تحايـــل المنتجين في تزايد و مكانـــة الممثـــلات تراجعــت
فتيحة بربار رحلت و عائلتها لم تقبض حتى اليوم مستحقات أعمالها الأخيرة
انتقدت الممثلة عايدة كشود ما وصفته بتحايل المنتجين و سلبهم حقوق الفنانين بمن فيهم القدامى الذين رحل بعضهم دون تحصيلهم مستحقاتهم، مثلما حدث
مع زميلتها الراحلة فتيحة بربار حسبها، مسرة بأن الممثلين باتوا يتعاطفون حتى مع المخرجين لأنهم لم يسلموا هم أيضا من تحايل المنتجين المتزايد.
و قالت الفنانة البالغة من العمر 63 سنة، و كرست عمرها منذ الطفولة للفن، بأن المجال الفني كان نقيا من مثل هذه السلوكات و كانت الثقة و «الكلمة» رأس مال المنتج قبل المخرج و الممثل و علقت بقولها:"لم نكن في السابق نعاني مثل هذه السلوكات و غياب الثقة ، عكس اليوم، حيث بتنا نشهد إنجاز الأعمال و عرضها دون استفادة المشاركين فيها من حقوقهم"، مضيفة بأن الممثلين و الطاقم العامل عموما يتسوّلون حقوقهم و كرامتهم على حد تعبيرها.
الفنانة عايدة التي بدت مستاءة جدا ذكرت في حوار خصت به النصر بأن التخصص و الاحتراف لم يعد يضيف لصاحبه شيئا، كما لم يعد يمنحه الإمكانية التي يستحقها، لأن ثمة معايير جديدة لا تمت بصلة بأخلاق المهنة و نبلها باتت تتحكم في مجال الإبداع.
حاورتها مريم بحشاشي

- النصر: منذ التحاقك بالمجال الفني، منذ حوالي 50سنة و إلى غاية اليوم، كيف تجدين مكانة المرأة الممثلة في المجتمع و في الوسط الفني بين الأمس و اليوم؟
- عايدة كشود: مكانة الممثلات تراجعت و إن منحت للكثيرات فرصة المشاركة في الأعمال العديدة، و البروز على الشاشة،  ففي السابق كانت المرأة الممثلة تتلقى دعوات لتمثيل الجزائر في المهرجانات الثقافية العربية، مما منحهن خبرة أوسع حتى في مجال النقد و ليس فقط على مستوى التمثيل، لكن اليوم باتت هذه الأمور تتم بطرق ملتوية و المحسوبية قضت على الإبداع، فالغيورون على الفن هم من تملأ دروبهم شوكا، و ثمة من يسرقون فرص آخرين أكثر كفاءة، حبذا لو كانوا يضيفون شيئا للفن الجزائري، لكن ما يحدث أن هؤلاء مثلما يذهبون يعودون خوالي الوفاض، بل بالعكس هناك من يسيء للفن  و لا يعكس الصورة الحقيقية للفنان الجزائري و نفس الشيء بالنسبة لفرص التكوين في الخارج التي تمنح لغير أهلها.
- يقولون أن الفنانين يتحوّلون إلى ناطقين باسم الفن و الزملاء المضطهدين عندما تهجرهم الأضواء و يتناسونهم إذا استعادوها و رضي عنهم المسؤولون ؟
-عن نفسي، لم تغريني الأضواء يوما و لا المناصب و الامتيازات، كل ما أطالب به و طالبت به منذ البداية هو الاحترام و التقدير، و الحمد لله مكانتي الفنية مصانة عند الجمهور و حتى المختصين في المجال السينمائي بمختلف المناطق و البلدان و قد تلقيت دعوات شخصية بتظاهرات فنية عربية، دون أن أحتاج للتوسل لأي مسؤول لأجل الفوز بفرصة المشاركة في عمل أو مهرجان أو أي تظاهرة أخرى لكنني انتقدت كثيرا حرمان الفنانين القدامى من ذلك.
- هل نفهم من هذا أنك تحنين لمسؤولين سابقين؟
- لن أنكر ذلك، ففي وقتهم كانت مكانة الفنان أرفع و أهم من اليوم، رغم كثرة المتطفلين و المشوشين الذين كانوا يحومون حولهم.
-صوتك تطبعه نبرة غضب و استياء كبيرين؟
- كيف لا أكون كذلك و أنا أرى الثقافة و الفن في بلادي عاجزين عن تجاوز المحن  لغياب سياسة جادة تعمل على المدى الطويل و بآفاق و رؤى بعيدة،  و تخرج من قيود المناسبات.
