مستوى المهنة في تراجع و تصرفات الجيل الجديد غير مقبولة
يرى نقيب المحامين لناحية قسنطينة الأستاذ مصطفى الأنور، أن المستوى التكويني لأصحاب الجبة السوداء صار «أدنى من المقبول»، و هو ما يرجعه إلى عدة أسباب يقول إن أهمها ارتفاع عدد المنتسبين لمهنة يعترف الأنور أنها أصبحت تستقطب الكثير من ذوي المعدلات الضعيفة، كاشفا في حوار للنصر أن دخول المحاماة سيتطلب مستقبلا إجراء مسابقة وطنية و 5 سنوات من التكوين و التربص، كما أكد النقيب الذي يشغل منصبه لثلاثين سنة، أن معظم المحامين ينشطون في مكاتب لم تُراع فيها المعايير المطلوبة.
أجرى الحوار: عبد الله بودبابة
كيف تقيّم مستوى الجيل الجديد من المحامين؟
في حقيقة الأمر لا يوجد وجه للمقارنة بين مستوى المحامي في السابق و اليوم، فيما مضى كان عدد المحامين قليلا جدا و يُعدّ على أصابع اليد، فعلى سبيل المثال في قسنطينة خلال منتصف الثمانينيات، كان عددهم لا يتعدى السبعة، كما أنه لم يتجاوز الثلاثين عبر كامل الولايات الشرقية في نفس الفترة، لكن الإمكانات وقتها كانت قليلة جدا و نادرة في بعض الأحيان، كما أن المراجع كانت ضئيلة جدا، إلا أن المحامي كان يسعى لتعزيز تكوينه وثقافته و كل ذلك يصب في مصلحة المهنة التي كانت تعيش أحسن أيامها في تلك الفترة.
في الثمانينيات كان هناك 8 محامين في قسنطينة
أما حاليا فمستوى المحامي من الجيل الجديد لا يختلف كثيرا عن باقي الأسلاك و التخصصات، فهو نتاج لمنظومة غير نافعة، حيث تجد الطالب لا يعير أي اهتمام لمشواره الدراسي، و بالتالي ما يصلنا من محامين هو نتاج طبيعي لا يختلف كثيرا عما تعاني منه المهن الأخرى، كما يمكنني أن أقول إن المستوى العلمي للجيل الجديد من المحامين في غالبه أدنى من المقبول، و هو ينعكس في تصرفات غير مقبولة للكثيرين منهم و التي لا تحتكم لأدنى المعايير المهنية و تقاليد و أعراف مهنة المحاماة.
يمكن القول أيضا، أن العدد الكبير للمحامين كان سببا رئيسيا في تدني المستوى و نقص التكوين، حيث أضحى التركيز على العدد دون الانتباه إلى النوعية، و هو خطأ لا نزال نرتكبه منذ تسعينيات القرن الماضي و إلى غاية اليوم، بدليل الأرقام الكبيرة التي تسجل على مستوى المجالس من التحاق أعداد كبيرة للمحامين كل سنة، فعلى سبيل المثال نحصي بنقابة ناحية قسنطينة قرابة 2700 محامي ممارس، بينهم  1248 بقسنطينة، 492 بولاية ميلة، 622 بولاية سكيكدة و 331 بجيجل.
المستوى العلمي للجيل الجديد متدنٍ
معروف أن كلية الحقوق هي من آخر اهتمامات الطلبة و الكثير ممن يدخلونها من أصحاب المعدلات الضعيفة في امتحان البكالوريا، ألا ترى أن ذلك يمكن أن يؤثر على مستوى المحامين عموما؟
نعم هذا الأمر واقع، فمنذ تأسيس الجامعة الجزائرية يُعدّ معدل الدخول إلى كلية الحقوق من أضعف المعدلات على الإطلاق، كما أن خيار الحقوق هو آخر اختيار يفكر فيه الكثيرون، و هذا يذكرني بواقع عشته بإحدى البلدان العربية، حيث كانت المؤسسات لما تحتاج إلى توظيف حراس، يتم تنظيم مسابقة لخريجي كلية الحقوق، و رغم ذلك هناك فئة من الطلبة تحصلوا على معدلات جد عالية تخول لهم الدخول إلى كليات مهمة، غير أنهم اختاروا كلية الحقوق لحبهم الكبير لمهنة المحاماة و منهم حتى طلبة الشعب العلمية و هم اليوم محامون بارعون في مهنتهم.
