الخواص يرفضــــــون الدخــــــول  للبورصـــــــة خـــــوفــــا  من الشفافيـــــــة
أكد المدير العام لبورصة الجزائر، يزيد بن موهوب، بأن الجماعات المحلية بما فيها البلديات، يمكنها اللجوء إلى البورصة لتمويل المشاريع، مشيرا إلى أن قانون البلدية و الولاية الأخير يعطي صلاحيات لرؤساء المجالس البلدية باللجوء إلى البورصة لطرح سندات و تمويل مشاريعها، خاصة التي لها قيمة اقتصادية و تساهم في فتح مناصب الشغل. و أشار بن موهوب في حوار للنصر، إلى أن البورصة تعد أحد البدائل لتمويل المشاريع بعد العجز الذي تعرفه الخزينة العمومية، موضحا بأن عدم لجوء الشركات الخاصة للبورصة يعود لكونها تخاف من الشفافية، خاصة أنها ستكون ملزمة بتقديم حساباتها مرة أو مرتين في السنة. و في نفس السياق، دعا مدير عام البورصة الشركات التي تعتزم اقتحام مجال التصدير نحو الخارج، إلى دخول البورصة التي تكسبها مصداقية و سمعة جيدة لدى المتعاملين الأجانب.
حاوره: نورالدين-ع
النصر: بداية، كيف يمكن للمتعاملين الاقتصاديين اللجوء إلى البورصة؟
• البورصة ما هي إلا سوق كباقي الأسواق، و السلعة فيها هي تبادل الأصول المالية للشركات، و عادة ما تلجأ الشركات التي تعاني من عجز مالي و لا تحصل على التمويل من البنوك إليها، للاستفادة من التمويل لمشاريعها، فهي مكان للتبادل بين الشركات التي تعاني من عجز مالي و المدخرين المستثمرين في البورصة، كما أشير لك إلى أن بورصة الجزائر متكونة من سوقين اثنين هما الأسهم و السندات، بحيث يضم السوق الأول نوعين، النوع الأول يخص الشركات الكبرى التي يفوق رأسمالها 500 مليون دينار، و الثاني يخص الشركات الصغيرة و المتوسطة التي يقل رأسمالها عن هذا المبلغ.
و يمكن للشركة أن تمول نفسها دون اللجوء إلى الاستدانة، أي أنها لا تحصل على قروض مقابل فوائد، و ما تقوم به هو فتح رأسمالها شرط أن تكون ذات أسهم، و يتم ذلك من خلال رفع رأس المال و خلق أسهم جديدة أو أن تقوم ببيع حصة من رأسمالها، كما أن تمويل المشاريع في البورصة لا يكون بالاستدانة أي الحصول على قروض مقابل فوائد، و إنما بفتح رأس المال و دخول مساهمين جدد، كما يمكن للشركات الحصول على تمويلات طويلة و متوسطة المدى، و في آخر المطاف يحصل المساهمون في هذه الشركات على نسبة من الأرباح، أما الشركات العائلية التي لا تفتح رأسمالها، فيمكنها أن تلجأ إلى سوق السندات و طرحها في البورصة مقابل فوائد.
البورصة أحد البدائل لتمويل المشاريع بعد العجز المسجل في الخزينة
النصر: هل يمكن للشركات الحصول على التمويل من البنوك دون التوجه للبورصة؟
• نعم البنوك تمول الشركات، لكن منح القروض له حدود أو سقف، و بالتالي الشركات التي لا تتمكن من الحصول على تمويل من البنوك أو التي تحصل على تمويل جزئي، يمكنها التوجه نحو البورصة للحصول على التمويل التكميلي للمشاريع، و أقدم لك مثالا عن شركة عائلية دخلت البورصة بعد فتح رأسمالها و تحصلت على تمويل لمشاريعها بقيمة 60 مليون أورو، و هذا التمويل لم يكن في شكل استدانة، و في آخر السنة بعد جنيها لأرباح يتحصل المساهمون على فوائد، و أوضح لك في هذا الإطار بأن كل الفوائد المحصلة من الأسهم معفاة من الجباية.
النصر: البعض يعتبر بأن البورصة لم تلعب دورها كما ينبغي في المجال الاقتصادي، ما تعليقك؟
• لحد الآن عدد الشركات التي دخلت البورصة هو خمس شركات، و حقيقة البورصة لم تؤد دورها الاقتصادي لاعتبارات مختلفة، منها نشأتها الحديثة التي كانت في التسعينيات أي في العشرية السوداء و الكل يعلم الظرف الذي عاشته الجزائر في تلك الفترة، في حين الانطلاقة الاقتصادية بدأت مع سنة 2000 و أصبحت للجزائر استثماراتها بفضل ارتفاع أسعار البترول، و الشروع في إنجاز المنشآت القاعدية و إطلاق البرامج الخماسية، و لهذا فالبورصة لم تلعب دورها لعدة أسباب و هي غياب ثقافة البورصة لدى المتعاملين الاقتصاديين لأن النمط الاقتصادي الجزائري لم تتواجد فيه البورصة و ظهورها كان حديثا، على عكس البنوك التي بدأت مع استقلال الجزائر مباشرة.
