صحراء النعامة.. غابة نخيل متحجرة  سكنها الديناصور - صافرودود -  
   يجد العابر للجنوب الغربي الكبير بإقليم ولاية النعامة، نفسه محاطا بعلامات التعجب و الاستفسار،  عن سر وجود بقايا عظام ديناصور ومحطات للرسومات و النقوش الصخرية و مغارات و كهوف عجيبة، إلى جانب مجموعة من القصور العتيقة، ضمن واحات النخيل التي تمتد إلى 10 قرون من  الزمن.
روبورتــاج : هشــام ج
من أهم علامات التعجب التي تستدعي منك التوقف و الاستفسار، بقايا متحجرات لعظام الديناصور من نوع «صافرودود» الذي يبلغ طوله نحو 12 مترا، عثر عليه مطلع الألفية الجديدة بمنطقة رويس الجير بعين الصفراء، وهو اكتشاف أذهل أبناء المنطقة حينها، حيث قال مصطفى صاحب مقهى بعاصمة الولاية النعامة للنصر،  بأن الإقليم كان يستقطب  حيوانات عملاقة، وهو ما تبرزه محطات للرسومات و النقوش الصخرية عبر جبال الأطلس الصحراوي التي تعد أكبر المتاحف المفتوحة، حيث تحصي الولاية، كما أكد، أزيد من 300 موقع، وهي معلومة متطابقة مع الرصيد المعرفي لباقي الأشخاص الذين تحدثنا إليهم، و يبقى فقط استغلال هذه الكنوز للترويج السياحي و إبراز مختلف المعالم الأثرية التي تزخر بها ولاية النعامة.
معالم من طين يفوق عمرها 10 قرون
تزخر المنطقة بعدة معالم أثرية، من بينها قصور عتيقة، على غرار قصر عسلة و مغرار الفوقاني، وقصر تيوت المشهور و قصر الصفيصفة، إلى جانب قلعة الشيخ بوعمامة التي تحمل اسم الشيخ،   باعتباره قائد المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي 1881 - 1904،
و استغرقت تضحياته وبطولاته أزيد من 20 سنة، يجوب فيها الصحراء من أجل عزة و كرامة أبناء المنطقة، حيث خاض ، حسب كتب التاريخ، عدة معارك، أهمها معركة الصفيصفة ، المويلك و المسيرة الطويلة، و كبد فيها العدو خسائر كبيرة.  
  في كل خطوة تخطوها عبر  إقليم الجنوب الغربي الكبير،  تستحضر لا محالة تضحيات ومعاناة رجال أبلوا البلاء الحسن ضد الاستعمار الفرنسي في صحراء قاحلة وطبيعة موحشة، على امتداد البصر، من أجل فرض وبسط السيادة على الصحراء الكبرى .        
    من بين المعالم الشاهدة على عراقة المكان ، مسجد قصر صفيصيفة الذي تجاوز تاريخه عتبة 10 قرون من الزمن  ، وهو شاهد، حسب سكان المنطقة، على حاضرة فقيق ، و يعد هذا الأخير منارة للعلم و التعليم القرآني بالمنطقة ، حيث كان يستقطب علماء أجلاء من مختلف المناطق، لتدريس الفقه وأصول الشريعة الاسلامية، كما يعتبر المكان المفضل لعقد الاجتماعات و فك النزاعات و الخلافات العائلية و إقامة الولائم و الوعدات، على غرار وعدة الولي الصالح سيدي الحاج بن عجالة و وعدة سيدي أحمد بن عيسى من الجهة الشرقية، إلى جانب  ذلك إقامة الحفلات بالجهة الشرقية من المسجد،  خصوصا بعدما حظي بمساحات هامشية من الأراضي التي تبرع بها بعض سكان المنطقة، كما قال لنا محمد، 55 سنة، أحد أتباع سيدي الحاج بن عجالة.

