صوّرت اغتيـــال الرئيس بوضياف و رأيت بومــدين وهو يحمي ظهر كاسترو

يتميز بسمرته عن غيره من المصورين التلفزيونيين ، كما تميزه أخلاقه العالية و احترافيته، هو الحاج إبراهيم طبي عميد المصورين التلفزيونيين بمحطة قسنطينة الجهوية، جندي الخفاء و صديق الكاميرا الذي نذر لها حياته.
نور الهدى طابي

رحلته مع التلفزيون بدأت وهو في ربيعه 17و دامت قرابة 40عاما، عاش خلالها مواقف مختلفة حفرت عميقا في ذاكرته ، كصورة هواري بومدين وهو يحمي ظهر فيدال كاسترو، و لحظة مقتل الرئيس محمد بوضياف، ذكريات عديدة حدثنا عنها في هذا اللقاء، كما حدثنا عن معركة الكاميرا مع الإرهاب الذي أخذ منه أعز صديق له.
أنا من تلاميذ هواري بومدين
استقبلنا الحاج إبراهيم طبي في بيته، أكرمنا بضيافته و فتح لنا قلبه، كما فرد أمامنا صفحات ذاكرته، إنه من مواليد قسنطينة سنة 1948 ،أنهى تعليمه الثانوي بمؤسسة خزنادار سنة 1969 ، دون أن يتحصل على شهادة البكالوريا، فقرر الانتقال إلى العاصمة لمتابعة تكوين متخصص في التصوير، قال بهذا الخصوص: « كنت أحب التصوير و قد سنحت لي الفرصة لدخول المجال بفضل الرئيس الراحل هواري بومدين، كان إنسانا عمليا يؤمن بقوة الشباب، و قد كرس مبدأ التكوين في تلك الفترة و أنا كنت من بين الذين اختاروا مجال التلفزيون وهناك من أرسلوا وقتها إلى روسيا و بلغاريا و دول أخرى للدراسة و التخصص ليشكلوا سواعد المستقبل.»
و أضاف محدثنا: «أنهيت فترت التربص و التحقت بالتلفزيون المركزي مباشرة، وقد اشتغلت لفترة في إعداد الروبورتاجات، في سنة 1971 عدت إلى قسنطينة والتحقت بمحطتها الجهوية، بالنسبة إلي كانت مدرسة حقيقية، يتوجب على العامل فيها التحكم في كل شيء تقريبا، تعاقب خلال عملي فيها مدراء كثر، أذكر منهم محمد فوغالي، الذي أنتج أول مسلسل تلفزيوني جزائري و هو « مغامرات سمير»، لقد بذلنا جهدا كبيرا لإنجازه بوسائل تقليدية وكاميرا يدوية ثقيلة، مرفقة بجهاز آخر لتسجيل الصوت. بعد ذلك عملت مع المخرج محمد حازورلي في فيلم «السخاب» سنة 1973، و شاركت في تصوير فيلم «حيزية» لنفس المخرج، محطة قسنطينة كانت آنذاك من أكثر و أهم المحطات الجهوية نشاطا و إنتاجا».
اخترت رفقة الكاميرا على رؤية أبنائي يكبرون
قال عمي إبراهيم  بأنه قضى شبابه كله خلف الكاميرا، حتى أنه غاب بشكل شبه كلي عن عائلته طيلة 30 سنة من عمره المهني، و كانت زوجته سندا له خلالها، فهي من ربت أبناءه و سهرت عليهم خلال غيابه المستمر بسبب العمل و كثرة المهمات خارج قسنطينة، مؤكدا: « كنا ننتهي من مهمة في مدينة معينة لنقصد مدينة أخرى من أجل مهمة ثانية، دون أن ندخل منازلنا حتى أنني كنت أغيب عن المنزل لمدة ثلاثة أشهر أحيانا، بعض أبنائي ولدوا و أنا غائب، كبروا أيضا وأنا بعيد عنهم جل الوقت، وهنا أود أن أشكر زوجتي « الحاجة»، فقد كانت نعم الأم و  نعم الزوجة تحملت جزءا كبيرا من مسؤولية العائلة. رغم كل شيء لم أندم يوما على إخلاصي للمهنة، لذا أقول دائما أنا قدمت للتلفزيون الكثير وهو قدم لي أكثر: سيرة مهنية حافلة، و احترام المسؤولين على اختلاف مستوياتهم، أذكر منهم والـــــــــــــيي قسنطينة السابقين عبد الوهاب نوري و نور الدين بدوي».
