الجزائر متقدمة في الجراحة الوظيفية إفريقيا وعربيا  
إعتبر رئيس مصلحة جراحة المخ والأعصاب بمستشفى سليم زميرلي البروفيسور، بن عيسى عبد النبي، أن القسم الذي يشرف عليه يعتبر مرجعيا في مجال الجراحة الوظيفية، على المستوى الجهوي والعربي والإفريقي، وأشار إلى أن القسم أجرى 21 ألف عملية ، منذ إنشائه في عام 1989 . و أكد الباحث أنه أشرف على تكوين حوالي 60 جراح أعصاب ، مشيرا إلى أنه خريج الجامعة الجزائرية التي درس بها في مجال الطب قبل انتقاله إلى فرنسا وسويسرا ليعود إلى الجزائر عام 1985 ، مفضلا معالجة أبناء وطنه على البقاء في الخارج والعيش في رفاهية، و التساؤل الذي يطرحه هذا الباحث الجزائري والذي تحصل على وسام العالم الجزائري لسنة 2016،  هو لماذا يحقق الآخرون النجاح ويصلون إلى هدفهم الذي سطروه  ونحن لا ؟، مضيفا في حوار خص به  النصر، أنه  واصل العمل في الجزائر خلال التسعينيات رغم أن الأمور لم تكن سهلة ، واعتبر من جهة أخرى أن مشكل قائمة الانتظار في مختلف الأمراض   حقيقة في مستشفياتنا ، وقال أن لديه ثقة في الشباب الجزائري.
أجرى الحوار : مراد حمو
• النصر: في البداية بودنا التعرف على مسارك المهني وسر نجاحك؟
• بن عيسى عبد النبي: أنا من مواليد 23 جوان 1950 بمدينة البليدة ، والدي حسان ولد بمدينة المدية والأم فاطمة الزهراء ميري مولودة بالعاصمة، لدي 4 أولاد ، كل واحد يعمل في تخصص بالجزائر ولم يغادروا البلاد ، دراستي بدأت سنة  1956 بالمدرسة الابتدائية التي كانت تسمى «بيار كازنوف» ، درسنا آنذاك باللغة الفرنسية وفي نفس الوقت كنا نتعلم اللغة العربية وآيات القران الكريم، مرتين في الأسبوع،  وفي مرحلة الثانوي درست السنة الأولى بثانوية ابن رشد بالبليدة ولما عين الوالد كمدير بوزارة إعادة التعمير بعد الاستقلال في 1963 ، رحلنا إلى العاصمة وأكملت مشواري بثانوية « فيكتور هيغو» حاليا  «عمر راسم» وثانوية الإدريسي، حيث تحصلت على البكالوريا في شعبة العلوم الطبيعية وفي 1986 ، التحقت بجامعة الجزائر بن يوسف بن خدة إلى غاية 1975،  درست 7 سنوات في مجال الطب، وبعد ذلك تم اختياري في اختصاصات جراحة المخ والأعصاب، من  1975 إلى 1979 ، ثم  طبيب مقيم في مستشفى مصطفى باشا تحت إشراف الأستاذ محمد عبادة ، وفي أواخر 1979 شاركت في مسابقة وأصبحت أستاذ مساعد، وفي 1983 سافرت إلى فرنسا بمدينة ليون  أين  تعلمت كل التقنيات الجراحة الوظيفية و الإبرية ثلاثية الأبعاد ، و  في أواخر 1984  سافرت إلى سويسرا بزيوريخ  أين درست على يد الأستاذ  الذي كان يعتبر الأول عالميا وأصله تركي، محمود غازي يازارجيل، ولما عدت إلى الجزائر في 1985 قمت بإعداد دراسة في ما يخص جراحة المخ والأعصاب في علاج الألم المزمن، ومن 1985 إلى 1989 أصبحت برتبة بروفيسور بمستشفى مصطفى باشا، ومن 1989 إلى يومنا هذا انا   رئيس قسم جراحة المخ والأعصاب بمستشفى سليم زميرلي بالعاصمة.
