الدبلوماسية الجزائرية تحظى باحترام كبير وما تزال قادرة على حل الكثير من القضايا
يؤكد، عبد الحميد سي عفيف، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الشعبي الوطني أن الدبلوماسية البرلمانية أضحت مهمة على المستوى الدولي وهي تكتسب من وقت لآخر مساحات وفضاءات جديدة، ويقول أن الدبلوماسية البرلمانية الجزائرية بدأت في 1977، وهي اليوم ممثلة في 12 فضاء برلمانيا عبر العالم وتقوم بدورها كمساعد للدبلوماسية التقليدية وفق نفس المبادئ والأهداف وحققت الكثير من المكاسب، ويشدد من جانب آخر على ألا يجب منح رئاسة لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان لأي كان بل لمن تتوفر فيهم ثقافة في العلاقات الدولية ولهم قدر معين من التحليل والمنهجية الدراسية بما يجري في العالم.

- النصر: انطلاقا من موقعكم كرئيس للجنة الشؤون الخارجية بالمجلس الشعبي الوطني كيف تنظرون إلى تعاطي الدبلوماسية الجزائرية مع القضايا والمشاكل المطروحة عربيا وإقليميا؟
- عبد الحميد سي عفيف: أولا عندما نتطرق إلى موضوع الدبلوماسية الجزائرية لابد أن نستعرض كل المسارات والمراحل والظروف التي مرت بها، فقد كان لها وزن كبير وخاصة منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، والدبلوماسية الجزائرية التي ترتكز على عدد من المبادئ والثوابت، وتمسكها بها، جعل لها مصداقية كبيرة، واعتراف وتقدير من طرف الدول.

سنحتفل هذا العام بمرور 40 سنة من الدبلوماسية البرلمانية الجزائرية


 وفي كل مرحلة من المراحل التي مرت بها كان لها موضوع معين وأهداف معينة، في البداية وتحت رعاية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي كان في ذلك الوقت وزيرا للشؤون الخارجية كانت لها انشغالات مساعدة حركات التحرر من أجل التخلص من الاستعمار في كل بقعة من العالم.
كما كان التعاون جنوب- جنوب والتنمية المستدامة من أهدافها في مرحلة معينة، وقد لعبت الدبلوماسية الجزائرية دورا كبيرا في تحقيق هذه الأهداف، ثم كان لها دور مهم في الصراع العربي الإسرائيلي خاصة سنة 1973،  كما لعبت دورا مهما في حركة عدم الانحياز،وفي إفريقيا وفي إعادة ا التوازن خدمة لمصالح الدول السائرة في طريق النمو.
ثم مست الدبلوماسية الجزائرية قضايا أخرى مثل مسألة السلم، ومحاربة الإرهاب بداية من سنوات التسعينيات إلى اليوم، و إحلال  السلم والتضامن بين الشعوب، في مجال محاربة الفقر وتحقيق العدل والمساواة، كل هذه القيم كافحت الدبلوماسية الجزائرية من أجل تحقيقها على المستوى القاري والجهوي والدولي.
و لعبت أيضا دورا في حل النزعات بالطرق السلمية كما جرى على هامش قمة الوحدة الأفريقية بالجزائر سنة 1999، حيث فرضت الجزائر تصورا جديدا من أجل احترام الدساتير، و احترام الطرق السلمية والقانون للبقاء في الحكم والوصول إليه، ثم جاءت مرحلة أخرى من التعاون في إطار مبادرة «النيباد» وتنمية إفريقيا، كما ارتكزت الدبلوماسية الجزائرية على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والحفاظ على وحدة الشعوب العربية والتضامن العربي، والحفاظ على دين الإسلام بعيدا عن خلطه بالإرهاب وهو ما دافعت ورافعت من أجله في كل الملتقيات الجهوية والدولية، وعملت من أجل حل كل النزاعات بالطرق السلمية سواء في العالم العربي أو إفريقيا، وقد نال موقفها هذا احتراما كبيرا ولم تبتعد عن المبادئ الأساسية التي بنيت عليها الدبلوماسية الجزائرية منذ حرب التحرير، عدم التدخل في شؤون الغير، وعدم السماح بالتدخل في شؤونها ودعم كل حركات التحرر والتخلص من الاستعمار.
- بالنسبة للأزمة الخليجية الحالية الجزائر تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف ولها علاقات جيدة مع الجميع هل تعتقدون أنها يمكن أن تلعب دورا في حلحلة هذه الأزمة وتقريب وجهات النظر بين جميع الأطراف؟
- الموقف الأولي الذي جاء من خلال بيان وزارة الشؤون الخارجية عند بداية الأزمة كان له تأثير ايجابي بالنسبة للطرفين أو للأطراف كلها، لأن الجزائر دعت فيه إلى طاولة الحوار، وتجاوز الخلاف بالطرق السلمية والتشاورية، من أجل هدف سامي هو تجنب التصعيد الذي ربما لو حدث ستكون له عواقب وخيمة ليس فقط على العالم العربي، بل المنطقة برمتها والعالم، لذلك فهي تطلب دائما أن يكون هناك تقريب بين وجهات نظر جميع الأطراف.