بومدين و كاسترو
وتابع : «يوم وفاة الرئيس هواري بومدين كنت في بيتي، اتصلوا بي من التلفزيون و طلبوا مني السفر إلى العاصمة على وجه السرعة، جهزت نفسي و قصدت المحطة المركزية للتلفزيون، تم توزيعنا على طول الطريق من قصر الشعب إلى مقبرة العالية لتصوير الجنازة، كان حدثا لا ينسى، وكأن الجزائر كلها قد اجتمعت بالعاصمة لتوديع رئيسها. بومدين كان رجلا قوي الحضور أذكر له موقفا لا ينسى، فخلال مؤتمر دول عدم الانحياز بالجزائر، كان الزعيم الكوبي فيدال كاسترو يلقي خطابا و كان بومدين فوق المنصة جالسا على بعد مترين تقريبا، وفجأة انقطع التيار الكهربائي، لم يدم الانقطاع لأكثر من دقيقة، لكن عندما عاد التيار كان بومدين يحضن كاسترو مطوقا ظهره بذراعه في حركة معناها أنا هنا أحمي ظهرك».  
سجيت الرئيس الراحل بوضياف بالعلم الوطني و بكيته لمدة شهر
عنابة 29 يونيو 1992،تاريخ لم يمح إلى غاية اليوم من ذاكرة الحاج إبراهيم طبي، كيف لا وهو الذي كان يقف على بعد خطوات من الرئيس الراحل محمد بوضياف، دقائق قبل مقتله، روى لنا الحادثة: « كنت أقف خلف الكاميرا قريبا جدا من الرئيس الذي كان يلقي خطابه وبجانبه صهره، فجأة سمعنا صوتا غريبا استدار الرئيس ونظر إلى حارسه الشخصي، لكنه لم يلاحظ قلقه فواصل خطابه، لكن الهدوء كسر مجددا، لكن هذه المرة بصوت الرصاص القادم من الخلف، انبطحنا جميعا وعندما رفعنا رؤوسنا كان هو قد قتل، سارعت إليه رفقة كثيرين أغمضنا عينيه ولم نجد شيئا نغطيه به، فرفعت رأسي إلى العلم الوطني المعلق خلف المنصة، سحبت العلم و سجيته به».
و أضاف « بقينا في القاعة من الثامنة صباحا حتى السادسة مساء دون أكل أو شراب كانت الصدمة قوية، بعد عودتي إلى منزلي عانيت كثيرا بسبب الحادث، لم أكن أستطيع النظر إلى صورة الراحل بوضياف و بكيته لمدة شهر كامل».
و قال بخصوص الرئيس عبد العزيز بوتفليقة: « غطيت كل زياراته إلى قسنطينة ومدن الشرق الجزائري، هو  أحد الرجال الذين يستطيعون احتواء المكان بكل ما فيه، حتى أنه كان عندما يلقي خطاباته يصنع من حركة بسيطة، أو تعليق بسيط حدثا».

