مناوشات يومية مع عائلات المرضى تنتهي بتدخل الشرطة أو في المحاكم
يقضي أعوان أمن المستشفى الجامعي ابن باديس قسنطينة أغلب ساعات دوامهم  في مناوشات مع عائلات المرضى الذين يحاولون فرض منطقهم دون مراعاة النظام الداخلي للمستشفى و ضرب التعليمات التي يفرضها المستشفى عرض الحائط، ما يدخل أعوان الأمن في مشاكل تنتهي أغلبها بتدخل مصالح الشرطة أو رفع دعاوى قضائية، و هو ما أرهق أعوان الأمن، فلديهم تعليمات تنص على توفير الهدوء و الأمن، و عدم القيام بأي تجاوزات و لو تعرضوا لمضايقات و مناوشات ، و يصادفون يوميا صعوبات في تطبيق ذلك، لأن المواطن القادم من عديد ولايات الوطن، مقتنع بأن المستشفى ملك للجميع، و يتصرف من هذا المنطلق.
ربورتاج أسماء بوقرن
أعون الأمن بين الدفاع عن النفس و احترام القانون
النصر زارت المستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة، و رصدنا يوميات  أعوان الأمن العاملين بمختلف المصالح، قبل التحدث إليهم، تابعنا عن بعد طريقة تحدثهم و تعاملهم مع زوار المستشفى.
أول ما لفت انتباهنا عند ولوج المدخل الرئيسي، وقوع مناوشات بين عون أمن و أحد المواطنين كان يهم بالدخول بسيارته، و عندما اقتربنا منهما لمعرفة سبب المناوشات، تبين أن المواطن يريد إخراج مريض من المستشفى، إلا أن عون الأمن رفض أن يسمح له بإدخال السيارة، لأن تعليمات مدير المستشفى تنص على عدم السماح لأي شخص لا يحوز على وثيقة تثبت بأنه بصدد إخراج مريض بالدخول على متن سيارته، إلا أن هذا الشخص قام بغلق مدخل المستشفى بسيارته، ما أحدث اكتظاظا مروريا، استدعى تدخل أعوان الشرطة، و انتهى الأمر بذهاب الشخص لركن سيارته بعيدا و دخول المستشفى راجلا.
مهنة عون الأمن خاصة في مستشفى بحجم المستشفى الجامعي ابن باديس الذي يعرف إقبالا كبيرا على مدار 24 ساعة، محفوفة بالمخاطر، حسب ما وقفنا عليه، فهو ملزم بتوفير الأمن و التقيد بالنظام الداخلي، دون إلحاق ضرر بالمواطنين، سواء زوار المرضى أو الموظفين، إلا أنه يجد نفسه في كثير من الأحيان بحاجة هو الآخر لحماية و مساعدة من الآخرين، في حالة حدوث شجار مع أحد زوار المستشفى الذين يتهجمون عليهم بالضرب، إذا لم يسمح  لهم بالقيام بأمر مخالف للنظام الداخلي  ، ليصبح عون الأمن في مأزق بين  الدفاع عن نفسه و احترام تعليمات الإدارة التي تنص على منع الضرب و الاتصال بالشرطة في هذه الحالات، غير أن العون ملزم بالدفاع عن نفسه، حسب بعض الأعوان الذين تحدثنا إليهم ، و ينتهي الأمر إما بالتسامح و الاعتذار عندما تتدخل الشرطة لفض النزاع، أو برفع دعوى قضائية توجه فيها عادة العدالة للطرفين تهمة الشجار المتبادل، و تصدر عادة حكما يقضي بدفع العون غرامة مالية تقدر ب20 ألف دينار ، في حين يتقاضى راتبا يتراوح  بين 18 و 24 ألف دينار، بدوام يمتد من السابعة صباحا إلى غاية السابعة مساء.
العديد من المواطنين يشتمون عون الأمن
التقينا في البوابة الرئيسية للمستشفى، بعون أمن بزيه المهني، واضعا يديه في جيبيه من شدة البرد ، خاصة و أن الأمطار كانت تتهاطل بغزارة، و كلما اقتربت السيارات من البوابة الرئيسية، يخرجهما من جيبه، لتوقيفها و مراقبتها ، محركا قدميه ليشعر بالقليل من الدفء،  اقتربنا معه و سألناه كيف يقضي يومياته في العمل  ، فأجاب بأن يومياته تطبعها المناوشات و الشجارات، فلا يمر يوم عمل دون مشاكل مع عائلات المرضى ، الذين يريدون فرض منطقهم على النظام الداخلي، و حتى و إن حاول إقناعهم بإطلاعهم على التعليمات المفروضة عليه، لا يتفهمون وضعه و طبيعة عمله، و يشرعون في شتمه،  ما يتسبب في حدوث مناوشات ، تستدعي تدخل أعوان الشرطة في كثير من الأحيان، لفض الشجار و اقتياد المتخاصمين للمركز المتواجد في مدخل المستشفى، و ينتهي التدخل بالتسامح أو رفع دعاوى قضائية، مشيرا إلى أن المواطن يستصغر و يحتقر دور عون الأمن  و لا يخضع لتعليماته ،  لكن عندما تتدخل الشرطة كقوة عمومية ، يظهر و كأنه ضحية سوء معاملة و  يشرع في تقديم تبريرات، و  يغير حتى من حدة كلامه، على حد قوله.
