أحلم بزيارة الكعبـــة و أن أدفن في مقابـــر المسلمين  حيث دفـــن زوجي
 ولدت في كنف عائلة فرنسية مسيحية كاثوليكية ، تربت على حب المسيح عليه السلام  و احترام قداس الأحد و تعاليم الكنيسة، غير أن قوة إدراكها و قناعتها بوحدانية  الله و عظمته، جعلتها تبحث دائما عما هو  أصدق من تمثال منحوت،  تيريز جاكوب أو» نادية «، فرنسية عمرها  73عاما ، فتح لها حب زوجها الجزائري، ابن مدينة قسنطينة، أبواب الإيمان و دفعها لتطليق ديانة أبائها و اعتناق الدين الحق، كما عبرت  خلال  حديث جمعها  بالنصر،  التي نزلت ضيفة عليها بمنزلها الكائن بحي سيدي مبروك بقسنطينة، أين روت لنا قصتها مع الإسلام.
 الملفت  في قصة تيريز ، هو تأخر إعلانها للشهادة لأزيد من أربعين سنة ، بالرغم من أنها اعتنقت الإسلام وهي في سن 23 عاما ، كما أخبرتنا، موضحة بأن قصتها بدأت نهاية الستينات من القرن الماضي ، عندما التقت بزوجها الجزائري وهي في سن 16عاما . أحبته منذ أول وهلة، و قررت إعلان الحرب من أجله، كما عبرت، رغم رفض عائلتها علاقتها به خصوصا والدتها، غير أنها أصرت على الارتباط به ،ما اضطر والداها للتوقيع على وثيقة إدارية خاصة، تسمح بتسهيل إجراءات زواجها نظرا لحداثة سنها.
و أكدت : « بعد سبع سنوات من زواجنا ، قرر زوجي رحمه الله العودة إلى الجزائر، كان طيبا جدا، أحبني كثيرا، و لطالما عاملني  بلطف حتى أنه لم يكن من طلب مني اعتناق الإسلام، ترك لي حرية الاختيار، و لأنني كنت أحبه قررت إتباع ديانته». و واصلت حديثها :»عند عودتنا إلى قسنطينة ،أقمنا لفترة مع عائلته وكنت أخفي أمر إسلامي عن الجميع ما عداه هو و شقيقه الأكبر، اللذان ساعداني في حفظ الشهادة،و معرفة أركان الدين، و تعلم القليل من اللغة العربية، حتى أتمكن من قراءة القرآن الكريم.»
  توقفت نادية قليلا عن الكلام ثم أضافت : «  المشكل هو أنني إلى يومنا هذا ،و رغم مرور السنوات، لازلت عاجزة عن تعلم اللغة العربية ،لذلك أخلط أحيانا في النطق عند الصلاة أو الدعاء، لا أدري لماذا لكنني أعجز عن تعلم العربية، أفهمها لكنني لا أتكلمها».
 كما أخبرتنا محدثتنا بأنها قررت بعد سنة تقريبا إعلان اعتناقها للدين الإسلامي في أوساط العائلة، الأمر الذي لم يفاجئ عائلتها بشكل كبير، خصوصا و أن لها شقيقة سبقتها إلى ذلك بعد زواجها من جزائري من ضواحي مدينة وهران.
 تقول « صحيح أن والدتي رفضت الفكرة ،و حاولت نهيي عن الأمر، حتى أنها قاطعتني في البداية، لكنها سرعان ما استسلمت لقراري، أما شقيقتي التي لم تكن تطبق تعاليم الدين رغم إسلامها قبلي، فقد اعتبرت الأمر حرية شخصية، حالها حال والدي و شقيقي الأكبر».
تسترسل قائلة :» أذكر أن بداية تعمقي في الديانة، كان خلال السنة الثالثة من إسلامي، تحديدا بعد أن وقع بين يدي كتاب صغير باللغة الفرنسية ،يتحدث عن الدين و يشرح طبيعته و تعاليمه بدقة، كنت أشعر بالسلام الروحي ،و أنا أكتشف ديانتي الجديدة، و أدرك أنني على خطى سديدة، بعد ذلك توطدت علاقتي بالله ، خلال تلك السنة قررت صيام رمضان لأول مرة.و إرضاء لزوجي ، تعلمت إعداد الأطباق التقليدية القسنطينية من شربة الفريك، و الشخشوخة و كسرة الدار».
