أدّيت رسالة الفن من قلبي و القصور الكلوي أبعدني عن الغناء
قال عميد الأغنية القبائلية الفنان طالب رابح أن تأزم وضعيته الصحية وإصابته بالقصور الكلوي منذ سنوات كان وراء اعتزاله للفن وابتعاده نهائيا عن هذا الميدان الذي يعشقه حتى النخاع مشيرا إلى أنه أدّى رسالة الفن من قلبه، حيث عالج مختلف القضايا وغنى عن الثورة  و الغربة والوطن والأم و آخر عمل له كان قبل ثلاث سنوات وهو ألبوم يمدح فيه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يبث بالقناة الرابعة الناطقة باللغة الأمازيغية. الفنان طالب رابح الذي يزيد عمر مشواره الفني عن 65 سنة حظي بتكريم خاص من طرف  وزارة الثقافة سنة 2012 نظير ما قدمه للأغنية الجزائرية و إثرائه الرصيد الثقافي القبائلي بأكثر من 250 أغنية. وقال في حديثه للنصر التي زارته في منزله العائلي بالمدينة الجديدة في تيزي وزو أن حبه للفن لا يعرف الحدود رغم تقدمه في السن « 85 سنة» وقال «لو لا المرض لواصلت الغناء» مشيرا إلى أنه توقف عن إحياء الحفلات و التسجيل منذ حوالي سنتين. و عاد محدثنا إلى أولى خطواته الفنية التي سجّل فيها محطات حافلة بأغان متنوعة فشكلت بذلك موروثا ثقافيا جزائريا، مشيرا إلى أن بداياته مع آلة الموندول انطلقت في بداية الخمسينيات من المقاهي الفرنسية عندما غادر مسقط رأسه «تيزيت» في مرتفعات عين الحمام و عمره لم يكن يتجاوز 20 عاما، مما هيأ له فرصة الالتقاء ومخالطة العديد من الفنانين الجزائريين الكبار لينهل من فنّهم الراقي الكثير أمثال محمد الجاموسي، العمراوي ميسوم، الشيخ الحسناوي، سليمان عازم، فنان الثورة فريد علي وغيرهم و بفضل هؤلاء تمكن من  فرض نفسه على الساحة الفنية ليصبح من المحترفين بعدما كان هاويا و قال بأنه كان يناضل أثناء الثورة التحريرية إلى جانب جبهة التحرير الوطني عندما كان بباريس حيث  يستعمل نشاطه الغنائي كتمويه لربط اتصالات ضرورية من أجل التنقل السري للمناضلين عبر باريس وضواحيها. وسجّل سنة  1959  ثلاث أسطوانات تضم أربعة أغاني بتوصية من المدير الفني لمنشورات «باركلاي» عبد الرحمن ايسكر  وهي «إفوك الزيث ذي لمصباح» بمعنى «انتهى الزيت في المصباح» و، «أثعزيزث» آو «يا لعزيزة» و»وياك ابندام يلهان» بمعنى «إياك أيها الإنسان الجيّد» ولاقت هذه الاسطوانات رواجا كبيرا و إعجابا لدى الجمهور خاصّة المغتربين .  عند عودته إلى أرض الوطن بتاريخ 5 فيفري 1962 توّقف لفترة قصيرة عن الغناء عندما وجد قريته دمّرها المستعمر الفرنسي وشرّد عائلته، حينها قرر ترميم ما تبقى من مسكنه ويتنقل للعيش مع أسرته الصغيرة في مدينة «فوردلو» بالجزائر العاصمة، وهناك بدأ العمل في الإذاعة رفقة الصحافي الكبير « مولود شيكاوي»  الذي كان يشرف على تنشيط حصة إذاعية موجهة للمغتربين تحت عنوان « إيغربن أكن مثلام، أدسلام إصوث  إيمولان» بمعنى «أيها المغتربون ستستمعون إلى صوت الأهل» وكان طالب رابح يرافق الحصّة بمقاطع موسيقية، كما أشرف فيما بعد على تنشيط حصة « احليل وين يزران، احليل وين اورنزري» التي تبث مرة في الأسبوع على مدار سنوات.  وسجل بالتعاون مع الفنان الكبير كمال حمادي عدّة أغاني خاصة بالثورة التحريرية على غرار «اتسرت ولنيو» أو «بكت عيناي»، و»مثشفام أيقوذار» بمعنى «أيها الطيور هل تتذكرون»، «ايسم اعززن امشلي»، «اتسنذيغ افزهريو» ،»اثدزايريث» وغيرها من الأغاني الأخرى التي لا تزال لحد الآن تصنع مجده. وأشاد محدثنا بالدور الذي يلعبه الجمهور من أجل نجاح الفنان وقال في ذات الإطار «من غير العادل أن أتحدث عن نجاح أي فنان دون أن أذكر الجمهور لأنه بدونه لا يساوي شيئا ولن يصنع لنفسه إسما» وأضاف  «كل مرحلة لها جمهورها، في زماننا كان لنا جمهور، و فنانو اليوم لهم جمهورهم الخاص بهم، نحن كنا نغني ما نشعر به ونتأثر بالكلمات لأننا نعطي لها أهمية أكثر من الموسيقى، أما جيل اليوم من الفنانين فإن الغالبية منهم يؤدون أغاني خاصة بالأفراح ويحبذون كل ما هو خفيف، صحيح أن هناك أصوات جميلة و قوية لكنها لا ترتكز على المواضيع والأفكار بقدر ما ترتكز على الموسيقى الراقصة، حتى الجمهور أصبح لا يستمع للكلمات و يتجاوب أكثر مع الموسيقى، المهم عنده هو  الرقص والترويح عن النفس».  سامية إخليف

الرجوع إلى الأعلى