إعـــادة ضبط المهرجانـــات و مراجـــعـــة الميــــزانيـــات لـــم تعجــب  من ألفــوا الريع

اعتبر وزير الثقافة عز الدين ميهوبي  أن سنة 2016 شهدت طفرة في الفعاليات بعد إعادة ضبط قائمة المهرجانات ومراجعة الميزانيات، وقال أن ذلك لم يعجب من ألفوا الريوع،  مؤكدا أن التوجه الجديد  مبني على ثقافة المداخيل والتي تتطلب مواكبة من القطاع الخاص  لكسر المجانية التي ألفها المواطن. عز الدين ميهوبي  اعترف في حوار خص به النصر بالأخطاء الواردة في بعض  الكتب  ويحمّل  مسؤوليتها للناشرين  مشيرا  أن هناك من لا يحترمون القراء بطرح كتب ميتة، كما يصف الجزائر بالقوية ثقافيا من الداخل لكنها لا تتوفر على ميكانزمات ترويج خارجي. وفي السينما قال أن الدولة توقفت عن تمويل الأفلام بنسبة مئة بالمئة و أن زمن الأفلام ذات الكلفة  العالية قد انتهى كاشفا عن التحضير لإنشاء أول سوق للفنون التشكيلية بالجزائر.
حوار: إلياس بوملطة
النصر: هل يمكننا معرفة الخطوط العريضة للسياسة الثقافية التي تنفّذ اليوم ؟
-عز الدين ميهوبي: تحقّق تراكم ثقافي واسع في الجزائر، وهو بحاجة اليوم إلى لحظة تأمل وفسحة لتقويم أداء العمل الثقافي في بلادنا، بتشخيص أولي يمكن القول إننا اليوم بحاجة إلى إصلاح في المنظومة الثقافية لأن هناك نوعان من الثقافة، الثقافة الاستثمارية والثقافة الاستهلاكية.
الثقافة الاستثمارية توفر قاعدة للإنتاج الثقافي، بمعنى أن نتوفر على قاعات سينما، مسارح، مدن للإنتاج السينمائي، مخابر لما بعد الإنتاج، تجمعات للطباعة، قاعات وفضاءات في مختلف المناطق، خاصة التي تفتقر للمكتبات، إذن هذه البنية التحتية أساسية في استمرارية العمل الثقافي، هذا في المقام الأول.
المنظومة الثقافية للبلاد بحاجة إلى تقييم و إصلاح شامل
 ثم لقد وفرت الدولة الكثير من الاغلفة المالية التي خصصت لبناء وإنشاء وتلبية حاجيات المواطنين في الكثير من المناطق والمجمعات السكنية، والآن وصلنا إلى أننا نكاد نغطي كل الوطن بالمكتبات، وهناك تجربة المكتبات الرئيسية على المستوى الولائي، التي سنوسع من مهامها ولا تكتفي فقط بالارتباط بالكتاب ولكن بالتثقيف عموما.
هذا لا نريد أن يقع عبئه على الدولة وحدها، لهذا فإن دخول الاستثمار الخاص في هذا المجال أساسي ومهم لأن الثقافة أيضا يمكنها أن تكون رافدا مهما في الاقتصاد الوطني، و يمكن أن تحقق مردودية مالية للمستثمرين فيها، و لا أعتقد أن هناك ما يمنع من بناء مجمعات سينمائية، ولا استوديوهات للتصوير، ولا حتى مسارح وغيرها من طرف الخواص، والأمر مرتبط فقط بدفتر شروط وبالقوانين التي تدير القطاع.
إلا أن الملاحظ أن كفة التنشيط الثقافي-وهي المهرجانات-أخذت نسبة عالية من الاهتمام، لأنه ربما سنوات التسعينيات لم تمنح الثقافة فسحة واسعة في حياة الناس، والرئيس عبد العزيز بوتفليقة منح الثقافة دعما هائلا، واسنادا كبيرا، سواء في مجال إعادة ترميم المرافق، أو بناء أخرى جديدة، أو منح الإمكانات المالية للفعل الثقافي، مثل دعم الكتاب ودعم السينما وغيرها.