400 جراح مخ وأعصاب يعملون في المستشفيات بالجزائر
• لماذا اخترتم مجال الطب
 و فضلتم جراحة المخ والأعصاب على جراحة القلب؟
لما أحرزت البكالوريا كانت رغبة الوالدين الدراسة في الطب، حيث فكرت جيدا وقد كان الوالد مريضا في ساقه بمرضا مزمنا وكان يتمنى لو يكون لديه ولد  طبيب ، ما جعلني في آخر المطاف أختار الطب، و في السنة الأخيرة من دراستي في الطب كنت مقيما بمصلحة القلب بمستشفى مصطفى باشا وهذا العضو النبيل القلب كان يجلبني، وقد كان فكري منقسما بين القلب والمخ ، قبل أن اختار جراحة المخ ، فعندما تعمل عملية جراحية على المخ  الذي هو مركز الوظائف العليا فذلك يعتبر تحديا.
•  خضتم مسار  تكوين طويل  في فرنسا وكانت لكم تجربة في سويسرا ماذا  أضافت للبروفيسور بن عيسى؟
لقد كان أستاذي البروفيسور مارك ساندو عملاق عالمي في الجراحة الوظيفية ، كما كان لي الحظ في ما يخص التربية والصرامة من طرف الأولياء ، كما أنني تابعت دراستي  في الطب لدى الأستاذ محمد عبادة  والذي كان صارما وحازما في العمل،  وهي نفس الصفات التي كانت لدى الفرنسي مارك ساندو ، حيث يتميز الاثنان بالجانب الإنساني وكان قريبين من المريض ويتعاملان بالحنان مع المريض ويشرحان له الوضع، وهو الأمر الذي أصبح اليوم قليلا ونادرا.
  أما في سويسرا كنت مسرورا جدا لأني درست عند البروفيسور محمود غازي يازارجيل الذي كان يزوره الباحثون من كل أقطار العالم وكان لي الشرف الكبير أني  قمت بتدقيق التخصص  أكثر  حوالي عام، وقد كان الأستاذ محمد عبادة رئيس الطاقم الدولي الذي عالج المرحوم الرئيس الراحل هواري بومدين وحقيقة في ذلك الوقت لاحظت الاحترام الذي يكنه أكبر أطباء العالم للأستاذ محمد عبادة، حيث كانوا يحترمونه بسبب الخبرة والتجربة التي كانت لديه في مجال المخ والأعصاب، وفي هذه المرحلة تحصلت الجزائر على أول جهاز سكانير ، أحضره الأمريكان وهذا الجهاز كنا نستعمله في آخر كل يوم خلال مرحلة مرض الرئيس الراحل هواري بومدين لتشخيص الأورام  وكل ما نتج عن حوادث المرور.
تخرجت من الجامعة الجزائرية  و رفضت  العمل في الخليج وفرنسا
• بعد عودتكم إلى الجزائر في 1985 كيف وجدتم واقع طب جراحة المخ والأعصاب في بلادنا ، وما هو  تقييمكم لمستوى   الاختصاص اليوم؟
مقارنة مع دول الجوار كانت الجزائر متقدمة في مجال طب جراحة  المخ والأعصاب، رغم أن الجراحة الوظيفية كانت بدايتها في بلادنا عام 1985  ، وعند عودتنا إلى الجزائر بدأنا في علاج الألم الحاد في الخد الناتج عن خلل في وظيفة العصب الخامس وكذلك بدأنا في جراحة « spasticité   « في عام 1985 ، وفي 2004 بدأنا في علاج مرض الباركينسون، و في  سنة 2011 ، علاج الديستونيا، وهي جراحة الحركات غير الإرادية، وفي عام 2010 جراحة الأورام الموجودة في الأماكن الحساسة في المخ بدون بنج لكي نتجنب مضاعفات بعد إجراء العملية .
