الإعلاميون الجزائريون لا يشكلون لوبيهات داخل التلفزيونات العربية  
غادر الجزائر في تسعينات القرن الماضي و هو في أوج نجوميته بالتلفزيون الجزائري، و واصل مساره الإعلامي في عدد من القنوات التلفزيونية ذات التجاذبات و التوجهات المختلفة و المتعارضة أحيانا، مع قناعاته و مبادئه، لكنه تمكن و بكل ديبلوماسية و حنكة، أن يفرض نفسه و يواصل التألق، بالرغم من أجواء المنافسة الشديدة ، إنه الإعلامي الجزائري ـ  كمال علواني الذي زار النصر مؤخرا ، و فتح قلبه لقرائها، و سلط الضوء على محطات كثيرة في رحلته الإعلامية الطويلة.

الصدفة أوصلتني إلى نشرة الثامنة
 و الأجندة المغربية دفعتني لمغادرة ميدي1

. النصر: العديد من الإعلاميين الجزائريين غادروا الجزائر بحثا عن النجومية، أما أنت فغادرت الجزائر في التسعينات و أنت في أوج نجوميتك في التلفزيون الجزائري، هلا حدثتنا عن الأسباب؟
ـ كمال علواني:غادرت الجزائر في 1993 ، لأن الظروف الأمنية كانت صعبة، هذا هو الدافع  الرئيسي الذي دفعني للمغادرة التي كانت اضطرارية . نعم... لم أختر أن أغادر، إنما الظروف الأمنية لم تكن في مصلحتي. هذا لا يمنع بأنه كان لدي طموح في أن أشتغل في مكان يوفر لي وضعا اقتصاديا أحسن مما كنت عليه، و وضعا مهنيا و احترافيا أحسن كذلك .
. كيف استطعت أن تفرض نفسك، رغم المنافسة الشديدة، و تواصل التألق إعلاميا، على الصعيدين العربي و الأجنبي؟
ـ غادرت الجزائر آنذاك لأنني أدركت أنني كنت جاهزا لألبي ما كان مطلوبا مني في الوظيفة المتعلقة بإذاعة نشرة الأخبار أو إدارتها، بعد ذلك كانت لدي تجربة رائدة في الروبورتاج، لدي الآن خبرة  20 عاما في الروبورتاج بلندن. في الحقيقة لم أشتغل في هذا النوع الصحفي بالجزائر، لكنني اكتشفت أن لدي  باع كبير فيه، و مكنتني تجربتي الميدانية فيه من معرفة الكثير و تطوير نفسي.
.أنت تتميز بالتحدث و الإلقاء و التحاور بلغة عربية سليمة و سلسة، لا تحمل أي لكنة أو أثر للبلد الذي تنتمي إليه، عكس العديد من الإعلاميين العرب، ما هو السر في ذلك؟
ـ أنا خريج آداب بجامعة قسنطينة و المؤكد أن هذا التخصص صقل الجانب اللغوي لدي، لكن في الواقع كل شيء بدأ في قسنطينة، عندما كنت طالبا في الجامعة، كنت أدير هناك إذاعة داخلية ، في تلك الفترة كانت  الجزائر طموحة فأنشأت ثلاثة مراكز للدبلجة في إطار التعريب و تقريب اللغة العربية من المواطنين، هي مركز وهران لدبلجة الرسوم متحركة، العاصمة لدبلجة الأفلام  و قسنطينة لدبلجة الأشرطة الوثائقية، و تم اختياري للعمل في مركز قسنطينة بالمحطة الجهوية للتليفزيون، استنادا للصوت و التخريج اللغوي، و ذلك بعد أن شاركت في مسابقة .