 -يقال عادة أن قطاع الثقافة يحظى بأصغر ميزانية في الحكومة، هل هذا صحيح ولماذا برأيكم؟
-هذا صحيح، لكن الثقافة في أغلب بلدان العالم هي العجلة الخامسة في المركبة، إن لم تكن هي الطفل اليتيم في العائلة، هذا الأمر موجود، ودائما تكون إمكانياتها محدودة قياسا إلى متطلباتها، ومع هذا يمكن القول إن الدولة التي تمنح أحيانا أغلفة مالية ضخمة لأفلام سينمائية تعطينا الحق للتساؤل عن المردودية التي تقودنا إلى الجدوى وهذا من حقنا، وربما هذا الذي يدفع الناس إلى التساؤل والمطالبة بخفض ميزانية الثقافة.
الأفلام ذات الكلفة العالية انتهت
 لكن الثقافة هي جزء من المنظومة الوطنية، يمسها ما يمس كل القطاعات، إذا استثنينا التربية الوطنية والصحة لأنهما حالة خاصة، فنحن نقول بدلا أن يدعو الناس إلى الاستثمار الخاص كما نطالب نحن، نراهم يتحدثون عن تخفيض ميزانية الثقافة، لأنه لابد ان نتساءل هنا إلى متى يستمر الاتكاء على خزينة الدولة التي تمول كل الأفعال الثقافية، وتمول المسرحات وغيرها؟ و علينا أن نتساءل عن جدوى هذه المسرحية وماذا حققت، لقد وصلنا إلى وقت صار فيه المخرج مثلا يخرج ثلاث مسرحيات في السنة وثلاثة أو أربعة عروض ثم ينتهي الأمر، هذا ليس عملا ثقافيا، يكفي من سياسة الريع والربح السريع الذي أوصل بعض الناس لأن يعتبروا الريع حقا لهم، و كأن لهم حصة مضمونة منه في كل مرة، لا أعتقد أن هناك بلدا في العالم يسيّر بهذا المنطق الحقل الثقافي؟
-لكن إلى ماذا يعود تخوّف الخواص من اقتحام مجال الاستثمار في القطاع الثقافي برأيكم؟ ربما هناك من يطالب بقاعات عرض عديدة وفي كل الولايات حتى يروّج لعمله؟
-صحيح بالرغم من أن لنا بعض النقص في القاعات، وحتى الموجود منها يتطلب بعض الوقت لترميمها وتجهيزها لأن فيه كلفة مالية، لذلك نوجه دائما الدعوة للمستثمرين لبناء مجمعات سينمائية، كما هو معمول به اليوم في العالم، لأن العروض السينمائية الحالية لم تعد تلائمها القاعات الحالية المتوفرة التي بنيت وفقا لمتطلبات سنوات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، الآن السينما تعرض بطرق  مختلفة، في قاعات صغيرة، لقد تم تجاوز الآن التقنيات السابقة، لذلك أحيانا كلفة ترميم قاعة معينة يمكن توجيهها لبناء مجمع باستثمار مشترك، أو خاص بالكامل لا نمانع في ذلك.
نحن أقوياء في الداخل ولا نقوم بما يكفي في الخارج    
اليوم نحن في مرحلة التحسيس بأهمية الاستثمار الثقافي، في كل مرة نرفع هذا الشعار وقد وجدنا بعض التجاوب من بعض الناس الذين باشروا انشاء مجمعات سينمائية، هذا الأسلوب قابل للانتشار في المدن، ننجز 6 أو 8 أو 10 أو 12 قاعة للعرض متفاوتة عدد المقاعد، هناك من القاعات من لها عشرة مقاعد فقط، هناك قاعات من 50 أو 80 مقعدا، هذا هو المعمول به اليوم، أما القاعات ذات الـ 600 أو الألف مقعد فقد تم تجاوزها، وحتى من الناحية الاقتصادية لم تعد ذات فائدة.
 - هل لكم مشاريع في هذا المجال ودفتر شروط واضح؟
-نعم، ونحن نتصل حتى ببعض الولاة لتسهيل مهمة المستثمرين في هذا المجال، العملية تأخذ وقتا حقا، كما اتجهنا إلى أن الأفلام ذات الكلفة العالية
انتهت، والدولة لن تمول من الآن فصاعدا أي مشروع سينمائي بنسبة 100 من المئة، اللهم إذا كان ربما يحمل بعدا استراتيجيا في مناسبة وطنية متميزة، لأن ما نلاحظه اليوم أن بعض المنتجين تنتج له الفيلم، و تقف معه، وبعده يقول  "هذا فيلمي"، وتراه يتنقل به من مهرجان إلى آخر،  بالمقابل هناك آخرين يتكفلون بأفلامهم وحدهم ويعملون بجد واستعانوا بالدولة في دعم محدود.