منظمو مهرجانات السينما «يخجلون بنا»
- ما سر مقاطعة الكثير من الفنانين خاصة من الجيل القديم للتظاهرات السينمائية المنظمة ببلادنا؟
- هم لا يقاطعون بل يتم استبعادهم، لأن ثمة من المشرفين على مثل هذه التظاهرات في رأيي من   يخجلون بالممثلين الجزائريين، رغم الكفاءات التي تزخر بها بلادنا في المجال السينمائي و التي بإمكانها أن تشرّف القطاع لو منحت الفرصة لكن هؤلاء يهمشون، آمنت دائما بأن من يمنح الفنان قيمته و مكانته و هيبته، هم أبناء بلده، لكن الفنان عندنا يهان، و قد رأينا ذلك في المهرجانات السينمائية الأخيرة، كما صدمنا لطريقة معاملة الفنانين المحليين و حتى المخرجين المعروفين الذين لم يسلموا من سوء المعاملة، ولا داعي للتذكير بالحادثة التي وقعت للمخرج محمد لخضر حامينا مع عون الحراسة الذي لم يكن يعرف بأن ذلك الرجل هو من أوصل السينما الجزائرية وحتى العربية إلى أرفع المحافل الدولية و منحها أول سعفة ذهبية، فكيف يمكننا بسلوكات كهاته أن نقول أنه لا تزال للفنانين القدامى مكانة و هم آخر من يفكر فيهم المنظمون و يرسلون لهم دعوات و يكرمونهم و يحتفون بهم كما يحتفى بالضيوف. و أستغرب كيف لا يتدخل القائمون على الثقافة لفرض إشراك و دعوة الفنانين الجزائريين على المشرفين على مثل هذه التظاهرات، فهل يعقل أن تنظم تظاهرة دون حضور أسماء معروفة من  الأسماء القديمة، وكأن الجزائر أصابها العقم ولم تنجب المواهب.
- ما تقييمك للأعمال الدرامية الجزائرية الأخيرة؟
- صراحة بقدر إعجابي بمخرجين و ممثلين شباب متميزين، بقدر استيائي من نوعية الأعمال التي بات يسمح ببثها على القنوات الوطنية، و ما تحمله من ألفاظ الشارع التي ما كانت لتمر في زمن كان يحرص فيه المنتج قبل المخرج و قبل الممثل على تنقية اللهجة من كل ما يمكن أن يؤثر على تربية و أخلاق المجتمع، و كانت تمرّر الرسائل بذكاء دون الحاجة إلى الجرأة المصطنعة بحجة أن هذه السلوكات موجودة في الواقع و ما الدراما إلا مرآة لها، و ينسون أن الترويج للسلوكات المشينة قد يحرّض و يشجع على انتشارها، و يصبح المشاهد المراهق يراها عادية و قد يقلّدها و هذا ما نراه من تأثير سلبي واضح للأفلام التركية و قبلها الأمريكية و المصرية، أتذكر كيف كنا نتناقش كفريق عمل على تهذيب بعض العبارات حتى لا نصدم المشاهد، لكننا اليوم أصبحنا لا نفرّق بين الشاشة العملاقة و الشاشة الصغيرة  و ما يليق للأولى و لا يصح للثانية.. قد يعتبرنني البعض «رجعية» لكنني أفضل التمسك بالمبادئ القديمة على أن أقلد و أستهلك من ثقافات غيري و ثقافتي أثرى و أعرق.
فنانون رحلوا و لم تستفد عائلاتهم من مستحقات أعمالهم
- هل ستضطرك هذه العوامل إلى الاعتزال؟
- قد اختار الابتعاد و كم رفضت من العروض بسبب عدم ثقتي في المنتجين من جهة و عدم ارتياحي للأعمال من جهة أخرى، لكن الاعتزال فلا، لأن ذلك يعني الاستسلام و التخلي عن الرسالة التي كافحت لأجلها طوال عمري
 و هي خدمة الفن و الثقافة في بلادي و سأواصل ذلك و لو بلساني، لكن هناك من المخرجين الجادين من أتشرّف بالعمل معهم دائما و كان من بينهم المخرج الذي تعاملت معه مؤخرا في العمل الذي بث بإحدى القنوات الخاصة في شهر رمضان و الذي اعتذر مني و قدم لي عقد العمل لأتمكن من تحصيل مستحقاتي من الجهة المنتجة، لأنه عجز في تحقيق ذلك و اضطر للعودة إلى فرنسا قبل تسوية الوضع، و الأمر من ذلك أنني عندما تنقلت لرؤية المسؤول على الإنتاج، تهرّب و ادعى من معه بأنه غير موجود و هذا أثر في كثيرا و بكيت لما وصلنا إليه من مظاهر الاحتيال و رفضت أن أعامل كذلك و أنا في عقدي الستين و قضيت جل عمري في خدمة السينما و الإذاعة و الإنشاد، و لست الوحيدة من عانت ذلك بل الأكثرية و منهم من رحلوا و لم يقبضوا دينارا واحدا و من هؤلاء زميلتي العزيزة الراحلة فتيحة بربار التي توفيت دون أن تستفيد عائلتها حتى اليوم من مستحقات عملين شاركت فيهما و تم عرضهما.
- طالما لا زلت مصرة على التحدي، فهل من أعمال جديدة في الأفق؟
- نعم أنا بصدد مناقشة عرض مع مخرج شاب حول دور في مسلسل درامي من توقيع محمد عمار، أين سأجسد دور الأم في عمل لا يمكنني الحديث عنه الآن قبل أن يعلن هو شخصيا عنه. و ثمة عمل ثاني يحمل عنوان «لالة زينب» مع الممثلة مليكة بلباي و أعجبتني كثيرا القصة و حبكتها، فنحن لدينا من المواضيع أو الظواهر الاجتماعية ما يليق لتجسيد أعمال درامية ناجحة و لا حاجة لنا للتقليد.

الرجوع إلى الأعلى