تجربة 20عاما
في الروبورتاج طورت معارفي
 و قدراتي

بعد ذلك عملت في الإذاعة، و كنت أقدم حصة كل يوم سبت مدتها ساعة. و جاءت لاحقا مرحلة برامج الألعاب الثقافية ، فالجزائر أرادت دخول هذا الميدان لأنه كان هناك ضغط من التلفزيونات الفرنسية، كانت تجربتي الأولى في هذا النوع من البرامج مع المخرج حسني قيطوني في "وجها لوجه" بمحطة قسنطينة الجهوية.
. كيف انتقلت إلى تقديم نشرة أخبار الثامنة بالتلفزيون الجزائري؟
ـ تم الأمر صدفة، كنت في جولة في مقر التلفزيون بالعاصمة و التقيت بمسؤولين و عرضوا علي تقديم نشرة الثامنة. حدث ذلك في سنة 87 19، كانت الدولة تريد أن تغير طريقة تقديم النشرة و تقربها من المشاهدين ، خاصة الشباب سعيا لاستعادة المصداقية.و كنت في المكان المناسب، سلمت لي نشرة الثامنة مع أنها كانت شبه مقدسة  ، و كانت محتكرة من قبل مجموعة من الصحفيين . و طبقت سياسة المرافقة لتعييني في نشرة الثامنة، و أخضعني التلفزيون للتكوين، فأرسلني إلى القنوات الفرنسية "تي أف 1"، "كنال بلوس" و "فرانس 2"، لكي أتدرب على تقنيات ما يسمى ب"النشرة المشخصنة" و هي نشرة مدتها 25 دقيقة، و لا يقوم فيها الإعلامي بتقديم نشرة الأخبار ، بقدر ما يقوم بتنشيطها ، حيث أنه لا يلقي كلاما، بل يخاطب مشاهدا.

الظروف الأمنية دفعتني لمغادرة الجزائر

. هذا يعني أنك استفدت من هذه التجربة التلفزيونية الجزائرية
ـ طبعا هي تجربة مهمة جدا ، لقد أتاحت لي الفرصة لكي أحظى بالتكوين، ثم الممارسة الميدانية لمدة ست سنوات.
.اشتغلت في عدة قنوات خارج الوطن، أي قناة ارتحت للعمل فيها، و شعرت بأنك نجحت فيها أكثـر من غيرها منذ غادرت التلفزيون الجزائري في 1993؟
ـ  تجربتي في "ميدي 1" كانت رائدة، لأنني تعلمت أشياء كثيرة ، فأنا لم أكن مذيعا فقط، كنت رئيس تحرير نشرتي التي أقدمها و مسؤولا عن كل شيء فيها ، من اقتراح المواضيع، إلى ترتيبها، إلى توزيع الملفات، إلى تقديم النشرة. و كانت هناك ديناميكية في "ميدي 1 "، فالقسم فرنسي يؤطر القسم العربي، و نتوخى نفس الأسلوب في العمل. لقد تأثرت ليس بالقسم العربي، بل بطريقة أداء القسم الفرنسي، بالإضافة إلى المؤثرات المستعملة و الومضات  و المقاطع الموسيقية ، و أشياء كثيرة استفدت منها.  
. ألم تكن هناك حساسية بينك و بين زملائك لأنك جزائري؟
ـ كانت تطفو من حين لآخر نوع من الحساسية، و سرعان ما كان المدير الفرنسي يتدخل لضبط الأمور و إعادتها  إلى نصابها، و يفهم الجانب المغربي أن المحطة فرانكوـ مغربية و ليست مغربية. الخط الافتتاحي للمحطة كان موجها، لكنه مهذب أيضا، أنا و للأمانة لم أطالب في يوم من الأيام أن أتخذ أي موقف ضد بلدي، فقد كانت لدينا بحكم التقاليد الإعلامية الفرنسية، بند الضمير المهني الذي كان يسمح لي بعدم تناول ملف لا يتماشى مع قناعتي و هو الملف الجزائري في تلك الفترة، لكن كان علي أن أدير النشرة و كانت هناك محاذير، و أحيانا كان المدير هو من يعيد الأمور إلى نصابها. و كان هناك ضغط من الصحفيين المغاربة، لكي يفرضوا الأجندة المغربية على محطة "ميدي 1" ، في حين كان الفرنسيون حريصين ألا يتجاوز المغاربة ما هو متعارف عليه بين الجهتين الفرنسية و المغربية، و هو اقتسام الخط الافتتاحي و خدمني ذلك بطريقة غير مباشرة . من الأسباب التي دفعتني إلى مغادرة "ميدي 1" هذا الضغط اليومي، لأنني كنت مطالبا بأن أتحدث عن الشأن المغربي الجزائري في كل مكان، بمرور الوقت شكل ذلك ضغطا كبيرا علي دفعني إلى البحث عن وجهة أخرى.