 هناك من تمول له الفيلم  مئة بالمئة ثم ينصرف، ولا تعرف حتى إلى أين يأخذه، ولا تستطيع حتى أن تحاسبه، هناك دعم وزارة الثقافة ودعم وزارة المجاهدين لما يكون العمل ذو بعد تاريخي يخص شخصيات معينة، فضلا عن الدعم اللوجيستي الكبير الذي تقدمه وزارة الدفاع الوطني بشكل غير مسبوق، كل هذا ثم يأتي مخرج ما يأخذ ما يريد ويذهب لحاله ولا يعلم حتى هذه الجهات لما يأخذ الفيلم إلى جهة ما، الدعم الكامل انتهى والآن نتجه إلى إضفاء ثقافة المداخيل، المؤسسات الثقافية التابعة لنا لابد أن تكون لها مداخيل مثل المسارح والمتاحف ودور الثقافة، لابد أن نعيش كما يعيش العالم في هذا المجال.
تعيين كاتب على رأس مؤسسة ثقافية له رمزيته
والغريب عندنا أيضا أننا نجد ثقافة المجان والاعتماد الكلي على الدولة موجودة حتى لدى المواطن، لما تطلب منه مثلا أن يدفع 50 دينارا مقابل مشاهدة عرض يقول لك لماذا؟ هل يستطيع أن يشاهد عرضا في لندن أو مدريد أو باريس أو غيرها مجانا؟ كل هذا بسبب التعود على أن الدولة هي التي تنتج الثقافة، لكن الدولة ليس دورها انتاج الثقافة بل تؤمن شروط العمل الثقافي، توفر المنشآت  والإطار البشري، و القوانين، و الدعم المالي ضمن نطاق معين، لكن لا تصبح تنتج المسرحيات وغيرها.
لهذا فنحن نعمل ضمن رؤية إصلاح المنظومة الثقافية، وفي هذا الصدد سنراجع قانون السينما لسنة 2013 ليكون أكثر مرونة و أكثر مواءمة للمناخ الاقتصادي ونسهل للمنتجين الجزائريين والأجانب العمل ضمن شروط مبسطة،  ولا نعقد الأمور في هذا المجال، لأن جيراننا ذهبوا بعيدا في المجال الثقافي وهم يجلبون مداخيل كبيرة من السينما.
 ونحن عندنا لما يطلب مخرج ما مثلا تصوير فيلم هنا نضع له مجموعة كبيرة من الشروط فيفضل أن لا يأتي، هناك شروط معروفة في العالم نعتمدها وانتهى الأمر، لماذا نتبدع شروطا تنفر المنتجين والمخرجين في حين أولى الأفلام في التاريخ صورت في الجزائر؟، اليوم نحن نضع حواجز، هناك دفتر شروط معمول به في العالم علينا اعتماده وفقط.
- يعود الحديث في كل مرة عن المهرجانات الثقافية بمختلف أنواعها وعن الأموال التي تصرف فيها، والرأي العام والإعلام يتساءل دائما عن المبالغ التي تصرف فيها، ويرى أنها أموال عمومية تصرف هكذا وفقط؟
-في هذا الصدد أقول لقد وصل الأمر حتى ببعض الإعلاميين أن سقطوا في فخ عدم فهم بعض الأشياء، تم مؤخرا توزيع بعض الحقوق على فنانين جزائريين، 2600 فنان جزائري استفادوا من حقوقهم لعام 2015 وزعت في بداية هذه السنة، أخذوا حقوقهم القانونية لأن الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة هو الجهة التي تحفظ هذه الحقوق وتعمل على تحصيلها لدى مختلف المؤسسات والجهات والاسواق.
  هذه حقوق طبيعية للفنانين،  لكن جاء البعض يقول أن الدولة توزع في الأرباح، هذا كلام فارغ، أتأسف أحيانا للمستوى الذي وصل إليه تفكير البعض، الفنان يعيش من حقوقه هذه لأن  مهنته ينتج أعمال ثم يتلقى عنها حقوقا في نهاية السنة، وفق حسابات ومتابعة دقيقة، لذلك عملية التحصيل هذه الحقوق يجب أن نثمنها.
