يؤمن ابن مدينة تلمسان الدكتور عبد الرحيم بورويس،29 ربيعا الفائز بالمرتبة الثانية في الطبعة الثامنة من برنامج «نجوم العلوم» الذي بثته قناة «أم بي سي4»،بأن العقل الجزائري خلاق و صنفه ضمن 10 أحسن عقول في العالم، و يكفي أن يجد البيئة المناسبة و الفرصة المواتية في بلده ليقدم أحسن الإبداعات و الاختراعات، ليتم توقيف نزيف الأدمغة الجزائرية نحو الخارج، مؤكدا بأنه سيسخر الجائزة التي حصل عليها في البرنامج و قيمتها 150ألف دولار، من أجل تطوير اختراعه المتمثل في القميص الذكي الموجه لأطفال التوحد «ووندركيت»، و كل ما يتمناه أن يجد الدعم من المؤسسات الجزائرية ليتمكن من إنتاجه و تسويقه قريبا لإنهاء معاناة هذه الشريحة الهشة و عائلاتها، كما تحدث في حواره مع النصر، عن مشاركاته في مسابقات أخرى عديدة، باختراعاته التي توجت بجوائز وطنية و دولية .
حـاورته إلهـام.ط
.النصر: في البداية نهنئك على الجائزة لقد شرفت الجزائر و الجزائريين، لكن بصراحة هل أنت راض عن حصولك على  المرتبة الثانية في البرنامج، رغم أن الفارق بينها و بين المرتبة الأولى جسده التصويت فقط؟
ـ عبد الرحيم بورويس: أي شيء يأتي من الله أرضى به، إن مجرد وصولي إلى نهائيات البرنامج واحدة من الجوائز. أود أن أشير إلى أن لجنة التحكيم أعطتنا نفس التقييم أنا وزميلي الأردني سديم قديسات، لكن الفرق بيننا الذي جعله يفوز بالمرتبة الأولى صنعه تصويت الجمهور و أنا راض بذلك. لقد أثبتت مرة أخرى قدراتي و حصلت على استحسان الخبراء و المختصين و الجمهور و هذا يسعدني. أكيد كل إنسان يطمح للحصول على المرتبة الأولى، لكن قدر الله و ما شاء فعل.
. ماذا بعد الفوز بالجائزة، هل لديك مشاريع لإنتاج و تسويق القميص الذكي «ووندركيت» لأطفال التوحد؟
ـ البرنامج أبرز فكرة و نموذج القميص الذكي الموجه لأطفال التوحد، علما بأني لم أتوقف حتى أثناء مراحل البرنامج عن العمل على تطويره. إن المشاريع التكنولوجية تتطلب بين 6 أشهر إلى 3 سنوات في المتوسط لتجسيدها بشكل كامل، لكنني سأتم مشروعي في مدة أقل إن شاء الله، فعندما أعود إلى الجزائر سأواصل الاشتغال عليه ، و أتوقع أن يكون جاهزا للتسويق في أواخر سنة 2017. الجائزة المالية التي حصلت عليها سأسخرها لإنتاج نماذج أولية ، و سأتعامل إن شاء الله  مع الشركات التي تعمل في مجال الإلكترونيات السباقة لدعم المشروع، سواء كانت داخل أو خارج الجزائر.  إن الهدف العام هو إنهاء معاناة عائلات أطفال التوحد، لهذا لن أضع المشروع على الرف، في انتظار فرصة لتمويله، بل سأغتنم أول عرض مناسب لإنتاج و تسويق القمصان الذكية لهذه الشريحة.
أطفال التوحد أولى من الكبار للقميص الذكي
. هل هذا القميص الذكي موجه لشريحة أطفال التوحد فقط و لا يمكن أن يستفيد منه الكبار المصابين بنفس الداء؟
ـ أي دولة متقدمة تستثمر في الأجيال الصاعدة و تضعها في صدارة اهتماماتها، قبل الشرائح الاجتماعية الأخرى، ومن هذا المنطلق فإن القميص الذكي الذي اخترعته موجه لأطفال التوحد الذين تقل أعمارهم عن 16عاما، و يمكن أن يستعمله الأكبر سنا، لكن الصغار أشد احتياجا إليه. فهو مشروع تكنولوجي إنساني يجمع بين الهندسة و الطب و علم النفس، و يحرر طفل التوحد من الرقابة المستمرة و الضيقة لأهله، و يصحح سلوكاته و يهدئه في حالة تعرضه لنوبات خوف أو قلق، و بالتالي يساعده على الاندماج في المجتمع، حيث أنه يشخص حالته آليا و ينبه أهله عن بعد عبر الهاتف النقال أو اللوحات الرقمية و يقدم لهم التوجيهات و التوصيات الطبية اللازمة مدمجة بمعالجات ضوئية و ميكانيكية فورية، حسب كل حالة.
