المتوارثة عبر الأجيال المتمثلة في المطالعة، و التي تسببت في اندثارها اللوحات الإلكترونية التي يحوزها الأبناء بشكل غير مسبوق، حيث أصبحت تمنح للطفل منذ بلوغه سنة أو سنتين من العمر، حسب من تحدثنا إليهم، لكونها تتوفر على تقنية الصوت و الصورة و تلهيهم لمدة طويلة ، و هو ما أحدث قطيعة و هوة كبيرة  بين الطفل و الكتاب ، فراح ضحيتها و أصبحت روح العديد من الصغار تزهق بلعبة متوفرة على الأنترنت.
الأنترنت أحدث قطيعة بين التلميذ و الكتاب

التقينا بمكتبة الشافعي بوسط مدينة قسنطينة ببعض الأمهات و الآباء الذين أجمعوا بأن جل أبنائهم يستعملون و بشكل كبير الهواتف النقالة و اللوحات الإلكترونية الموصولة بالأنترنت، و اعترف بعضهم، بأنهم السبب في إدمان أبنائهم على اللوحات الإلكترونية و تصفح الأنترنت، موضحين بأنهم لم يتوقعوا أن تصل الأمور إلى درجة الموت بسبب لعبة إلكترونية، و هم يحاولون جاهدين تدارك الأمر قبل فوات الأوان ، حيث تأكدوا بأن الكتاب هو خير جليس للطفل و عليهم تعويد أبنائهم على المطالعة، و مرافقتهم في البداية لتقديم تقنيات تصفح الكتب للاستيعاب الجيد ، مجمعين بأنهم لم يتمكنوا من نزع الهواتف الإلكترونية لأبنائهم بشكل نهائي، و إنما قاموا بالاحتفاظ بها، بحوزتهم، و منحها لهم بين الحين و الآخر، و لوقت لا يتجاوز 15 دقيقة، لاستعمالها في حضورهم مع مراقبة محتوى ما يطلعون عليه من مواقع.
أولياء يعلنون القطيعة من الهاتف و «التابليت»
أمينة أم لطفلين و محامية ، تقطن بولاية باتنة،  قدمت لقضاء العطلة في بيت أمها بقسنطينة، وجدناها تقتني قصص الأطفال بإحدى المكتبات بوسط المدينة ، قالت لنا بأنها قررت في هذه العطلة أن تعوّد ابنها الذي يدرس في السنة أولى ابتدائي و ابنتها التي تدرس بمرحلة التحضيري،  على قراءة القصص، لإنماء ذكائهم و إثراء قاموسهم اللغوي، و كذا للتفاعل مع شخصيات القصة و اكتساب معارف جديدة.   و أشارت المتحدثة بأن ابنتها الصغيرة تعاني من صعوبات في الاندماج مع صديقاتها، لأنها منذ كان عمرها سنة واحدة كانت تجلس بمفردها، رفقة لوحتها الإلكترونية لساعات ، في الوقت الذي تكون هي مشغولة بتحضير الطعام و ترتيب المنزل، ما جعلها تدمن على استعمالها، و لا تفارقها إلا عند الذهاب لتناول وجباتها الغذائية، أو قضاء حاجتها، لتعود إليها مجددا، مشيرة إلى أن ابنتها أصبحت انطوائية و تنزعج كثيرا عند قدوم أحد الأقارب لزيارتهم ، موضحة بأنها رفضت الدخول إلى المدرسة ، ما جعلها تستعين بأخصائي نفساني، و تشتري لها القصص و  تقرأها لها، كما تحاول أن تجسد شخصيات و أحداث القصة.
فضيلة أستاذة لغة عربية في مرحلة المتوسط ، التقيناها بمكتبة  بوسط مدينة قسنطينة رفقة ابنيها أيمن و أمين ، اللذين يدرسان في السنة الخامسة ابتدائي و الرابعة متوسط على التوالي، قالت لنا بأن ابنيها لا يملكان ثقافة المطالعة،  غير أنها تحاول غرسها فيهما، و ذلك من خلال تسجيلات القصص المسموعة التي تحمّلها لهما.
و أضافت أم أمين بأن ابنيها يمتلكان لوحتين إلكترونيتين قدمتهما لهما كهدية لتفوقهما في الدراسة، غير أنها لا تتركهما يستعملان اللوحتين بمفردهما، و تحرص دائما على مراقبة كل ما يشاهدانه ، كما أنها تشاركهما في الألعاب التي تركز على طرح أسئلة متنوعة و تتنافس معهما في الأجوبة، و تعدهما بجوائز في حالة الفوز، و أكدت بأنها تعتبر ابنيها صديقان لها  و تتناقش معهما في مختلف المواضيع ، لكي لا تترك مجالا للتأثير عليهما من أي جهة، كما فضلت قضاء ثاني يوم من العطلة رفقتهما بالمكتبة، لشراء كتب و حوليات في الرياضيات و العلوم، باعتبارهما مقبلين على اجتياز شهادة.