بعض الكتب تولد ميتة ولا يوجد احترام للقارئ
 بالنسبة للمهرجانات طبيعي جدا أن تكون لدينا مهرجانات في السينما والمسرح والفنون التشكيلية والغنائية بمختلف أنواعها، وقد وضعنا دفتر شروط جديد ومراقبة قبلية وبعدية، واليوم كل الذين اتموا مهرجاناتهم سنطلع على حساباتهم وندقق فيها، ولن نضيف دينارا واحدا للمشرفين عليها إن كانت لهم إضافات أخرى مالية.
فأيضا المهرجانات تخضع إلى عملية تخفيض في الأغلفة المالية الموجهة لها، وقد ألغينا العديد منها التي لم نر لها جدوى، وحافظنا على ما نراه مفيدا، بالرغم من هذا فإن الحديث كثر سنة 2016 عن تخفيض هذه المهرجانات والدعم المالي، لكن سنة 2016 شهدت طفرة في عدد الفعاليات الثقافية التي نظمت، بل أننا حافظنا على الوتيرة و أكثر بإضافة بعض الفعاليات التي مولها خواص، مثل مهرجان السينما في حاسي مسعود للأفلام العربية المرشحة للأوسكار وكان ناجحا، وملتقى بن هدوقة ببرج بوعريريج الذي كان بتمويل من مؤسسة خاصة، و مهرجان الفيلم الملتزم الذي  اعتمد على ممول، والمهرجان الدولي للموسيقى الأندلسية والموسيقى العتيقة لم نقدم له أي دعم، إذن فهذه ثقافة جديدة بدأت، ثقافة الاعتماد على طرق الأبواب، وهذا ما نريده.
لكن بعض الذين ألفوا الريع لم يعجبهم هذا، ونحن سنستمر فيه، حتى يصبح المجتمع يمول نفسه ويمول الفعاليات الثقافية، لكن الدولة لن تتنازل عما يطلق عليه الخدمة العمومية الثقافية، وعلى أطراف أخرى أن تنخرط في دعم العمل الثقافي.
- نذهب الآن إلى محور آخر وهو ما تعلق بالكتاب، نلاحظ ربما نوعا من الفوضى في هذا المجال، بعض الكتب تنشر بأخطاء فظيعة، وبالتالي فإن ما ينشر هنا قد يكون غير مؤتمن الجانب لدى القراء، هل من تدابير جديدة في هذا المجال؟
-نعم هذه ملاحظة في محلها لكن الناشر هو المسؤول عن هذه الأخطاء، الناشر الذي لا يتوفر على لجنة قراءة ومتابعة لا يمكن القول أنه محترف؟ كل دور النشر التي تحترم صناعة الكتاب وتمارس هذه المهنة تلجأ دائما الى تشكيل فرق للقراءة والتصحيح ليس فقط الأخطاء الإملائية والنحوية، ولكن أيضا التراكيب اللغوية والأفكار، هذا لا نراه في الكثير من الكتب التي ترد إلينا، لأن التسرع والرغبة في الكسب السريع هو الدافع، وهنا لا يوجد احترام للقارئ، لهذا ندعو دائما إلى أن تتوفر أي دار نشر على مصلحتين هامتين، مصلحة القراءة والمراقبة،  ومصلحة الترويج للكتاب، بعض الكتب تلد ميتة لا يسمع بها الناس تماما، لأن الكتاب في النهاية سلعة وبضاعة، وهي بحاجة للدعاية والتعريف بها  والتحسيس بأهميتها والترويج لها عبر وسائل الإعلام، والآن شبكة الأنترنيت تتيح مجالا أوسع في هذا المجال.
نطمح لإنشاء  أول سوق للفنون التشكيلية    
بعض الناشرين يقولون أن ذلك من مهام الكاتب، هذا خطأ، دور الناشر يبدأ من استقبال المخطوط حتى يصل إلى السوق، و الناشرين الحقيقيين   يجب أن يتوفروا على شبكة توزيع قوية لإيصال الكتاب إلى القراء.