إلى جانب ذلك، هناك غياب لثقافة البورصة لدى عوام الجزائريين، رغم أنها مفتوحة لعامة الناس الذين لديهم إدخارات في منازلهم و يمكنهم تحويلها لاستثمارها في البورصة في شكل أسهم يمكن أن يجنوا منها فوائد كبيرة. و في نفس الوقت أعطت السلطات العمومية في النمط الاقتصادي المطبق، امتيازات عديدة لدفع عجلة الاقتصاد، منها الإعفاءات الجبائية، و واكبتها بقروض بنكية مدعمة من طرف الخزينة العمومية، و هذا ما خلق هروبا من البورصة من طرف المتعاملين الاقتصاديين و توجههم نحو البنوك للحصول على قروض، خاصة أن في الفترة ما بين 2000 و 2014، كانت البنوك تتوفر على سيولة مالية كبيرة لم تجد مجالا لاستثمارها، و بالتالي الشركات لم تجد ضرورة للجوء إلى البورصة، ما جعلها لا تتطور، لكن الظرف المالي الحالي ساعد كثيرا البورصة في لعب دور أكبر.
النصر: كيف ساعد الظرف الحالي في لعب البورصة دورا أكبر؟
• تراجع المداخيل أدى إلى تقلص الكتلة المالية بالخزينة العمومية، و بالتالي أصبحت هذه الأخيرة عاجزة عن تمويل المشاريع، و بذلك على الشركات البحث عن مصادر أخرى للتمويل، و من بين الحلول المقترحة لتمويل المشاريع اللجوء إلى البورصة، و في نفس الوقت التمويل من طرف البنوك لم يعد سهلا بسبب تراجع السيولة المالية فيها، و قد تلجأ البنوك إلى انتقاء المشاريع التي تمولها، و بالتالي شركات عديدة لا يمكنها الحصول على قروض من البنوك و عليها التوجه نحو جهات أخرى.
البورصة تعد أحد البدائل المناسبة لتعويض التمويل الذي فقدته الشركات من البنوك، كما أن شروط التمويل منها تختلف عن الشروط الموجودة في البنوك، بحيث أن الضمانات التي تشترطها البنوك لمنح القروض لا وجود لها في البورصة، في حين ما هو مطلوب من الشركات للدخول إلى البورصة هو أن تستوفي شروط معينة و هي تقديم حساباتها مرة أو مرتين في العام و هو ما يسمى بالشفافية.
النصر: برأيك، لماذا ترفض الشركات الخاصة الدخول إلى البورصة؟
• لأنها ببساطة تخاف من شفافية الحسابات المالية التي تعد شرطا لدخول البورصة، و هذا ما تتفاداه العديد من الشركات الخاصة، وغياب الشفافية يعني أن هناك لبسا أو غموضا في هذه الشركات التي تصرح بحسابات معينة و حسابات أخرى لا تصرح بها، كما أن البنوك ستكون حريصة مستقبلا على القروض التي تقدمها، و بغض النظر عن بعض القطاعات الإستراتيجية التي تتمتع بالأولوية بقية القطاعات الأخرى، كل القروض التي ستحصل عليها من البنوك تكون بنسبة فوائد عالية و هي تلك التي تكون متداولة في السوق و لن تستفيد من تخفيضات على نسبة الفوائد.
و نعود لنؤكد مرة أخرى بأن البورصة في هذه الحالة يمكنها أن تلعب دورا كبيرا و ما على الشركات سوى فتح رأسمالها و الدخول إليها، بحيث أن الشركات الكبرى مطالبة بأن تفتح على الأقل 20 بالمائة من رأسمالها، أما الشركات الصغيرة و المتوسطة فعليها أن تفتح على الأقل نسبة10 بالمائة منه، و هذه النسبة ضئيلة و لا تجعل أصحاب المؤسسة يفقدون السيطرة عليها، و بالمقابل تمكن هذه العملية الشركات من الحصول على  قروض طويلة و متوسطة المدى لتمويل مشاريعها.