أنا وفي لمؤسستي الأم اتصالات الجزائر
. أنت مهندس في الاتصالات و تشتغل في مؤسسة اتصالات الجزائر، لكنك كرست أفكارك و اختراعاتك لفائدة ذوي الاحتياجات الخاصة و الفئات الهشة عموما، كيف و لماذا حدث هذا التوجه؟
 ـ قبل أن أكون مهندسا أنا باحث بالدرجة الأولى، و حصلت على شهادة دكتوراه في التكنولوجيات الملبوسة لذوي الاحتياجات الخاصة، أي أن اختراعاتي في عمق تخصصي و كذا عملي.  كنت أول طالب دكتوراه يحصل على براءة اختراع، الفضل بعد الله عز وجل، يعود للأستاذ المشرف على رسالتي محمد فحام، مدير مخبر تكنولوجيات الإعلام و الاتصال بجامعة تلمسان، الذي كان يشجعنا كثيرا على البحث التطبيقي.  
بدأت أعمل في سنة 2010 بمؤسسة اتصالات الجزائر، بناء على عقد ما قبل التشغيل، لكني وجدت نفسي في مؤسسة عمومية حققت قفزة نوعية في احتضان الأفكار و تشجيع المواهب و الكفاءات، لقد وفرت لي و لزملائي كل الإمكانيات و أتاحت لنا كل الفرص للنجاح و التألق، ولم تبخل علينا بالامتيازات و الترقيات و التكريمات تماما كالشركات الكبرى بالولايات المتحدة. مهما قلت لن أوفيها حقها، أصارحكم بأنني تلقيت عدة عروض للعمل في مؤسسات أخرى بأضعاف راتبي الحالي، لكنني لازلت وفيا لمؤسستي الأم، و أتمنى أن تقتدي بها بقية المؤسسات ببلادنا .
رحلتي من القميص التفاعلي إلى الذكي

. كيف كانت الخطوة الأولى لتجسيد القميص الذكي لأطفال التوحد؟
ـ بدأت أفكر في أطفال التوحد منذ 2015 ، في نفس السنة نظمت وزارة البريد و تكنولوجيات الإعلام و الاتصال مسابقة كانت موجهة للجنس اللطيف، و بالتالي لم يكن لدي الحق في المشاركة، كنت قد أنجزت في نفس الفترة قميصا تفاعليا لأطفال التوحد، قدمته لزوجتي و هي أيضا باحثة و زميلة بمؤسسة اتصالات الجزائر لتشاركان به في المسابقة، فتوج بالجائزة الأولى، ما شجعني على المشاركة في مسابقة «عينتك» بالأردن بهذا القميص و بلغت مرحلة النهائيات، لكنني لم أفز بالجائزة و كانت من  نصيب أردني، لم أبك على الأطلال، بل قررت أن أغير المشروع و أقضي وقتا أكبر في مراكز أطفال التوحد و أغوص في عالمهم. و هكذا توصلت إلى تصميم قميص ذكي لهم.
. لماذا توجهت إلى قطر و اخترت برنامجا عربيا و أنت معروف في مجال الاختراعات على الصعيد الدولي، هل تبحث عن الانتشار عربيا، أم عن منفذ لسوق مغر؟
ـ اخترت قطر لأنها تولي اهتماما كبيرا بأطفال التوحد، حتى أنها أسست يوما عالميا لهذه الشريحة في سنة 2007، لقد أدركت أن برنامج «نجوم العلوم» الذي تنتجه مؤسسة قطر، سيساعدني كثيرا على إبراز هذا الاختراع الإنساني و التكنولوجي.سجلت نفسي في البرنامج مع آلاف المترشحين و توجهت إلى الرياض لحضور مؤتمر، ثم قمت بمناسك العمرة و استخرت الله، قلت  ان لم  أحصل على إحدى المراتب الأربع الأولى في البرنامج، فلا أريد المشاركة. و رن الهاتف و علمت بأنني مقبول.و حقق الله دعائي و الحمد لله.