مصلحتا الاستعجالات و التوليد هاجسان
عند تنقلنا إلى مصلحة أمراض النساء و التوليد بالمستشفى، في حدود الساعة الواحدة بعد الظهر، لاحظنا بأن عوني أمن يتمتعان ببنية جسمانية قوية كانا يقفان في المدخل، مرتديان لباسهما المهني ذي اللون الأزرق القاتم، و قد كتب في ظهره « أمن» ، إلى جانب معطف أسود ، و يتمثل دورهما في توفير الأمن و النظام بالمصلحة، فقد وجدنا أزواجا رفقة أقاربهم، يهمون بإخراج زوجاتهم و مواليدهم الجدد ، و اطلع أحد العونين على وثيقة قدمها له رجل كان رفقة زوجته، فطلب منه الانتظار في القاعة، حتى يطلع الطبيبة على الوثيقة .
قال لنا العون بأنه اشتغل في عديد المصالح بالمستشفى، غير أن العمل في هذه المصلحة صعب للغاية ، حيث تشهد ضغطا على مدار اليوم ، نظرا للإقبال الكبير عليها من مختلف الولايات ، و من الصعب السيطرة على الوضع، و أضاف بأن المناوشات تحدث عادة مع مرافقي الحوامل ، الذين يصل عددهم إلى 5 أو أكثر، فيحدثون فوضى في مكان الانتظار، كما أن  الرجال يحتجون عندما تترك زوجاتهم في قاعة الانتظار حتى يحين دورها ، و إذا تدخل عون أمن لتهدئة أحد الأزواج أسمعه كلاما لا يرضيه، كما أن البعض يسيء حتى معاملة القابلات و الأطباء، ما يجعل أعوان الأمن مجندين دائما و على أهبة الاستعداد، تحسبا لوقوع إشكال ما ، إذ يتحتم عليهم الدفاع عن أنفسهم في حالة حدوث شجار، كما قال محدثنا، إلا أنهم في حالات كثيرة يجدون أنفسهم أمام العدالة متهمين بالشجار المتبادل، حسبه، و يصدر حكم في حقهم بقضي بدفع غرامة مالية، في الوقت الذي لا يتجاوز راتبهم 25 ألف دينار.
كما تحدث عن محاولة رجل اقتحام قاعة التوليد للحديث مع إحدى القابلات، بغية توليد زوجته في أسرع وقت، لأن حالتها استعجالية، ما تسبب في نشوب شجار كبير مع باقي الرجال المرافقين لزوجاتهم، استدعى الاتصال بعناصر الشرطة ، الذين اقتادوا اثنين منهم إلى المركز للتحقيق معهما، بعد أن تسببا في كسر تجهيزات بالمصلحة.
الركن العشوائي لسيارات مرافقي المرضى يضعنا في مأزق

 و قال من جهته حمزة ، عون أمن بمصلحة أمراض القلب، بأن هذه المهنة محفوفة بالمخاطر، خاصة في الفترة الليلية، ليس لكون المهنة صعبة، و إنما الصعوبة تكمن في كيفية التعامل مع المواطنين، مؤكدا بأن الذهنيات تختلف ، فمنهم من يمتثل للتعليمات و التوجيهات التي يقدمها لهم عون الأمن، و هم قليلون جدا ،و من بينهم من لا يتيح الفرصة للعون حتى ليوضح له سبب منع أمر معين، ليشرع مباشرة في نعته بأبشع الصفات، قائلا بأنه تدخل في إحدى المرات لمنع شخص من ركن سيارته في مكان مخصص للأطباء، و طلب منه ذلك باحترام ، غير أنه أجابه و بصوت مرتفع، بأن المستشفى ملك للجميع، و أنه حر في ركنها أينما شاء، و مهمة الركن لا دخل له فيها ، و  حاول أن يقنعه بأنه ممنوع الدخول بالسيارة للمستشفى لزيارة مريض ، فنزل من سيارته و أمسك به بقوة من معطفه و قال له « انتبه فأنت تتحدث مع إطار في الدولة ، و يحق لي ركن سيارتي في المكان الذي أشاء»، ليقوم بركنها عنوة، متسببا في غلق ممر السيارات .