النصر: هل يمكن للجماعات المحلية الحصول على تمويل لمشاريعها من طرف البورصة؟
• نعم يمكن ذلك، و الأمر لا يخص الجماعات المحلية فقط، بل أيضا كل الشركات و المؤسسات المختلفة التي لم تفتح رأسمالها، و يمكنها في هذه الحالة أن تستدين بالتوجه إلى شركات التمويل التي دخلت البورصة و طرحت سندات بقيمة 2000 مليار سنتيم، بحيث يمكن للجماعات المحلية و المؤسسات المختلفة اللجوء إلى شركات «ليزينغ»لاقتناء عتاد عن طريق البيع بالإيجار أو البيع بالتقسيط، بحيث تلجأ المؤسسات لهذه الصيغة عندما يتعلق الأمر بعتاد يحتاج لأموال كبيرة، و تقوم بتسديده بالتقسيط، و عند نهاية فترة التسديد يمكنها تملكه، و بنفس الطريقة تستطيع الجماعات المحلية و خاصة البلديات التي تعاني عجزا ماليا، التوجه للبورصة لتمويل المشاريع، فقد أعطى قانون البلدية و الولاية الأخير لرؤساء المجالس الشعبية البلدية، صلاحيات التوجه للاقتراض و تمويل المشاريع من البورصة، و هذه العملية تتم من خلال قيام البلديات بطرح سندات على مستوى البورصة، لتحصل مقابل ذلك على أموال تمول بها مشاريعها.
و أوضح لك في هذا الشأن أن على مستوى سوق السندات، الشركات التي تطرح سندات يجب عليها تقديم ضمانات، في حين الجماعات المحلية معفاة من هذه الضمانات، لأنها تعتبر في حد ذاتها ضمانا، و هذا ما سهل عليها الحصول على تمويلات من خلال خلق سندات، كما يمكن لأي شخص أو مؤسسات أخرى، أن يشتري هذه السندات، فعلى سبيل المثال إذا أرادت بلدية ما إنجاز مشروع ما يساهم في خلق مناصب الشغل و الثروة و غيرها بقيمة 100 مليار دينار مثلا، تتوجه إما للبنوك للحصول على تمويل المشروع أو البورصة بطرح سندات بفوائد، و هذا ما قامت به شركة سونلغاز منذ السنوات الأخيرة.
على الشركات التي تعتزم التصدير دخول البورصة لاكتساب السمعة الجيدة والمصداقية
كما أنه في سوق السندات، يمكن لمواطني البلدية أن يساهموا في العملية، خاصة إذا كان المشروع ذو قيمة اقتصادية كبيرة و مربحا، و هذا ما حدث مع القرض السندي الذي طرحته الحكومة و حقق نتائج كبيرة جدا وفق المعلومات التي أملكها، هذا القرض يُعد أحد الطرق للحصول على تمويلات و لم تلجأ إليه الدولة من قبل، لأنها كانت تتوفر على مداخيل كافية، و هو إجراء لا يعد استثنائيا بل لجأت إليه عدة دول منها مصر، السعودية و غيرها، حيث يعتبر من بين الطرق لتمويل المشاريع، و من المنتظر أن يتم طرح سندات أخرى أمام البورصة بدون فوائد.
النصر: ما هي الفوائد التي تجنيها الشركات من دخولها للبورصة؟
• بعض الشركات تدخل البورصة من أجل الحصول على تمويلات، في حين شركات أخرى تدخلها من أجل تحقيق السمعة، لأن الشركات الموجودة في البورصة شركات نظيفة و لها سمعة طيبة و شفافية و تتمتع بالمصداقية، و لهذا و أمام النمط الاقتصادي الجديد الذي يشجع على التصدير، نقول بأن الشركات التي تنوي اقتحام مجال التصدير نحو الخارج، عليها أن تدخل البورصة من أجل اكتساب السمعة الطيبة، لأن الشريك الأجنبي الذي يلاحظ بأن الشركة متواجدة في البورصة، يفهم بأن هذه الشركة تتمتع بالشفافية، كما أن بعض الشركات الكبرى تدخل البورصة من أجل الإشهار المجاني، مثلا اليوم لدينا 5 شركات في البورصة كل يوم يتم الحديث عنها في وسائل الإعلام المختلفة، و في نفس الإطار الدخول إلى البورصة يحفز العمال، مثلا من خلال تخصيص جزء من رأسمال الشركة الذي يفتح للعمال و يستفيدون بذلك من الأرباح.
النصر: ما هي الكلمة الأخيرة التي توجهونها للمتعاملين الاقتصاديين؟
• ندعو المتعاملين الاقتصاديين إلى تغيير نمط التفكير داخل المؤسسات و عدم التخوف من البورصة، فالإمكانيات التي يمكن أن تقدمها البورصة لهذه الشركات لا يمكن تصورها، كما نؤكد بأن أبوابنا مفتوحة لجميع المواطنين و المتعاملين الاقتصاديين و الإعلاميين، و نحن على استعداد لتقديم كل المعلومات حول البورصة و مساعدة المؤسسات في الحصول على التمويل لمشاريعها.

الرجوع إلى الأعلى