  وهذا دون أن ننسى كل ما هو يومي في قسم جراحة المخ والأعصاب، ويتعلق الأمر بالتشوهات عند الطفل الصغير والأورام  والإصابات المسجلة على مستوى الدماغ أو العمود الفقري، التشوهات في الشريان ، وقد أنجزنا العمل اليومي بتحد ليكون المريض في أحسن الظروف.
السكانير  استخدم لأول مرة ببلادنا في فترة مرض بومدين
 وبالنسبة لواقع جراحة المخ والأعصاب في الجزائر اليوم، يوجد تقريبا 400 جراح مخ وأعصاب يعملون بالجزائر،  وهناك 18 قسما جامعيا  وأقسام في مستشفيات ولائية،   ولما ننظر إلى هذا العدد مقارنة بفرنسا والتي لا يتجاوز عدد الجراحين بها 600 جراح، نجد أنه رقم لا بأس به،   ولكن يبقى مشكل قائمة الانتظار في مختلف الأمراض، وهذا واقع حقيقي في المستشفيات.
• ما هو عدد العمليات الجراحية التي أجراها القسم الذي تشرفون عليه في مجال المخ والأعصاب ؟
القسم الذي أشرف على طاقمه أجرى 21 ألف عملية فيما يخص جراحة المخ والأعصاب منذ إنشائه في عام 1989 على مستوى مستشفى سليم زميرلي.
  وليومنا هذا يوجد حوالي 60 جراح  أعصاب تكونوا في القسم   وقد أشرفت على تكوينهم ، و الآن هم يتوزعون على مستوى القطر الوطني وكذلك 8 أستاذة من بينهم 6 بالقسم، وهؤلاء تلقوا الأبجديات الأولية في القسم  والآن هم يزاولون عملهم بمستشفى سليم زميرلي،  و يوجد حاليا جراح أعصاب يمني و2 من غينيا كوناكري يتابعون  تكوينهم في القسم، وقد قمنا بدورات تكوينية تكوينية  للجراحين الجزائريين وأخرى  لجراحين من إفريقيا والعالم العربي في مجال الجراحة الوظيفية ، حيث يعتبر القسم مرجعيا على المستوى الجهوي والعربي والإفريقي، وخلال تعاقب مختلف الوزارات  كل ما طلبناه   وفر لنا، كشراء المنبه الكهربائي، وآخر ما تحصلنا عليه هو سكانير في قاعة الجراحة الذي يسمح لنا قبل أن نخرج من قاعة الجراحة أن نتحقق أن استئصال الورم كان بشكل كلي، وأن مكان المنبه الكهربائي، فيما يخص مرض الباركينسون لائق .
الأورام انتشرت بشكل كبير وأجرينا أكثـر من 21 ألف عملية
• تحصلتم على وسام العالم الجزائري لسنة 2016 وتم تكريمكم محليا ودوليا ، ماذا تقولون في هذا الشأن؟
 المقالات  المنشورة في مجلات دولية والعمل اليومي في المستشفى وكذلك مشاركتي في المؤتمرات الجهوية أو الدولية، أدت إلى ترؤسي الجمعية العربية لجراحة المخ والأعصاب من 2010 إلى 2012 ،  كما أصبحت عضوا  في الأكاديمية العالمية لجراحة المخ والأعصاب في 2011 و أنا مؤسس الجمعية المغاربية  والعربية والجزائرية، وحاليا رئيس شرفي لجمعية الشرق الأوسط لجراحة المخ الوظيفية و الإبرية ثلاثية الأبعاد، ورئيس لجنة تحكيم للديبلوم العربي لجراحة المخ والأعصاب منذ 6 سنوات، وهذا تحت إشراف الجامعة العربية.