 و حظيت هذه المنارة العمرانية الفريدة من نوعها بالمنطقة، بعدد معتبر من العمليات الهامة في مجال الترميم على الطريقة التقليدية، حيث استخدمت  بعض الأدوات و مواد بناء محلية، على غرار الطين و الحجارة و بقايا أشجار النخيل، للحفاظ على هذا الموروث الحضاري الذي يؤرخ لعقود طويلة من الزمن، حيث أخذت  جمعية «تنانت «، كما قال المتحدث، مسألة المتابعة و الحفظ و توجيه الزوار إلى هذا المعلم الذي لا يقدر بثمن، فضلا عن ذلك تحتضن المنطقة مواسم دينية تعرف بالوعدة، حيث يتجدد الموعد و المناسبة في زمن قياسي، و  بين موعد و آخر تعقد لقاءات للتشاور و فك النزاعات وتقريب العائلات من بعضها البعض، وهذا هو سر تماسك أبناء المنطقة، أضاف عمي صالح و هو في العقد السابع من عمره، مذكرا بوجود أزيد من 10 وعدات كبرى، من بينها وعدة سيدي أمحمد بالعقلة بالنعامة، وعدة سيدي بلال بالعين الصفراء و المشرية، وعدة أولاد سيدي التاج بقلعة الشيخ بوعمامة، وعدة سيدي أمحمد بالعقلة وعدة سيدي أحمد المجدوب ببلدية عسلة وغيرها.
النخلة مكوّن رئيسي للحياة بالصحراء
  ارتبطت واحة تيوت الشهيرة التي تضم أزيد من 7 آلاف نخلة، باحتضانها  رجال مقاومة الشيخ بوعمامة ضد الاستعمار الفرنسي ، كما تمثل إحدى القلاع الصامدة إبان الثورة التحريرية المباركة، كما أكد الشيخ القوري ، أحد أعيان المنطقة المنهمك في خدمة أرضه، و المهتم بما تبقى له من نخيل، في فضاء فسيح يمتد على مساحة 4 كلم، كان يسجل به أزيد من 80  نوعا من التمور، على غرار الرطبي و أغراس ، فيما تراجع إنتاج شتى أنواع الخضر و الفواكه التي تلائم البيئة الصحراوية، بفعل نقص المياه الباطنية مثل البطيخ و المشمش و العنب و اللفت و البصل، وغيرها من المنتوجات الكفيلة بتغطية أسواق الشمال،  خصوصا في فترة الشتاء و الربيع التي تعرف ندرة في بعض المنتوجات غير الموسمية ، «الخيرات كثيرة»،  لكن الواحة ، كما قال، مهددة بالعطش و نقص الاهتمام و الرعاية من طرف الشباب الذين هجروا الحرفة إلى نشاطات أخرى متعددة .
  تعتبر النخلة، حسب الشيخ القوري، مكون رئيسي لحياة أبناء الصحراء، خصوصا بمنطقة تيوت، فهم يستفيدون  من ثمارها ويستغلون كل جزء منها للبناء وصد زحف الرمال وتثبيت الكثبان، و ينبغي، كما قال ، دعمها ببرامج إنمائية تعيد الحياة لواحة النخيل التي تمتد لقرون من الزمن.
   وما يعكس أكثر قدم وعراقة المنطقة، كما دلنا علي. م، أحد أبناء المنطقة و هو في العقد الخامس من عمره، وجود أشجار متحجرة بين منطقتي العرجة تيورطلت، التابع لنفس الإقليم، ويرجح المتحدث، استنادا لمختصين زاروا المنطقة، نمو الغابة فوق تربة فحمية.
كلاب مدربة لاقتفاء  أثر الكمأة «الترفاس»
   تزامن تواجدنا بولاية النعامة، مع جني محصول الترفاس الذي يجلب من فيافي الصحراء، لكن يبدو، حسب أحد أصحاب  المطاعم بوسط عاصمة الولاية التي توقفنا عندها في رحلة طويلة تمتد إلى غاية بشار، أن المحصول يبدو قليلا، مقارنة بالسنوات الماضية، بفعل تأخر تساقط الأمطار بالمنطقة، خاصة خلال شهري أكتوبر و ديسمبر، و ليس بإمكان كل شخص القيام بهذه المهمة الشاقة في صحراء موحشة، بل تتطلب بعض المهارات و الدلالات التي توحي بوجود الترفاس  في الأرض و يتم شحنه في الغالب إلى ولايات الشمال، أين يكثر الطلب عليه بأسعار مغرية تتراوح بين 150 و500 دج ، حسب لونه ونوعيته  وحجمه لما له من منافع غذائية وأخرى علاجية.

 من بين الأنواع الموجودة بصحراء النعامة التي هي عبارة عن حمادة،  ذكر محدثنا «الزبيدي» و هو نوع يتميز بحجمه الكبير و يميل إلى اللون الأبيض و نوع آخر اسمه «الخلاسي»لونه أحمر، إلى جانب «الجبي» و « الهوبر» و  «البلهورش»، ولكل نوع سعره الذي يتم تحديده ،حسب قاعدة العرض و الطلب  ، و يتم طهيه جيدا ،حتى تتم ازالة الرواسب و الأتربة العالقة به، و يطهى مع الخضر أو مثل البطاطا بالزبدة ، ويتفق الجميع بأن ذوقه لا يقاوم،  ويتضح أن الكمأة أو الترفاس، يحتوي على البروتين والدهون والألياف والمعادن بنسب أعلى من أي نوع آخر من أنواع الخضروات والدرنات المأكولة  .و قال لنا أحد زبائن المطعم القادمين من بلدية المشرية، التي تبعد بنحو 50 كلم عن عاصمة الولاية، أن عديد المواطنين يستغلون هذه الفترة للاسترزاق من الترفاس أو بيض النعام، كما يحلو للبعض تسميته، و يقطعون مئات الكيلومترات بحثا عنها .
و أضاف أن بعضهم يلجأون لتدريب الكلاب على اقتفاء أثر الترفاس، لأن لها حاسة  شم قوية تصيب الهدف على  مسافات بعيدة ، كما يسترزق البعض الآخر من النباتات الصحرواية، على غرار الشيح الذي يبلغ سعر الحزمة  الواحدة منه  حدود 60 دج ، الزعتر، و الإكليل و القرطوفة، العشبة البرية ذات النكهة العطرية ذات المذاق الحار التي تستخدم بالجنوب الكبير، كما قال، كنوع من التوابل لإضفاء مذاق لذيذ على الحساء ، و يتواصل الإقبال على النباتات و الأعشاب الصحراوية التي تتجاوز أنواعها، حسب أبناء المنطقة، نحو 600 نوع، إلا أنها مهددة بالانقراض، نظرا للاقتلاع  و الرعي العشوائي .
هـ.ج

الرجوع إلى الأعلى