 

قناة أبوظبي اختارتني لإجراء مقابلة تاريخية مع طوني بلير


. هل ترى بأنه بإمكان  الإعلامي أن يخدم بلده و سياسة بلده و هو يعمل في قنوات أجنبية ؟
ـ نعم بإمكانك أن تخدم بلدك بطريقة غير مباشرة ، عن طريق اقتراح مواضيع تخدمها، لكن يجب ألا تظهر بموقف متعصب، لا يمكن أن تؤثر في خيارات رئاسة التحرير لأن  رئاسة التحرير مفتوحة على الملف الجزائري بكل تفرعاته، و هو في المتناول ضمن المواضيع الأخرى كالملف الفلسطيني و غيره،  لكننا كجزائريين لم نكن نتواجد في القنوات الأجنبية ك"لوبيهات"، ليس كالمصريين مثلا الذين يشكلون لوبيهات داخل تلك القنوات، سرعان ما تشتغل لصالح الخط الافتتاحي في مصر، و لو بطريقة غير مباشرة و بمحاذير معينة. في كل الفرص التي أتيحت لي لكي أبرز على الأقل وجهة النظر الجزائرية، كنت أبرزها، سواء أقنعت رئيس التحرير أو رئيس النشرة أم لم تقنعه.

. هل كان لديك هامش حرية أكبر في "الحرة "؟
ـ عندما  انطلقت "الحرة " كانت عبارة عن تليفزيون بروباغندا، لكن سرعان ما شعر القائمون عليها بهذه الخاصية و أرادوا محوها، فاتخذوا مواقف من بينها ألا  تصبح الحرة قناة إخبارية تسعى إلى تقديم الأخبار العاجلة و الفورية،  بل قناة لإدارة قصص جوارية تقرب الثقافة الأمريكية و وجهة النظر الأمريكية من المشاهد العربي، أي أننا نذهب إلى المشاهد العربي في الدول العربية و نحاول أن نجد له في القناة رجع صدى و مكانا يحقق فيه ذاته . لقد تكفلت بما نسميه بالقصص الجوارية و هي قصص و روبورتاجات إنسانية بالدرجة الأولى، تتناول معاناة فردية و حالات اجتماعية، بالإضافة إلى تغطية الأحداث السياسية ...هذا هو الغذاء اليومي للقناة.