البرلمان الجزائري ممثل في 12 فضاء برلمانيا دوليا وكلمتنا مسموعة


 وكما نلاحظ فإن موقف الجزائر هذا أدى إلى تغليب فكرة الحوار والعمل الدبلوماسي بدلا من التصعيد والمواجهة، والآن كل الأطراف أصبحت تبحث عن كيفية لتجاوز الخلافات بالحوار والطرق السلمية، وبمثل هذا الموقف أعتقد أن الجزائر ربحت مصداقية أكبر في العالم العربي والعالم ككل، وكما تعلمون فإن الجزائر رفضت الدخول في تحالفات عربية ضد اليمن، ورفضت اعتبار حزب الله اللبناني منظمة إرهابية، وقالت أن ذلك شأن لبناني داخلي وهي لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول.
ونلاحظ أن الجولة التي قام بها وزير الشؤون الخارجية بطلب وتعليمات من رئيس الجمهورية لأنه هو صانع السياسة الخارجية- لاقت صدى ايجابيا في كل بلد حل به، وأنا متفائل بأن هذه الأزمة ستجد حلا لها في أقرب وقت ممكن بفضل الحوار وتقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف.
- ترأستم عدة مرات لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الشعبي الوطني ولكم تجربة كبيرة في العمل البرلماني كيف تنظرون إلى أهمية الدبلوماسية البرلمانية؟.
- لابد أن نشير أن الدبلوماسية البرلمانية أصبحت منذ سنوات تحتل مكانة متميزة في العلاقات الدولية لسببين، أولهما أن الحكومات بحاجة إلى شرعية مستمدة من الشعب، والدبلوماسية البرلمانية أعطت نوعا من الشرعية للدبلوماسية التقليدية التي تقوم بها الحكومات، أما السبب الثاني فيتمثل في كون الطرق والسبل التي تعتمد عليها الدبلوماسية البرلمانية تختلف تماما عن الدبلوماسية التقليدية لأنها غير مقيدة وهي مكملة لها. واليوم نرى أن الدبلوماسية البرلمانية فرضت وجودها بتأسيس لجان الصداقة بين الشعوب والتبادل، وأيضا ببرلمانات على مستويات جهوية كبرى، مثلا الاتحاد الأوربي له مجموعة برلمانية، العالم العربي له مجموعة برلمانية، إفريقيا أيضا لها مجموعة برلمانية وهو مجلس العموم الذي لا يملك صلاحيات كبيرة في الوقت الحالي لكن هم ذاهبون إلى إعطائه نفس صلاحيات البرلمان الأوربي.