مرض والدي دفعني إلى الطب  
 ولقد تم تكريمي من طرف المجلس الإسلامي الأعلى في 2011  وكرمت من طرف مجلس الاختصاصات الطبية للجامعة العربية و الجمعية العربية لجراحة المخ والأعصاب في 2010 ، و الجمعية المغاربية في 2015 وجامعة كلية الطب بعنابة وتحصلت على وسام العالم الجزائري لسنة 2016  من طرف مؤسسة وسام العالم الجزائري.
• ماذا بخصوص واقع علاج مرض الباركينسون في الجزائر  وهل تم تحقيق تقدم في هذا المجال؟
معدل العيش لدى الجزائري اليوم تعدى 70 سنة ومرض الباركينسون الذي يظهر بين 50 و60 سنة في الدول المتقدمة ، تزايد في الجزائر وتوجد خصوصة له ، حيث لاحظنا حالات كثيرة بين سن 35 إلى 45 مصابون بهذا المرض وذلك لأسباب متعلقة بجينات الشخص المصاب، و المرضى الذين يصلون إلى قسم جراحة المخ والأعصاب، هم أولئك الذين يصبح علاجهم في طريق مسدود، حيث يتم توجيههم إلينا من قبل أطباء الأعصاب و اليوم لدينا قائمة انتظار بها 250 مريضا و القاعدة العالمية تقول أنه إذا أردت إجراء عملية جراحية على مريض الباركينسون يجب أن يكون  قبل سنة 70 ،  ونحن نطلب أن تكون أقسام أكثر في الجزائر لإجراء الجراحة الوظيفية، وتعميمها على مستوى المستشفيات . وفي ما يتعلق بكل ما يسمى بالحركات غير الإرادية التي تشمل الباركينسون و الديستونيا أجرينا أكثر من 103 عملية جراحية إلى يومنا هذا .
مشكل قائمة الانتظار واقع في مستشفياتنا
أما بخصوص الأورام فقد انتشرت في الجزائر بشكل كبير، حيث سجلنا أكثر من 4 آلاف حالة أجرينا لها الجراحة على مستوى القسم منذ ،1989 ، وخلال زيارتك اليوم إلى القسم، قام الطاقم الطبي بعملية  جراحية على مستوى ورم في النخاع الشوكي ويتعلق الأمر بامرأة  عمرها 32 عاما،  وعملية أخرى على مستوى الخد للألم الحاد بما يسمى « nevralgie du trijumeau « ، وقد نشرنا عام 2014 في مجلة دولية ، التقنية الجراحية التي تخص مرض الألم الحاد على مستوى الخد لأكثر من 900 مريض.
كنت موزعا بين القلب والمخ
• كلمة أخيرة توجهونها للشباب وللباحثين الجزائريين؟
سر النجاح هو العمل  المتواصل وتحضير الامتحانات والمسابقات جيدا و حب العلم والعلماء ومرافقة المثقفين والباحثين،  لابد أن تكون الإرادة قوية لإتمام التمنيات والوفاء بنصائح الوالدين والتحدي اليومي وحب الأخريين وبالخصوص في ميداننا ، الابتسامة والحنان من طرف  الطبيب .
   العمل ليس سهلا  لكننا متفائلون،  لدي ثقة في أمتنا وبالخصوص في الشباب الجزائري وفي حالة توفر الظروف المناسبة فالشاب الجزائري لن يغادر إلى الخارج، والجزائر بلد قارة وفيها كل الإمكانيات التي تسمح لها بالتقدم وتكون في مصاف الدول المتقدمة ويجب أن يكون الاستثمار في الإنسان ، ونحن قد واصلنا العمل في الجزائر خلال التسعينات لحبنا للوطن ، رغم أن الأمور لم تكن سهلة فقد واصلنا العمل في بلادنا وقد تلقيت سابقا دعوات للذهاب للعمل في الخليج العربي وفي فرنسا  و فضلت العودة إلى الجزائر ، حتى أعالج الجزائريين.                       
م/ ح

الرجوع إلى الأعلى