كنت أعمل على إبراز وجهة النظر الجزائرية إعلاميا


أود أن أشير إلى أنني عندما قمت بعدة  جولات و كنت مبعوث "الحرة" إلى مفاوضات جنيف الأولى و مفاوضات ملف البرنامج النووي الإيراني، لم أكن في الحقيقة أتلقى أوامر أو توجيهات تفصيلية من مسؤولي القناة،  كنت فقط مطالبا بالإتيان بالقول و القول المضاد ، الحجة و الحجة المضادة ، مع مراعاة أبجديات السياسة الخارجية الأمريكية، لا توجد توجيهات و إملاء و هذا أعطاني نوعا من الأريحية.
. و ماذا عن عملك في قناة أبو ظبي؟
ـ أنا مرتاح في عملي كمراسل لقناة أبو ظبي في بريطانيا، لقد أتاحت لي فرصة ممتازة لأحاور رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير في اليوم الثاني لاندلاع حرب العراق في 2003 . كانت فرصة تاريخية فعلا، داوننغ ستريت اختارت قناة أبو ظبي و لم تختر الجزيرة لإدارة المقابلة، منحني طوني بلير 15دقيقة، و لا أزال أحتفظ بالتسجيل.
. هل وافق بلير على إجراء المقابلة لأنك تحمل الجنسية البريطانية؟
ـ لا قناة أبو ظبي هي التي طلبت مني إجراء المقابلة و ليس بلير، القضية كانت قضية ثقة و اقتناع و أيضا حظ،  كانت لدى بلير رسالة يوجهها عبر هذه القناة و أنا كنت سببا، لأطرح أسئلة. بالنسبة إلي كانت فرصة تاريخية مع رئيس وزراء متميز، كانت الحكومة البريطانية لديها إرادة قوية في توضيح الكثير من الأمور، خاصة في ما يتعلق بملف أسلحة الدمار الشامل العراقية و كل الجدل الذي أثارته في تلك الفترة.
.  في كل محطة عملت بها ، فرضت نفسك و استطعت التكيف و التصرف بحنكة و ذكاء، هل ترى بأنك حققت طموحاتك؟
ـ لدي طموحات أخرى، أنا أحضر لانطلاقة جديدة ، أريد أن أعود إلى تقديم برنامج إخباري أو نشرة "ماغازين" في تليفزيون ما.  دون طموحات و دون أن تكون لدي أفكار جديدة لا أستطيع أن أعيش. يبدو أنني حققت أشياء كثيرة في الروبورتاج ، لقد كنت  مبعوث "الحرة " إلى الحدود الصربية ـ المجرية في خضم أزمة اللاجئين السوريين، و كانت لدي تجربة رائدة في تغطية الحدث، إلى جانب تجارب كثيرة في بريطانيا. إن الحياة السياسية و البرلمانية موحية في بريطانيا  و ما يتناوله الإعلاميون يوحي بالكثير من الأفكار و يجعل الصحفي على استعداد بقوة الاقتراح و لديه ما يقوله و يقدمه.
. هل واجهت مشاكل في التكيف مع المجتمع البريطاني أو تعرضت لمواقف تنم عن العنصرية؟
ـ بالعكس تماما بريطانيا مبنية على نظام الأقليات و الجاليات. و لست مضطرا لتكون ضمن ناد ما، و لن يدق على بابك في يوم من الأيام من يطلب منك أن تهيكل نفسك داخل نادي الجالية المسلمة مثلا. هذه الحرية الموجودة تجعلك تعيش حياتك كما تريد.  داخل بيتي أعيش جزائريتي و أيضا أعيش بريطانيتي في الجوانب التي أحبها. فنحن جزء لا يتجزأ من ذاك المجتمع.  أنا أرفض التصنيف على أساس الديانة الموجود في الوثائق و الإدارات هناك، فيه الكثير من الظلم و الإجحاف. الجدل القائم الآن داخل المؤسسات البريطانية "لماذا نصنف تصنيفا دينيا وفق هوية دينية، بينما يصنف الإيطاليون مثلا ، بهويتهم الوطنية؟" ، الآن بعد كل الذي جرى من إرهاب و تطرف، بات الرسميون البريطانيون ميالون إلى البحث عن تصنيف يرتبط بالوطن، بالنسبة للجاليات، مثلما يفعلون مع الفرنسيين و الألمان .
. بحكم خبرتك ، ما هي الوصفة التي تقدمها للصحفي في السمعي البصري، لكي يحقق النجاح و التألق؟
ـ في العمل التلفزيوني حتى بالنسبة للمراسل، من المهم جدا أن يكون متعدد اللغات و لديه اطلاع و ثقافة عامة و يتابع عن كثب مجريات الحياة السياسية و أيضا تكون له شبكة علاقات مع الطبقة السياسية و النواب و المعارضة و لو أن ذلك صعب في بريطانيا.

حاورته : إلهام طالب/تصوير: الشريف قليب

الرجوع إلى الأعلى