- لكن هل هناك تدابير أو قوانين جديدة لإجبار الناشرين على القيام بكل هذا العمل؟
-طبعا هناك الآن  قانون "تنظيم سوق أنشطة الكتاب" الذي صدر ونحن نقدم في كل مرة النصوص التطبيقية الخاصة به، هذا القانون هو الذي يحدد مسؤوليات الناشر والطابع و المؤلف والموزع وكل الجهات، وعلى الناشرين الاطلاع على كل هذه القوانين و الالتزام بها وتطبيقها، لأن فيها الكثير من الأشياء.
-هناك بعض المؤسسات الثقافية تعمل ربما اليوم بطريقة بيروقراطية جافة أكثـر منه بشكل تفاعلي ونشط، على اعتبار أن الثقافة قطاع حيوي ومتفاعل، هل يكفي تعيين كاتب أو شاعر على رأس هذه المؤسسات حتى تسير بطريقة مثلى؟
-  هنا رمزية من تعيّنه مهمة جدا، أن تعيّن على رأس مكتبة مثلا كاتب أو مؤلف  مهم، لأن علاقته بالوسط الثقافي مهمة جدا، فهو يمكنه أن يستقطب إليه، ليس شرطا أن كل من تعينهم يحققون النجاح المأمول لأن المؤسسة تفرض على أن يتوفر لمن يكون على رأسها هذا الحضور الثقافي، لأنه قد تضع على رأسها بيروقراطي لا يعرف طبيعة العلاقة مع المبدعين.
الدولة تقوم بتأمين شروط العمل الثقافي لا الإنتاج
في بعض المؤسسات هناك من عينوا وحققوا النجاح المأمول، وبعضهم ربما لم يكتب لهم النجاح.
- كيف تنظرون إلى مكانة الجزائر الثقافية في محيطها التقليدي العربي والإفريقي وغيره، ألا ترون أن هذه المكانة تراجعت نوعا ما، صحيح لدينا الكثير من النشر لكن لم تعد لدينا أسماء كبيرة كما كان الأمر في وقت سابق؟
-الكاتب لا يصنع بمرسوم، بل هو مسألة موهبة ونبوغ،  ولكن ليس معنى هذا أننا لا نتوفر على كتاب متألقين مبدعين، هل تستطيع القول أن أحلام مستغانمي ليست كاتبة كبيرة ولم تحقق النجاح؟ أنا لا أرى أن مكانة البلاد تراجعت.
وإذا سرنا على هذا القياس يمكن القول أن الثقافة العربية برمتها في تراجع وانحسار أمام التحولات السياسية والتحولات التي تعرفها المنطقة، الثقافة تزدهر وتظهر لما يكون هناك استقرار، لما يكون هناك مناخ تبرز فيه الثقافة والسينما والكتاب والفنانين، ونحن نتوفر على أسماء عالمية كبيرة  ولكن لهذا قلنا نحن بحاجة لمراجعة المنظومة الثقافية حتى يبرز هذا الحضور الثقافي، في السينما نلنا جوائز، هناك كتاب جزائريين برزوا وترجمت أعمالهم، هذا لا يعني أن هناك تراجعا بل الإعلام الثقافي مطالب بأن يقوم بعمل استثنائي في هذا المجال.
- هذا ربما يقودنا إلى القول أن الثقافة الجزائرية غير مسوّقة كما يجب؟
-أعترف بشيء أننا لا نملك مؤسسات قوية لتوزيع الكتاب، لا نملك تقاليد لتوزيع الكتاب الجزائري في الخارج، وهذه مسألة لها بعدها التجاري نعم، لكن لابد من خطوات أولى يقوم بها الناشرون، مثل النشر المشترك وغيره،  نحن لا يمكن أن نحل محلهم، لكن يمكننا أن نكون سندا لهم ونقدم لهم الدعم اللازم.
منتجون يحصلون على تمويل عمومي و ينسبون الأعمال لأنفسهم   
 نحن أقوياء في الداخل لكن في الخارج لا نقوم بشيء كاف، ندعم مشاركتنا في معارض الكتاب، لكن الكتاب الجزائري لابد أن يظل يسوق على مدار السنة، ولا ننتظر فقط القاهرة أو بيروت أو الشارقة أو الدار البيضاء، أو ننتظر موسم ما، لابد أن يوزع الكتاب الجزائري فور صدوره، وهذا يعود بنا إلى مسألة الترويج، نحن لم نستطع تسويق كتابنا حتى في الداخل فما بالك بالخارج.
