لا خطر على التلفزيون العمومي من القنوات الخاصة  و قسنطينة لم تحافظ على مكانتـــــها كمدرســــــة للإعـــــــلام
اعتبر الإعلامي نورالدين ضروي بأن ما يرتكبه الصحفيون الجدد من أخطاء لغوية، لا يرجع للتكوين وحده بل لنقص الشغف  بمهنة الإعلام التي تفرض على محترفها تكوين نفسه و تكثيف جهده ليكون في مستوى المتلقين.
حاورته مريم بحشاشي
ضروي تحدث أيضا عن واقع الصحافة الجوارية و حظ العاملين بالمحطات الجهوية مقارنة بالمحطة المركزية، مؤكدا بأنه ليس هناك عدل في منح فرص التكوين و إسناد المهمات بالخارج، كما تحدث عن واقع الإعلام بقسنطينة التي يرى بأنها كانت مدرسة يعتد بها لكنها لم تعد في نظره بذلك الزخم و المستوى الذي كانت عليه في السابق.
-النصر: حدثنا عن تجربتك في الإعلام الجواري و كيف ترى مستقبل المحطات الجهوية العمومية في ظل انتشار القنوات الخاصة؟
 - نورالدين ضروي: مثلما تبيّنه التسمية فإن المحطات الجهوية تقوم بعمل جواري إن لم نقل محلي بحكم تغطيتنا لكل ما يخص الولايات التابعة لمحطتنا، وأينما يكون حدث تكون فرقنا لإنجاز حصص أو تغطيات أو روبورتاجات، لذا كنا سباقين إلى العمل الجواري و قدمنا خدمات و نقلنا انشغالات المواطنين بكل موضوعية و لا زلنا نفعل ذلك. و بخصوص مستقبل المحطات في ظل انتشار القنوات الخاصة فلا أرى خطرا عليها لأن التلفزيون الجزائري وفر حق المواطن في الإعلام طبقا لما يفرضه الدستور و هو ما ساعده على كسب ثقة المواطنين و لا بد من التأكيد بأن التلفزيون الجزائري يعمل بمنطق الرأي و الرأي الآخر.
 لم يكن هناك عدل في تمكين صحفيي المحطات الجهوية من التكوين
- يرى كثيرون أن الصحفي بالتلفزيون العمومي مقيد و يخضع للرقابة المشددة، فإلى أي حد يصدق ذلك عند التحدث عن هامش الحرية؟
- هامش الحرية موجود، فنحن عندما نتحدث عن قضايا التنمية و سوء التسيير في مستويات معيّنة لا نتعرّض أبدا للرقابة على مستوى إدارتنا و إنما نلاحظ أحيانا ردود أفعال لدى بعض المسؤولين، غالبا لا نجد لها مبرّرا لأنهم  يشخصون الأمور و يعتبرون ذلك مساسا بشخصهم و كأننا ضدهم، يمكن لكون بعضهم لا يفهم دور الإعلام. و صراحة نعيش مثل هذه المواقف من حين إلى آخر، غير أن ذلك لا يمنعنا من مواصلة عملنا.
- لكن هناك من الزملاء من اشتكوا التضييق، فكيف فعلت أنت لتتجاوز ذلك؟
-أنا شخصيا حرصت طيلة مشواري المهني على عدم الاصطدام مع أي كان وذلك من خلال التزامي بقانون اقتنعت به منذ البداية و هو قانون الموضوعية و كنت أشتغل بشفافية و وضوح حتى لا أقع في المطبات..و صراحة عندما نتحدث عن قانون الإعلام أجد نفسي أكثر قناعة بأن هذا القانون يجب أن يجعل للبحث عن كيفية ترقية المهنة بشكل عام أما القانون الفعلي فهو الذي يجب أن يتقيّد به كل شخص اختار مهنة الصحافة و الحرص على أن يكون ملتزما و صاحب أخلاق و يتمتع بروح المسؤولية و أداء الواجب في حدود  ما يجب و الابتعاد عن إقحام الذاتية في العمل حتى مع الأشخاص الذين لا يشاطرهم الرأي.
