هدفي إصدار موسوعة في الطبخ التقليدي و نجوميتي حققتها  بالوصفات الاقتصادية
قال «الشيف» فارس جدي بأنه يهدف لنشر موسوعة لمختلف الأطباق التقليدية الجزائرية و  تتضمن أبحاثا عن كل طبق و جذوره التاريخية و بطاقات تقنية عنه، لتصبح مرجعا للأجيال الصاعدة التي أصبحت تميل أكثر إلى الأطباق العصرية، ، مضيفا في حوار خص به النصر، بأن السبب الرئيسي وراء نجوميته يعود إلى إلمامه برغبات جمهوره و تقديمه لوصفات غير مكلفة ، كما تحدث عن أسباب عدم وصول المطبخ الجزائري للعالمية و عن محاور أخرى .
حاورته أسماء بوقرن
. النصر: كيف دخل فارس جدي مجال الطبخ ؟  
ـ الشيف فارس:  الطبخ موهبتي ، فمنذ أن كنت صغيرا أهوى الدخول للمطبخ و تجريب الوصفات و التفنن في إعدادها، و قد كنت أستغل مغادرة والدتي و أختي المنزل، عندما كنت في 16 من العمر، لإعداد الأطباق، فكانت البداية بتحضير الأرز باللحم و «البطاطا فليو» و غيرها، بالإضافة إلى المرطبات و الحلويات.
 و بعد أن أصبحت في 17 من العمر،  التحقت  بفندق « مازافرون»  بزرالدة ،كان ذلك سنة 1992 ، لقد تلقيت تكوينا في الطبخ، لكن  في تخصص المطبخ الفرنسي،  و بعد ذلك حظيت بتكوين  في تحضير المرطبات و الحلويات التقليدية و العصرية.
أثريت تكويني بالتعلم من الجدات و خبيرات الطبخ   
. بما أنك تلقيت تكوينا في الطبخ الفرنسي، كيف تمكنت من التخصص في تقديم وصفات تقليدية ؟
ـ بعد أن تقليت تكوينا في الطبخ و الحلويات، انصب اهتمامي على تعلم أهم مبادئ الطبخ و حيل نجاح الوصفات، و قد كنت خلال مرحلة التكوين تلك، أفكر في تلقي تكوين آخر في مجال الأطباق التقليدية، لكن على يد الجدات و السيدات المحترفات في الطبخ و الحلويات التقليدية، عبر مختلف ولايات الوطن، لكي تكون لي دراية بمختلف الأطباق و الحلويات التي تشتهر بها بلادنا، و جسدت ذلك فعلا بعد إتمام تكويني.
. كيف كنت تتنقل إلى مختلف مناطق الوطن للقاء جدات خبيرات في الطبخ التقليدي؟
ـ كنت عندما أذهب مع عائلتي للاصطياف، لا أذهب إلى البحر، و إنما أبحث عن جدات محترفات في الطبخ ، كما كنت أستغل زيارة الأقارب في الحديث إلى خبيرات الطبخ التقليدي و أخذ كل ما لديهن من وصفات تقليدية بالتفصيل.
بالموازاة مع ذلك كنت أبحث عن أسماء الأطباق التي تشتهر بها كل منطقة، و أتنقل إليها و أبحث عن الجدات اللائي لديهن خبرة طويلة في مجال الطبخ و المتميزات بإعداد الأطباق التقليدية، و في الغالب أعمارهن تفوق 70 عاما. كنت   أحصل منهن على الوصفة و كيفية التحضير و التدابير و الحيل لإنجاحها، و حتى طريقة حفظ المكونات، و سجلت كل النصائح،  حيث تعلمت في البداية إعداد الشخشوخة و المزيت ، و انبهرت بوصفات لم أكن أعرفها ، ذات مذاق ممتاز. و اكتشفت بأن المطبخ الجزائري غني جدا و واسع، و فور عودتي إلى المنزل أقوم بتجريب كل طبق تعلمته، بإتباع كل الخطوات، فكانت كلها ناجحة.