بالمقابل تحدثنا إلى أب كان رفقة ابنه الذي يدرس في السنة الخامسة ابتدائي، فقال لنا بأنه تفاجأ بالإقبال الكبير للأولياء على شراء الكتب، لكونه متعود على اصطحاب ابنه للمكتبة في كل عطلة، و يجدها خالية على عروشها ، و أضاف بأنه نمّى ثقافة المطالعة عند ابنه، لأنه كان يصطحبه  منذ الصغر إلى المكتبات، فأصبح يحب كتب التاريخ على وجه الخصوص، و قد تعود على مكافأته عندما يحصل على نتائج جيدة باقتناء كتاب.
 و قد لاحظنا بأن الأب اشتري كتابا حول تاريخ الجزائر،  و أشار إلى أنه يسمح لابنه بممارسة لعبة إلكترونية خلال 15دقيقة تقريبا يوميا، بشرط أن يكون رفقته، لأنه لا يثق بما تحتويه شبكة الأنترنت،  حتى و إن تعلق الأمر بالفيديوهات التعليمية.
التهافت يخلص مكاتب من الكساد
قال لنا صاحب مكتبة بوسط المدينة، بأنه و خلال الأيام الأولى من العطلة الشتوية، سجل إقبالا كبيرا من الأولياء لاقتناء الكتب و القصص و ألعاب الأطفال التركيبية، مشيرا بأنه و لأول مرة و منذ نحو 4 سنوات من الركود، انتعش سوق الكتاب، حيث تمكن من بيع عدد كبير من القصص و الألعاب ، بعد أن ظلت كاسدة لسنوات.

أخصائية علم النفس التربوي نبيلة عزوز
الكتاب خير صديق للطفل و على الأولياء مرافقة أبنائهم
أوضحت نبيلة عزوز، أخصائية علم النفس التربوي بأن الكتاب خير صديق للطفل، لأنه ينمي ذكاءه و يطور قدرته على الاستيعاب، و يثري قاموسه اللغوي،  غير أن تنشئة الطفل في بيئة تتنفس التكنولوجيا، جعلته بعيدا كل البعد عن كل ما هو كتاب، و لا يعي حتى قيمته، محملة الأولياء مسؤولية ما يحدث لأبنائهم ، لأنهم تخلوا عن دورهم التوعوي و وجدوا في هذه الوسائل الإلكترونية ما يحقق لهم  راحة نفسية و يوفر لهم الهدوء التام ، حيث أنهم يتركونها في متناول أبنائهم لساعات طويلة دون مراقبة ، ظنا منهم أنهم في أمان، بعيدا عن الشارع و رفقاء السوء، غير آبهين بما قد تلحقه مخاطر الشبكة العنكبوتية التي وصفتها بأخطر صديق .
الأخصائية تنصح الأولياء، خاصة الذين يعاني أبناؤهم من الإدمان على استعمال اللوحات الإلكترونية، بالابتعاد عن أسلوب القوة و منع استعمالها بشكل كلي ، لأن ذلك سيزيد الوضع تأزما، لأنهم تعودوا عليها ،  و دعتهم لضبط ساعات استعمالها من قبل الأبناء، مع الحرص على مرافقتهم ، و تعريفهم بكل ما هو سلبي و إيجابي، و تنصحهم بممارسة ألعاب الذكاء و الذاكرة، لإخراجهم من قوقعة الإدمان و الاستعمال السلبي لها، و خلق جو من المنافسة معهم ، و حثهم على الشروع في تعليمهم المطالعة بالصوت و الصورة، لخلق جو تفاعلي.
أ.ب

الرجوع إلى الأعلى