- رغم ما يتمتع به الصحفيون الجدد من جرأة  في الطرح يفتقدون للكثير من المهارات الأخرى التي تقتضيها محاورة الآخر إلى ما يرجع ذلك في رأيك؟
- إنه الفهم الخاطئ للإعلام الذي يعتبر كوسيلة للبناء  و ليس للهدم و صراحة هذا ما أتطرّق إليه باستمرار مع طلبتي بمعهد الإعلام بقسنطينة و الذين أنبههم دائما بأن دور الإعلامي يجب أن يكون دور المنبه و المنوّر و المبصّر حتى يلتفت الآخرون للنقائص التي رصدها و يعالجونها بما يجب، دون اعتبار الإعلام وسيلة لضرب الآخر ، لأن لا صلة لمن يتبعون هذه الوسائل بمجال الإعلام لأنه مهنة نبيلة.
- و ماذا عن مشكلة الأخطاء اللغوية التي باتت تصم آذان المستمعين؟
 - بالفعل، حدث ولا حرج، و أرى أن الدور الأساسي في ذلك يقع على مستوى التكوين، غير أن هذا لا يجب أن يكون مبررا و على من يريد امتهان هذه المهنة الاجتهاد و المثابرة حتى لا يوقع نفسه في مواقف حرجة أمام ملايين المشاهدين، كما أعتقد أن للمحيط المهني أيضا دور فعال في دفع الصحفي لأن يوفر لنفسه وسائل العمل سواء تعلّق الأمر باللغة أو التحكم في وسائل الاتصال و التكنولوجيات الحديثة، لكن لابد من الاعتراف بأن ثمة نقص فادح و مزعج عندما يتعلّق الأمر باللغة.
 بعض المسؤولين ردود أفعالهم من العمل الصحفي لا مبرر لها
- يبدو الإعلاميون سابقا أكثـر اطلاعا و ثقافة عكس اليوم لماذا في نظرك ؟
 - يبقى العنصر البشري هو الأساس، فالعمل الإعلامي إبداع و قدرة على استلهام الأفكار و لا يأتي ذلك من عدم بل يفرض على الصحفي التعلّم المستمر، توسيع ثقافته العامة و البحث و الرغبة في معرفة كل ما يحيط به و ذلك من خلال الاحتكاك  بمختلف الأوساط لمعرفة خبايا كل وسط، و يمكن القول أن مستوى الإعلاميين القدامى يعكس شغفهم الكبير بالمهنة و الحرص على الحفاظ على صورة الإعلامي المتمكن، لذا كانوا يفعلون كل شيء لأجل حمايتها من الانكسار و عليه تجدهم دائمي البحث و التكوين و الإطلاع، لكن هذه الرغبة تكاد تكون مفقودة للأسف في الجيل الجديد مع التذكير دائما بإلزامية عدم التعميم.
- أليس هذا راجع لحمى عصر الشهرة و البروز الذي يجعل الأكثـرية يتوجهون نحو الإعلام المرئي أكثـر من المكتوب؟
- هذا ما أحذر منه طلبتي و أسألهم لماذا اختاروا هذا المجال؟ فإذا كان هدفهم البروز  فأقول لهم بأنهم سيسقطون سقوطا حرا، لكن إذا كانوا يسعون لتقديم الخدمة عن طريق هذه الوسيلة، فإنهم سينجحون، أما بخصوص اختيار السمعي البصري عن الصحافة المكتوبة، فأظن أن السبب يعود أيضا لسهولة تحرير الخبر و الروبورتاجات التلفزيونية مقارنة بالصحافة المكتوبة التي تتطلب جهدا أكبر، لكن الجميع يدرك و يؤمن بأن الصحافة المكتوبة تبقى المدرسة.
- هل العمل الصحفي في محطة جهوية، يمنح ممارسه فرصة البروز كما في المركزية؟
- إلى حد ما إذا قدم عملا نوعيا، أو كان ممارسا مداوما يمكن أن تكون فرصته في البروز و فرض نفسه في الساحة كاسم إعلامي متميّز، لكن يبقى العمل بالمحطة المركزية أهم و أسرع لتحقيق ذلك، لأن أغلب الحصص و البرامج و الأخبار تقام هناك. و البروز يساوي الحضور الدائم و المستمر على الشاشة.

- ألا يقلل ذلك من عزيمتكم كإعلاميين، خاصة و أن ظهور الكثيرين بالمحطات الجهوية يكاد يكون مناسباتيا؟
- أنا شخصيا نلت حظي من الظهور على الشاشة من خلال تقديم النشرة الإخبارية الجهوية طيلة 16 أو 17سنة و كنت أكلف  و أشرف على كل ما هو مباشر في نشرة الثامنة خلال الزيارات الرسمية المهمة و الأحداث الكبرى، و عليه فأنا لم أشعر بمثل هذا النقص الذي أسجله عند بعض الزملاء الآخرين.