التخصص يستقطب ذوي المعدلات الضعيفة
كمحام و نقيب ألا ترى بأن مهنة المحاماة تعيش فوضى كبيرة و غيابا في التنظيم؟
لقد قلت لك سابقا، الظروف التي عاشتها البلاد في وقت سابق و فتح المجال بشكل أوسع أمام خريجي الجامعات للانضمام إلى سلك المحامين، كان وراء خلق ما تسميه فوضى، كما أننا أيضا تراخينا في تطبيق بعض القوانين و ذلك من أجل منح فرصة أكثر للشباب، و أقول لك لو أننا نظمنا حملة لتطهير المهنة و طبقنا القوانين المعمول بها فيما يخص المكاتب فقط، لن يتبق أكثر من 200 محامي من أصل 1200 الممارسين على مستوى ولاية قسنطينة، كون القليل منهم فقط يملكون مكتبا يتماشى و النظام المعمول به و هو العمل في مكتب مؤلف من ثلاث غرف على الأقل.
فتح الباب لدخول المهنة بشكل واسع خلف فوضى
لكن في المستقبل و من خلال التعديلات الأخيرة، ستتجه الأمور للاستقرار، كما أن عدد المحامين سيتناقص نوعا ما، حيث سيصبح لزاما على خريجي الحقوق النجاح في مسابقة وطنية، ثم الخضوع لتكوين لمدة ثلاث سنوات و سنتين تربص، أي أن طول الفترة سيجبر كل من يريد الدخول لعالم المحاماة التفكير مسبقا و جيدا قبل الإقدام عليها، و لكن، كما قلت لك، نحن نحاول في كل مرة مساعدة الزملاء المحامين و لو كان على حساب تقاليد المهنة و القوانين في بعض الأحيان.
لو طبقنا مقاييس المكاتب لسقط ألف محامٍ
أصبح جهاز العدالة يعالج عددا كبيرا من الملفات خاصة ما تعلق بشكاوي المواطنين، ما هي قراءتكم لهذا الأمر؟
(يصمت قليلا ثم يجيب) لا شك في أن العدالة الجزائرية اليوم تعاني من تراكم عدد كبير من القضايا، و الكل يسعى وراء الكم، فالوزارة تطلب الكم و حتى القضاة يحاسبون بقدر عدد القضايا التي قاموا بمعالجتها، حتى الضبطية القضائية أصبح لها يد كبيرة في هذا المشكل الذي تعاني منه العدالة، من خلال الكم الهائل للقضايا التي تعالجها و تدرجها ضمن الإحصاءات التي تقدمها.
نحاول مساعدة الزملاء ولو على حساب تقاليد المحاماة
في كل مرة نحاول الإنقاص من عدد القضايا التي تصل إلى العدالة و لكن في الأخير نجد أن عدد الملفات كبير جدا، و في النهاية يجد القاضي نفسه ملزما بالفصل في عدد كبير من القضايا، قد يصل في بعض الأحيان 190 إلى 200 قضية.. هل هذا أمر معقول؟.. لو يقتصر الأمر على المناداة على أسماء المتهمين و الضحايا، سيستغرق منه الأمر يوما كاملا، فما بالك بمعالجة القضايا و الاستماع إلى الناس، و الحل في رأيي هو أن نبقى طبيعيين و ألا تمارس أي ضغوط على القضاء و نصدر تعليمات.
العدالة الجزائرية تعاني من مشكل الكّم
ما السر في بقائك لـ 30 سنة كاملة على رأس نقابة المحامين لناحية قسنطينة؟
السر بسيط و هو أنه لا يعنيني أي شيء إلا مهنة المحاماة  وليس لدي أي شغل يشغلني سوى خدمة المهنة و المنظمة و الزملاء فقط، كما أنني لا ألهث خلف المسؤوليات و لا أفكر فيها حاليا.

ع.ب

الرجوع إلى الأعلى