العشرية السوداء.. ذكريات معركة الكاميرا و الرصاص و الرفاق الذين قتلوا
تابع الحاج حديثه: «من يقـــول بأن العمــــل في التـــلفزيون بسيط فهو مخــــــطئ، فالإعلاميون و التــــقنيون على حد سواء، كانوا مستهدفين خــــــــــــلال الــــــعشرية السوداء، كما أن التنـــــقل بالكاميـــــرا من ولاية إلى أخرى، كان يشكل الكثير من المخاطر، فالإعلام بدوره واجه الإرهاب من خلال فضح بشاعته أحيانا و التعتيم على جرائمه أحيانا أخرى، وذلك بهدف الحفاظ على صورة الجزائر و التعامل مع فظائع المجرمين على أنها لا حدث. أذكر أننا في إحدى المرات قصدنا مدينة القل في عز الأزمة الأمنية لتسجيل حصة غنائية فنية في المساء مع الشاب عزيز رحمه الله على بأحد الشواطئ مساء، كان ذلك قمة التحدي، فالرصاص لم يتوقف في الجبال المحيطة و نحن نحاول أن ننقل صورة مشرقة عن الجزائر المتمسكة بحب الحياة وجمالها. فقدت أصدقاء كثر في تلك الفترة، حز في نفسي مقتلهم على يد المجرمين، من بينهم صديقي المقرب حكيم طاكوشت الذي اغتيل دون سبب، حاله كحال صديقي الآخر مخلوف بوخزر، فقد كانا من أطيب الناس و أكثرهم بعدا عن السياسة و أغوارها، مخلوف كان يقول « ما دارت ما نخاف»، مع ذلك لم يسلم من بطش آلة القتل الهمجية».
شهادة صورية بوعمامة وعبد الوهاب نوري
تحدث صاحب العدسة المخضرمة، عن عشقه لمهنته، فأكد بأنه لم يستطع التخلي عنها حتى بعد تقاعده سنة 2009، إذ لا يزال إلى اليوم يلبي طلب كل من يستدعيه للعمل، فشارك في تصوير كل مواسم برنامج «ألحان و شباب عودة المدرسة»، بالإضافة إلى برامج أخرى لمؤسسات أو وكالات إعلامية خاصة.  يرجع محدثنا السبب في استمرار نشاطه إلى حبه للعمل، قائلا بأنه فخور بمشواره المهني و مقتنع بأنه لم يغش يوما، ويذكر بحب موقف له مع الإعلامية صورية بوعمامة خلال تصوير إحدى حصصها الاقتصادية بمدينة واد سوف، أين قضى ساعات داخل البلاطو يتفقد الكاميرات، باعتباره مديرا للتصوير و يتأكد من جاهزية كل شيء، حينها سألت المذيعة مدير المحطة: «من هذا المصور؟» فأخبرها بأنه عميد المصورين، فاقتربت منه، كما قال، و علقت «احترم فيك حبك و تفانيك، فلو كان غيرك هنا، لما تعب من أجل عمله كما تتعب أنت ولكانت خبرته الطويلة وحدها قد أغنته عن مراجعة خطة التصوير».  وهي شهادة أخبرنا بأنه يضيفها إلى شهادة والي سكيكدة السابق عبد الوهاب نوري الذي شكره بحرارة بعدما تمكن من إنقاذ الموقف و تصوير حصة أعدت خلال مهرجان الفراولة، رغم الظروف الجوية التي صادفت الموعد الذي حضره سفراء دول كثيرة.
لاعب فريق مولودية قسنطينة لكرة القدم
 الحاج طبي كان رياضيا من الدرجة الأولى، فقد لعب، كما أخبرنا، لصالح عدة فرق محلية لكرة القدم، على غرار فريق مولودية قسنطينة  الذي وقع معه عقدا للاحتراف، لكنه اضطر لمغادرته بعد ثلاثة أشهر، بسبب صعوبة التوفيق بين التزاماته المهنية و الرياضة، ليلتحق بفريق « د ي أن سي» السابق، وقد كان حينها ندا لعدد من لاعبي تلك الفترة، على غرار كروكو و فندي و درغال  و جدو. ورغم أنه لاعب سابق في صفوف الموك فريق القلب، كما عبر، إلا أنه يشجع فريق شباب قسنطينة كذلك، لأنه قسنطيني قبل كل شيء، على حد تعبيره، أما عن تجربته مع الأحداث الرياضية، قال محدثنا بأن الألعاب الأولمبية من أهم المحطات التي التقطتها كاميراته، خصوصا لحظات تتويج العدائين الجزائريين حسيبة بو المرقة و نور الدين مرسلي.  غادر الحاج طبي التلفزيون الجزائري، لكنه ترك خلفه ابنه هشام ليواصل مسيرة بدأت قبل 40 عام .               
ن.ط

الرجوع إلى الأعلى