أقمت بالتلفزيون لسنتين خلال العشرية السوداء
- ماذا عن الإمكانيات هل هي متوّفرة؟
- لدينا الإمكانيات التي تكفينا لتغطية الأحداث عندما تكون بأماكن محددة، لكن عندما تكون التغطية تخص عدة ولايات في الشرق نجد صعوبة سواء تعلق الأمر بالإمكانيات البشرية أو المادية فلا عدد الكاميرات يكفي و لا الصحفيين و التقنيين أيضا، لأننا مكلفين بتغطية من 15 إلى 17ولاية، خاصة في المناسبات و الكبرى و خلال الانتخابات.  
- اخترت البقاء في الوقت الذي نال عدد كبير من زملائك فرصا ذهبية بالخارج؟
- قناعتي الشخصية لم تدفعني للمغادرة، رغم الفرص الجميلة التي جاءتني أذكر منها عرض عمل تلقيته عام 1995 مباشرة بعد مشاركتي في تكوين على مستوى التلفزيون البلجيكي و كان ذلك في إطار برنامج الاتحاد الأوروبي و أين أحرز عملا قدمناه أنذاك الإعجاب و استحسان المشاركين، حيث اقترحوا على العمل بالقسم العربي بأورنيوز، لكنني فضلت العودة إلى وطني رغم العشرية السوداء ، لأنني مرتبط بعائلتي بشكل كبير،  ولأنني أدرك ومقتنع بأن أوروبا ستمنحك النجاح المادي و المهني لكنها ستخسرك العائلة و أنا لا أريد أن أفشل اجتماعيا و هذه قاعدتي و قناعتي التي لم تتغيّر، و اخترت البقاء في قسنطينة التي بدأت فيها صحفيا و سأنهي مشواري صحفيا.
-في سياق الحديث عن العشرية السوداء حدثنا عن تلك الفترة التي فقدت فيها زملاء لك بالمهنة، و ماهي أهم الإجراءات التي اتخذتموها لحماية أنفسكم، خاصة و أنه لم تكن لكم إقامة أمنية خاصة بالصحفيين كما بالعاصمة؟
- كانت فترة صعبة و لا يجب إنكار حالة الخوف التي انتابتنا حينها و قد اضطررت خلالها للإقامة بمبنى التلفزيون لمدة سنتين تقريبا، لكن مع الوقت عدنا إلى حياتنا العادية و أصبحنا نتحرّك بكل ثقة داخل أحيائنا السكنية و الأسواق و العمل دون مرافقة أمنية، لكنني كنت أحترز.
- كانت قسنطينة بمثابة مدرسة تخرجت منها أسماء إعلامية لامعة، ألا زالت تتمتع بهذه الخاصية في تقييمك؟
- ليس بنفس الزخم  و المستوى، فأنا مثلا عندما التحقت بالمحطة في بداياتي وجدت أمامي قامات إعلامية مثل عثمان أمقران، و دعاس الربيع، و نية سعدون و غيرهم من الإعلاميين المتمكنين و احتككت بهم و كنت أعمل بشكل مكثف لأصل إلى مستوى معيّن و مهارة و خبرة أكبر عكس ما أراه عند الصحفيين الجدد هي الرغبة في الوصول دون تعب.
الصحفيون الجدد يريدون الوصول دون تعب
- هل ترى بأن الجيل السابق كان أكثـر حظا من حيث التكوين من الجيل الجديد؟
- لا أظن و أنا شخصيا لم تكن لي فرص تكوين عديدة في الخارج رغم أهميتها في حياة الصحفي، لكن هناك مهمة اعتبرتها ذات أهمية كبرى في مشواري و كانت بالولايات المتحدة الأمريكية رفقة رئيس الجمهورية، حيث قمنا بتغطية متميّزة رغم عائق اللغة و شهد لنا الكثيرون بذلك، لكن بكل صراحة أؤكد بأنه لم يكن هناك عدل في تمكين الصحفيين بالمحطات الجهوية من فرص المشاركة في تربصات أو مهام بالخارج عكس الزملاء بالمركزية.
م.ب 

الرجوع إلى الأعلى