- وما هو الحل؟
-الحل أنه على محترفي النشر أن يقدموا مقترحات عملية لتسويق الكتاب ونحن جاهزين لدعم أي فكرة أو مبادرة، لكن هم تعودوا على ثقافة انتظار ما تقوم به الدولة في المناسبات والتظاهرات، نحن نريد أشياء خارج التظاهرات.
الناشر هو المسؤول عن الترويج، وهنا على كل كاتب أن يتناقش مع ناشره في هذا المجال، هناك ناشرين يخافون الكتاب الأدبي، عكس الكتاب التاريخي أو الديني أو العلمي لهذا الدولة هي التي تتكفل دائما بدعم هذا المجال عبر صندوق دعم الابداع لأن الكتاب الأدبي سلعة بطيئة، لكن في النهاية الناشر مطالب بالترويج للكتاب وتوزيعه لأن الدولة لا يمكنها أن تحل محل الناشر، بل ترافقه وتقدم له التسهيلات.
-  هل من مشاريع ثقافية كبرى في الأفق؟
-نعم نحن ندعم كل المشاريع التي تقدم لنا،  في مجال الكتاب بعض الناشرين يقدمون لنا مبادرات  ندعمها، نحن نحلم بأن تكون لنا مواسم للكتاب، و موسم للكتاب المتخصص أيضا، وهذه من مهام الناشرين لأنهم في الميدان ونحن هنا لمرافقتهم.
"الأمير عبد القادر" استهلك أموالا كبيرة و لم يصوّر    
 في ميدان السينما أيضا ندفع بما نملك للانطلاق في عرض الأفلام بصيغة تجارية في القاعات المتوفرة، وستكون لنا جلسات مع أهل السينما والمسرح والفنون التشكيلية لأننا نطمح لإنشاء أول سوق للفنون التشكيلية، وسيكون نقاشا مطولا في هذا الجانب، وكل هذا يصب في إصلاح المنظومة الثقافية الوطنية للتخلص من ثقافة الريع والاتكالية.
نحن نسير نحو النظر إلى الثقافة كما ينظر إلى أي منتوج آخر، ولا ننتظر أن الدولة هي التي تضمن المنتوج الثقافي لوحدها، صحيح الثقافة حق لكل مواطن كما جاء في الدستور، لكن لابد ألا نقبل فقط بالمنتوج الذي تقدمه الدولة من منطق القطاع العام، أين هو القطاع الخاص الذي يقدم خيارات أخرى في المجال الثقافي، فلكي تكون النوعية لابد من التنافسية.
- لكن هذا ربما يحتاج إلى قاعدة قانونية جديدة مسايرة لهذه الأهداف؟
-نحن كلما نرى قانونا يشكل عائقا أو متجاوز زمنيا ولا يستجيب لتحولات ثقافية جديدة فإننا نراجعه، كل القوانين تملك قابلية المراجعة، نحن دخلنا في نموذج اقتصادي جديد و رؤية جديدة، وعلى المجتمع أن يدخل في رؤية ثقافية جديدة.
-إلى أين وصل مشروع فيلم الأمير عبد القادر؟
-الفيلم هو في مرحلة المراوحة الآن، لدينا مشاريع نتمها ثم نعود إليه ونراجعه من كل الجوانب كي نعرف ماهي الاختلالات التي تتطلب المراجعة، لقد استهلك مالا كبيرا و لم يصور، ولكن نحن نحاول كيف نجد صيغة لإعادة فتح الملف وفق رؤية أكثر مهنية.
المواطن يرفض دفع 50 دينارا مقابل عرض
- وماذا عن فيلم عثمان عريوات "سنوات الاشهار" الذي أسال حبرا كثيرا؟
- هذا السؤال لابد أن يوجه له، قولوا له إن وزير الثقافة ينتظرك في مكتبه ليدرس معك وضعية الفيلم الذي تأخر طويلا، لأننا نريد أن نرى عملا جديدا لعثمان عريوات، ونريد أن نساعده إن كانت هناك عوائق فنية أو تقنية تواجه فيلمه، فقط نريده أن يزورنا.                                          
إ.ب

الرجوع إلى الأعلى