في الجزائر سنحتفل هذا العام بمرور 40 سنة على انطلاق الدبلوماسية البرلمانية، 1977-2017، لأن أول برلمان منتخب لنا كان في سنة 1977، ونحن بهذه المناسبة نفكر في تنظيم «ندوة» حول مرور 40 سنة من عمر الدبلوماسية البرلمانية في الجزائر.
وكما يعلم الجميع فإن الاتحاد البرلماني الدولي لا يعترف إلا بالبرلمانات المنتخبة، صحيح أن النواب قبل هذا التاريخ لعبوا دورهم، لكن الجزائر دخلت الاتحاد البرلماني الدولي سنة 1977،  ولعبت دورها حسب المبادئ التي ترتكز عليها سياستها الخارجية والتي سبق وأن ذكرتها، وأصبحت اليوم الدبلوماسية البرلمانية تهتم بمواضيع أخرى، واتسعت رقعة نشاطها لتشمل البيئة ومحاربة الفقر والقانون الدولي الإنساني، وغيرها والفضل يعود إلى رئيس الجمهورية الذي قنن ودستر الدبلوماسية البرلمانية وفتح لها الأبواب.
- هل أنتم راضون على أداء الدبلوماسية البرلمانية في الجزائر بصورة عامة؟
- أنا راض عن أداء الدبلوماسية البرلمانية عموما،  خاصة في  فترة الإرهاب قام من مثلوا الدبلوماسية البرلمانية في تلك الفترة بعمل جبار على مستوى الفضاءات البرلمانية الجهوية والدولية وشرحوا طبيعة الإرهاب الذي كان في الجزائر، و الوضعية الحقيقية في الجزائر، و انشغالات الشعب والحكومة الجزائرية من أجل محاربة هذه الآفة التي كنا دائما نقول أنها عابرة للحدود، فبفضل العمل البرلماني و الفضاءات البرلمانية عبر العالم  وعينا المجموعة الدولية ولفت انتباهها لخطورة هذه الآفة، أنا اعتقد أن الدبلوماسية البرلمانية أصبحت اليوم تحتل مكانة كبيرة بالنسبة للنشاط البرلماني في الجزائر.  واليوم أصبحت الدبلوماسية البرلمانية قائمة بذاتها وهي مكملة للعمل التشريعي الذي يقوم به البرلمان، فهناك عمل تشريعي وعمل دبلوماسي، و حتى بالنسبة لتطابق التشريع الجزائري مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجزائر،و البرلمان الجزائري كيف الترسانة القانونية الوطنية مع هذه الاتفاقيات والمعاهدات.
واليوم البرلمان الجزائري موجود على مستوى 12 فضاء برلمانيا، جهويا، وقاريا ودوليا، والجزائر تشارك في أعمال ونشاطات كل هذه الفضاءات إما كعضو دائم، أو ملاحظ أو فاعل، و أصبحت كلمتنا مسموعة.

الدبلوماسية البرلمانية تكمل الدبلوماسية التقليدية ونحن ندعم الرؤية الجزائرية في
 مختلف الملفات


