لهذه الأسباب اتخذنا من الشارع بيتا لنا
يفترشون الأرض و يلتحفون الخوف من خطر قد يمد يده وسط الظلمة ليقطع آخر خيط يربطهم بالحياة، لا عنوان لهم  لأن الليل سكنهم الوحيد، إنهم الأشخاص دون مأوى، وراء كل حالة قصة قضت على  ما تبقى من ملامح صاحبها.
روبورتاج : خيرة بن ودان
 قد تكون المأساة من صنع نفس غير قادرة على مواجهة المغريات، وربما تأتي من الأخ أو الصديق... ومهما اختلفت الأسباب فالنتيجة لا تحتاج إلى أكثر من قراءة  ، فقط يكفي إلقاء نظرة على تلك الوجوه  المستسلمة للشارع والمنزوية في هامش
لا يقترب منه إلا من قرر الخروج من الحياة دون رجعة. النصر اقتربت من عالم الأشخاص دون مأوى بوهران ونقلت قصصا واقعية عن أسباب التشرد وعن نظرة هؤلاء للحياة.
نظمت مصالح الأمن بوهران ليلة الاثنين إلى الثلاثاء، خرجة تضامنية خيرية استهدفت الأشخاص دون مأوى و المتشردين عبر عدة شوارع بمدينة وهران، و قد شاركت في العملية بعض الجمعيات إلى جانب ممثلين عن بلدية وهران و مصالح المساعدة الاجتماعية  و التضامن الوطني.
و أكد محافظ الشرطة عبد الرحمان رحماني أن هذه الخرجة ليست ظرفية أو مناسباتية، بل تندرج في إطار العمل الجواري الإنساني الذي تقوم به مصالح الأمن على مدار السنة، والذي يشمل عدة نشاطات، مبرزا أن التنسيق يتم أيضا في إطار لجنة تجمع كل الفاعلين المذكورين ، لتطوير النظام التشاركي بين الأمن وكل أطراف المجتمع، للرقي بالسلوكات وبعض الممارسات التي تحمي حقوق الإنسان.
وأضاف محافظ الشرطة أثناء شرحه للعملية لوسائل الإعلام، أن الأمر لا يقتصر فقط على تقديم وجبات ساخنة أو بطانيات، بل أن الشرطة دائما تكون مرفقة بأخصائي نفساني يتقرب من الأشخاص دون مأوى أو المتشردين أو الأشخاص الذين يكونون في خطر معنوي وغيرها من الحالات، خاصة بالنسبة لفئة الأطفال من أجل محاورتهم. . النصر، رافقت مصالح الأمن في هذه الخرجة و وقفت عند عدة حالات.
صراع على الميراث ينتهي به في الشارع
تفاجأنا خلال لقائنا مع الأشخاص دون مأوى، أن مطالبهم تصب في الحصول على عمل أو حرفة يستفيدون منها مستقبلا، مبرزين أن النوم في الشارع ليس مشكلا بالنسبة إليهم ، بما أن الأمن متوفر ولا يخشون شيئا.
كانت الساعة تشير إلى الثامنة ليلا، عندما حطت قافلة المساعدات قرب مؤسسة إعادة التربية بالمدينة الجديدة بوهران، حيث يوجد الكثير من المتشردين الذين يفترشون الكارتون ليلا، ليناموا في أمان في هذه المنطقة، نظرا لوجود حاجز أمني قرب المؤسسة العقابية.
أوضح محافظ الشرطة رحماني أن نظرة الأشخاص دون مأوى أو المتشردين وحتى المجتمع، تغيرت إزاء مصالح الأمن، بفضل تركيزها على الجانب الجواري و التضامني. وفعلا لمسنا هذا من خلال إلتفاف هؤلاء الأشخاص حول القافلة وكأنهم تعودوا على تلك المساعدات، خاصة الوجبات الساخنة ليلا ، أين كانت درجة الحرارة أقل من 9 درجات مئوية.
وبمجرد الشروع في توزيع الوجبات، لفت انتباهنا شاب يبدو في الثلاثين من عمره كان يصرخ «أعيدوني إلى عائلتي»، فاقتربنا منه وروى للنصر قصته، اسمه يوسف، قال أنه ينحدر من عائلة ميسورة في سيدي بلعباس، لكن بعد وفاة والده وأخيه المعاق بعده، استولى إخوته على الميراث وحرموه هو ووالدته منه، فاضطر ذات يوم إلى مغادرة البيت والتوجه إلى وهران من أجل العمل وتوفير بعض النقود لمساعدة أمه، لكن بمرور الوقت و نظرا لمبيته في الشارع، تحول إلى شاب متشرد و انقطع عن زيارة أمه التي يريد أن يعود إليها، لكن بشرط أن يعيد له إخوته نصيبه من الميراث. يوسف أكد لنا بأنه يتمنى ممارسة حرفة يسترزق منها، عوض البحث في المزابل، عما يسد الرمق .

لعنة الخمر والقمار تقضي على أحلامه
أما سعيد الذي يبدو في الأربعينات والذين كان يرتدي ملابس نظيفة وهيئته تبدو عادية، فأوضح للنصر، بأنه و منذ وفاة والدته أصبح متشردا في الشوارع، رغم أن وضعه مختلف عن يوسف، حيث أن إخوته لم يحرموه من الميراث ونال نصيبه الذي ضيعه في شرب الخمر و لعب القمار وغيرها من الأعمال التي لم تعد عليه بالفائدة.
 قال لنا سعيد بأنه يمارس حرفته كبناء نهارا ، و يعود في الليل  ليلا إلى المدينة الجديدة لكي ينام رفقة الآخرين في الشارع على الكارتون، لكن في قرارة نفسه يتمنى سعيد أن يكون له بيت وعائلة ولا يبقى متشردا ، ويطالب بالإدماج المهني و أن يستغل حرفته في مؤسسات تضمن له راتبا شهريا.
«أحلم بحرفة تمكنني من استعادة ابني»
بينما يطالب أحمد ذو 43 سنة،  أن يتم إدماجه في التكوين المهني ليتعلم حرفة تنفعه، و تسمح له بتوفير المال لابنه، فحالة أحمد تختلف عن الباقين، لأنه  كان متزوجا و له ابن، لكن بعد وفاة والدته لم يرث هو وإخوته شيئا، و ذهب كل واحد ليصنع مستقبله لوحده.
كان أحمد دون عمل، مما صعب عليه المهمة ووجد نفسه في الشارع، بينما توجهت زوجته إلى بيت أهلها رفقة ابنها، وطلبت التطليق، و قضى أكثر من 10 سنوات في الشارع دون مأوى، يقضي نهاره يتجول بين صناديق القمامة، بحثا عن شيء يبيعه، و يجد دائما ما يستحق البيع ويتحصل في آخر النهار على بعض النقود للأكل و الشرب وشراء بعض الملابس، وعندما يكون المال أوفر، حسبما أفاد، يزور إبنه ويأخذ له معه بعض الهدايا و مبلغا من المال.

الرجوع إلى الأعلى