تواصل حديثها: « كان ذلك خل شهر ديسمبر، لا أدري ربما سنة 1986، لا أذكر تحديدا، استيقظت صباحا ،و اتجهت إلى المطبخ لتناول وجبة الإفطار، كان الجميع يحدقون بي و استنتجت أنني ارتكب خطأ. شعرت بالغرابة و الاختلاف عمن يحيطون بي، فقررت تقليدهم. في البداية كان الأمر صعبا ثم تعودت عليه بعد ذلك، صحيح أنني صمت من باب التقليد و التجربة، لكنني شعرت بلذة كبيرة و إيمان أكبر».
 اعترفت السيدة نادية بأنها لم تكن تصلي في البداية، لكنها قررت تطبيق كامل تعاليم الدين بعد ذلك، ثم اضطرت بعد سنتين إلى التوقف عن الصيام ،بعدما  تعرضت لأول نوبة سكري إثر إنجابها لمولودها الثاني، ما جعل الأطباء ينصحونها بعدم الصيام، مع ذلك أكدت لنا بأنها تصر في كل سنة على قضاء الشهر الفضيل في الجزائر و مع العائلة، لأن له طعما خاصا، حتى بعد وفاة زوجها قبل خمس سنوات». محدثنا أكدت لنا بأنها اعتنقت الإسلام عن قناعة تامة، و أنها لم تندم يوما على ذلك، حتى أنها كانت وراء دفع زوجها المرحوم لأداء مناسك الحج، مؤكدة بأن زيارة الكعبة المشرفة لا تزال حلمها الذي تعجز عن تحقيقه، بسبب وضعها الصحي الذي عقده ارتفاع ضغط الدم  و صعوبة فهم اللغة العربية و قراءة القرآن الكريم  من مصحف غير مترجم. سألنا السيدة نادية، عن سبب تأخر إشهارها للشهادة بشكل علني ،كما ذكرت في بداية حديثها، فأوضحت لنا بأنها كانت تجهل ضرورة ذلك، حيث اعتقدت دائما بأن علاقة الإنسان بربه أمر شخصي  لا يحتاج إلى إشهار، غير أنها اكتشفت أهمية الأمر بعد وفاة زوجها الذي انتقل إلى جوار ربه سنة 2010.
 تقول : « بعد وفاة زوجي أحسست بالوحدة و الحنين رغم وجود نسيبتي و عائلتها بجانبي بشكل دائم، إلا أن غياب أبنائي الذين يعيش كل منهم حياته بشكل مستقل، جعلني أدرك قيمة رفيق دربي رحمه الله» .
تواصل :» حنيني إليه ،و وفائي لحبه ،عزز لدي فكرة أهمية أن أدفن بجانبه في مقابر المسلمين بعد وفاتي، لذلك تنقلت إلى البلدية بعد سنة من وفاته، لأقدم طلبا بهذا الخصوص. فأخبروني هناك بأنه يتعين علي إشهار شهادتي علنا بأحد المساجد، و التواصل مع مصالح الشؤون الدينية بقسنطينة لإتمام بعض الإجراءات، و بالفعل لم أعلن شهادتي إلا قبل خمس سنوات ،رغم أنني اعتنقت الديانة منذ زمن بعيد».
محدثتنا أخبرتنا بأن أكثر ما حبب الإسلام إلى قلبها، هو صدق المعتقدات، عمق الشهادة، و قيمة الزكاة، و روحانية الصلاة و أهمية الدعاء، مؤكدة بأنها تشعر بسلام داخلي و روحي يؤكد لها دائما  بأن الإسلام  هو دين الحق.
خلال حديثها إلينا ، أشارت نادية إلى أنها لطالما أحست بأنها جزائرية، رغم أصولها الأوروبية، معبرة :» صحيح أنني لم أغير جنسيتي لكي لا أتنكر لوالدي ، لكنني لطالما كنت مقتنعة بجزائريتي، و انتمائي لهذا الوطن».  و شددت:»لطالما كرهت أن يلقبني الناس « بالرومية» ، مع ذلك لن أمانع في الحصول على الجنسية المزدوجة، حاليا علاقتي بفرنسا تقتصر على زيارات دورية لإجراء بعض الفحوصات و المعاينات الطبية، أما خلاف ذلك، فوصيتي هي أن أدفن تحت تراب هذا الوطن الذي منحني حب زوجي وحلاوة الإيمان بالله الواحد الأحد».        

نور الهدى طابي

الرجوع إلى الأعلى