- كيف يمكن للدبلوماسية البرلمانية، أو للبرلمانيين أن يساهموا في حل بعض المسائل الشائكة المطروحة على حدودنا مثل الساحل وليبيا،  والمساهمة بالتالي في إكمال ما تقوم به الدبلوماسية الرسمية التقليدية؟
-  بالنسبة للساحل شاركنا في عدة لقاءات جهوية نظمت في الجزائر وخارجها ضمت برلمانيين وممثلين للشعوب المجاورة لنا لأنهم هم الذين لهم علاقة مباشرة بالشعوب ويشرحون له إستراتيجية البلدان المجاورة المعنية بالأزمة، وتمرير الخطاب والسياسة المقدمة من طرف كل دولة، وربما الكثير لا يعرف أن النواب في دول مثل مالي والنيجر وغيرها لهم كلمة مسموعة على مستوى حكوماتهم لأنهم يمثلون في الأصل القبيلة التي ينتمون إليها وقد يكونوا رؤساء للقبائل هذه، وعلى هذا المستوى فإن الدبلوماسية البرلمانية يمكنها أن تعلب  دورا مهما مع هؤلاء من أجل الدفع بحلول سلمية للقضايا المطروحة في الساحل، وبالتالي دعم المقاربة الجزائرية في محاربة الإرهاب وإحلال السلم في هذه المنطقة، وسنعمل من موقعنا بقوة على تعزيز الأمن والسلم في الساحل بالطرق المتاحة وبالمزيد من العمل مع برلمانات الدول المجاورة لنا، وإشراك برلمانيي الدول المعنية لدعم سياسات حكوماتهم و تحسيس شعوبهم.
لما كنت رئيسا للجنة الشؤون الخارجية بين 2007 و 2012 استقبلنا نوابا من مالي وتشاد وبوركينافاسو  وتكلمنا حول الإستراتيجية التي تم تحديدها من طرف هيئة أركان دول الساحل» سيموك» في الفصل المتعلق بالمجتمع المدني.
 بالنسبة لليبيا إلى حد الآن كانت هناك اتصالات بيننا وبين نواب من البرلمان الليبي، وقد زار نواب ليبيون الجزائر والتقوا بنظرائهم  هنا وتبادلوا وجهات النظر حول سبل حل الأزمة الليبية دائما في إطار التصور الذي تقدمه الجزائر، وكما يعلم الجميع فإن سياسة  المصالحة الوطنية كحل للأزمات أصبحت تجربة ناجحة ومعترف بها دوليا تسوقها الجزائر للدول الأخرى التي ترغب في الاستفادة منها لحل مشاكلها الداخلية.
- لكن ألا تعتقدون أن قياس فاعلية ونشاط الدبلوماسية البرلمانية يتوقف أيضا على مستوى النواب وتجربتهم في العمل السياسي والدبلوماسي، وتمتعهم بنوع من الثقافة السياسية وثقافة الدولة، وهو ربما غير متوفر حاليا إلى حد كبير في تشكيلة نواب البرلمان
- كنت دائما أقول هذا القطاع حساس فعلا، والعلاقات الخارجية في البرلمان تتطلب من الذي سوف يتولى مسؤولية لجنة الشؤون الخارجية أن يحوز على الأقل على قاعدة ثقافية لها علاقة بالعلاقات الدولية، وتكون له ثقافة الدولة، ويكون قد مارس هذا النوع من العمل في قطاعات أخرى، كما يجب أن تتوفر لديه مقدرة على تحليل الأوضاع والتفكير في التصورات، ولو أن هذا كله يندرج في إطار التصور العام الذي يضعه رئيس الجمهورية للسياسة الخارجية على اعتبار أنه المخول دستوريا بتحديد السياسة الخارجية للدولة وقيادتها.
وعليه لا نستطيع المغامرة بإعطاء هذه اللجنة لأفراد ليست لهم القدرة على أداء هذه المهمة، وليس لهم المسار، هذا على مستوى رئاسة لجنة الشؤون الخارجية، لكن العضوية فيها حرة.
و عليه أنا اعتقد أن هذه اللجنة وبالنظر لأهميتها وحساسيتها، وبالنظر للدور الكبير والمتزايد الذي تحظى به الدبلوماسية البرلمانية في العالم لابد أن يتم الاهتمام بها بشكل خاص، وأتمنى أن يكون أعضاؤها من ذوي القدرة والكفاءة المطلوبة حتى لا يظهروا ضعافا أمام الوفود الخارجية، لكن لحد الآن وللأسف ليست هذه هي الحال، ربما نسبة 20 أو 25 من المائة فقط من لهم هذه القدرات فقط.
حوار: إلياس بوملطة

الرجوع إلى الأعلى