اختراعات لمرضى الزهايمر و المكفوفين
. شاركت أيضا في مسابقة بسويسرا و وصلت إلى نهائيات المسابقة بمشروع موجه للمكفوفين حدثنا عن التجربة...
ـ كان ذلك بدعم من مؤسسة اتصالات الجزائر، في بداية سنة 2015  قدمت تطبيقا يعتمد على تقنيات معالجة الصورة لتحويلها إلى نموذج من كتابة براي للمكفوفين، كما يساعدهم على  معرفة الكلمات الافتتاحية في الكتب و الوثائق المكتوبة بالبراي.
. ما هي أول فكرة اختراع انطلقت منها؟
ـ أتذكر أنني كنت في 2012 أول جزائري يشارك في أولمبياد الاختراعات بالكويت، شاركت بمشروع قميص ذكي لمرضى الزهايمر، و حصدت الميدالية الذهبية آنذاك، كما شاركت بتطبيق لتحويل الهاتف النقال  إلى وحدة لتشخيص داء الماء الأبيض «الكتاراكت» في العيون، وحصلت عنه على الميدالية الفضية، و في نفس السنة ابتكرت قميصا ذكيا للأطفال العاديين، يساعد الآباء و الأمهات على التعرف على أماكن تواجدهم حتى لا يتوهوا.
العقل الجزائري ضمن أفضل عشرة عقول في العالم
.هل لمهنة والدك الميكانيكي و الوسط العائلي الذي نشأت فيه تأثير على مسارك التعليمي و توجهك نحو البحث و الاختراع؟
ـ أفتخر بأبي كثيرا فهو ذكي و ماهر و مهنته قربتني من الهندسة و البحث. للوالد و الوالدة الفضل الأكبر بعد الله عز و جل في كل شيء حققته و سأحققه في حياتي، لقد ربياني على الأخلاق النبيلة و كانا يقدسان العلم و يحفزاني على بلوغ أعلى المراتب، إن أمي و أبي و زوجتي و عائلتي ككل أغلى ما أملك و نجاحي مرتبط بهم.
. المخترع الجزائري يبرز خارج بلاده و يتألق، في رأيك أين الخلل ؟ هل هو غياب مؤسسات تحتضن الأفكار الجديدة أم هو ضعف الثقة في كل ما يصدر عن الجزائري؟
ـ لقد أتيحت لي الفرصة لزيارة عدد كبير من البلدان في أوروبا و أمريكا و آسيا و طبعا إفريقيا، و عملت مع أناس معروفين و موهوبين و درس أغلبهم  في جامعات أمريكية كبرى، على غرار زملائي في برنامج «نجوم العلوم»، لكنني ورغم أن تكويني جزائري محض،إلا أنني كنت منافسا شرسا لهم يحسبون له ألف حساب، و هذا شأن الكثير جدا من الباحثين و المخترعين الجزائريين في شتى الاختصاصات. أنا أؤمن بأن العقل الجزائري ضمن أفضل 10عقول في العالم و بأن الجزائري في حد ذاته مبدع. المشكل الذي يواجهه يمكن تلخيصه حسب رأيي في نقطتين البيئة و الفرصة.أقصد بالبيئة المكان المادي و المعنوي الذي يحيط به و إذا كان يساعده على التفكير و الإبداع. أما الفرصة فتتمثل في توفير المعطيات و الظروف لكي يتمكن من تجسيد الإبداع أو الاختراع على أرض الواقع، و بالطبع إذا لم يجدها في وطنه قد تتاح له خارجه و يتألق.  لهذا لا بد من توفير ذلك في وطننا لمحاربة ما يعرف ب»هجرة الأدمغة».
.مشاريعك المستقبلية   
ـ سأواصل الاهتمام بعالم أطفال التوحد، و سأركز على قميصهم الذكي، إلى أن يتم إخراجه للسوق. هذا الأسبوع سألتقي بمجموعة من علماء التوحد في مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية «ويش 2016» بقطر و سأعتمد على آرائهم من أجل تطويره.

الرجوع إلى الأعلى