نتدخل لفض المناوشات العائلية لنجد أنفسنا طرفا في الشجار
محمد عون أمن، اشتغل بعديد المصالح بالمستشفى، آخرها مصلحتي الاستعجالات الطبية و أمراض القلب ، غير أن كل مصلحة تختلف عن الأخرى ، موضحا بأن المصلحة المريحة بالنسبة إليه هي مصلحة أمراض المفاصل، حيث لم يتعرض لمشاكل في العمل بها، كما لا يوجد فيها أي ضغط مقارنة ببقية المصالح، غير أنه عندما عمل بمصلحة الاستعجالات عانى كثيرا مع مرافقي المرضى ، الذين يحتجون في الغالب على عدم احترام أدوار المرضى ، و استعمال المحاباة ، في الوقت الذي ليس من مهمة عون الأمن  تنظيم أدوار المرضى، كما قال ، فهو يسهر على الأمن و النظام فقط، مضيفا بأن مهمته لا تقتصر على منع التجاوزات و إنما فض الشجارات العائلية إذا وقعت، حيث في كثير من الأحيان تنتقل الشجارات العائلية من المنزل إلى المستشفى ما يتسبب في إصابة المتخاصمين بجروح و كذا السب و الشتم ،  ما يتطلب تدخل أعوان الأمن، مشيرا إلى أن حادثة من هذا النوع استدعت تدخله لفض شجار، ليجد نفسه طرفا في النزاع عند تدخل الشرطة، ما جره إلى أروقة المحكمة.

مدير مستشفى بن باديس جمال بن يسعد
اعتبار المستشفى ملك للجميع زاد من تعنت المواطن و رفضه للأوامر
مدير المستشفى الجامعي كمال بن يسعد، قال للنصر، بأن كل زائر للمستشفى يحمل فكرة بأن المستشفى عمومي و ملك للجميع و من حق أي كان القيام بما يشاء فيه، و إذا قام عون أمن بمهمته و تدخل لمنع تجاوز ما ، قوبل بالسب و الشتم و حتى الضرب ، موضحا بأنه على اطلاع دائم بما يحدث مع أعوان الأمن، إذ يتابع مباشرة ما يحدث بواسطة كاميرات المراقبة المثبتة  بمدخل المستشفى و بمختلف أرجائها، حيث يلاحظ مناوشات بشكل مستمر  مع أعوان الأمن ، حيث أن الزوار أو مرافقي المرضى يرفضون التقيد بأي تعليمة تضعها إدارة المستشفى، و يضربون بالنظام الداخلي عرض الحائط.
و أوضح بأنه و للتخفيف من الضغط الكبير داخل المستشفى، منع دخول السيارات، ما عدا سيارات الأطباء و في حالة إخراج مريض كان ماكثا بالمستشفى للعلاج، و خصص سيارات إسعاف لنقل المرضى إلى باقي المصالح، للتكفل الأمثل بهم ، بالإضافة إلى تزويد المصالح بكراس متحركة، غير أنه تفاجأ بسرقتها من قبل بعض المواطنين، كما أكد، فبعد أن كانوا ينقلون على متنها المرضى، يضعونها في صناديق السيارات.
و بخصوص المصالح التي تشهد الكثير من المناوشات، قال بأن مصلحة أمراض النساء و التوليد تشهد نسبة كبيرة منها، باعتبارها تتحمل أكثر من طاقتها الاستيعابية، فيؤدي ذلك إلى ضغط كبير على الطاقم الطبي، في الوقت الذي لا يأبه مرافق المريضة للأمر،  و همه الوحيد التكفل الجيد بزوجته و في أسرع وقت ممكن،  ما يخلق شجارات دائمة بين أعوان الأمن و المرافقين ، مشيرا إلى أن طاقة استيعاب المصلحة  تبلغ 180 سريرا ، في الوقت الذي يستقبل طاقمها حتى 245 امرأة ، 85 في المائة منهن من ولايات مجاورة كسكيكدة و القل و ميلة و عين مليلة .
تجميد مشروع أعوان نساء في مصلحة التوليد
و بخصوص تجسيد مشروع أعوان أمن نساء على مستوى مصلحة التوليد ، قال المسؤول بأن الفكرة شرع في تجسيدها بتكوين 10 عاملات بالمستشفى يتمتعن بلياقة بدنية عالية ، لمدة قاربت ستة أشهر ، و باشرن مهمتهن بإشراف عون أمن رئيسي ، و كن يتكفلن بالمرأة الحامل و يحملن أمتعتها و رضيعها ، و كذا حراسة الرضع، غير أن ذلك لم يستمر طويلا، لأنهن  تعرضن لمضايقات و اشتكين من سوء المعاملة، سواء من مرافقي المريضة و حتى من النساء أنفسهن.                   
أ.ب

الرجوع إلى الأعلى