. كيف كان أول ظهور لك على شاشة التلفزيون؟   
ـ كان أول ظهور لي على شاشة التلفزيون الجزائري  منذ نحو 11 سنة تقريبا، حيث قدمت ركن الطبخ لمدة سنتين، عندئذ اكتسبت الشهرة و كانت وصفاتي تلقى تجاوبا كبيرا، لكن للأسف ظهوري عبر التلفزيون توقف مع تغير مديرة الإنتاج و مدير التلفزيون حمراوي حبيب شوقي. كان الجمهور يبحث عني ، ما جعلني أتوجه إلى مركز التكوين المهني بالقليعة ، لأصبح أستاذا في الطبخ و الحلويات، أشرف على تدريس 80 امرأة في اليوم. كان عمري آنذاك لا يتجاوز 28 عاما، و قد دامت فترة تدريسي خمس سنوات. بعد فتح قنوات خاصة توجهت إلى «قناة سميرة تي في «المختصة في الطبخ، و خضعت لاختبار على يد مديرة القناة سميرة بيزاوية ، باعتبارها مختصة  في الطبخ و الخياطة، و زوجها، و تم قبولي و كنت من الأوائل الذين افتتحوا القناة.
  التوجيهات و التفاعل مع الجمهور  من أسرار نجوميتي
. كيف تمكنت من التفوق و تحقيق النجومية ؟
ـ تمكنت من تحقيق النجومية بفضل إلمامي بما يحبه الجمهور و ما يرغب في تناوله ، و بتقديم توجيهات و نصائح و حيل لنجاح الوصفات، و كذا بالتفاعل مع الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أن الأغلبية يجربون وصفاتي و يُخبرونني بالنتيجة، كما يطلبون مني نصائح و توجيهات، و أنا لا أبخل عليهم بها. و الدليل أنني ابتكرت حيلة من شأنها إنجاح وصفة قلب اللوز، التي لم تتمكن العديدات من النجاح فيها، و ذلك بإضافة اللبن إلى المقادير، و إضافة شربات باردة إلى عجين قلب اللوز و هو ساخن مباشرة بعد إخراجه من الفرن، كان ذلك بمثابة تحد اجتزته و نجحت فيه .
. هل تهتم بوصفات أكل صحي دون تكاليف؟
ـ كل وصفاتي مدروسة، حيث  أدرسها من الجانب الصحي و كذا الاقتصادي، أي ما يناسب الطبقة المتوسطة في المجتمع، كما أحرص على تقديم الوصفات المعروفة بمذاقها المنفر خاصة لدى الأطفال،  و أضيف إليها مكونات لتحسين مذاقها، بغية تشجيعهم على تناولها و الاستفادة من فوائدها الصحية.
لقد تلقيت ملاحظات مؤخرا من جمهوري، حول استعمالي المفرط  للجبن و التونة و الجبن الطازج في «حصة ظريف خفيف» التي أقدمها، و أريد أن أوضح بأنهم بإمكانهم  استعمال علبة واحدة بدل ثلاث مثلا ، و أنا أشير دائما إلى أن الوصفة تكفي لعدد معين من الأشخاص، و أقول بأن إضافة بعض المكونات كالجبن، لإضافة النكهة فقط، و  يمكن الاستغناء عنه، رغم أنني أستعمل منتوج الممول الرسمي للحصة.  
«الشيف» هو  الذي يملك خبرة  في الطبخ و ملم بكل الوصفات
. في السنوات الأخيرة ، ظهرت موجة « الشافات» و أصبحوا نجوما في المجتمع، هل هذا راجع  إلى ظهور قنوات تهتم بالطبخ، أو لأن الطبخ الجزائري بدأ يتخذ حلة عصرية ؟
ـ القناة الوحيدة المختصة في الطبخ بكل أنواعه التقليدي و العصري هي «سميرة تي في» التي تعتبر محفزا لظهور عدد كبير في المختصين في الطبخ، كما أنها شجعت الراغبين في ولوج هذا المجال على دراسة الطبخ ، و أوضح بأن ليس كل من يظهر على القناة «شيف» ، فمثلا في حصة «جنان لالة» ، نجد نساء مسنات تحضرن الأطباق التقليدية استنادا إلى وصفاتها  التقليدية ، مثل خالتي دوجة ، لأن إطلاق صفة» شيف» يجب أن تكون لمختص في الطبخ ، يكون قد درسه و عمل في المجال و اكتسب خبرة،  و بإمكانه تحضير كل الوصفات التي تطلب منه .
. نفهم من كلامك أن القناة خدمت الطبخ الجزائري ؟
ـ أكيد خدمته كثيرا ، حيث أن الجزائريين أنفسهم لم يكونوا يعرفون كل الأطباق التقليدية الجزائرية ، و القناة عرفت بها و تمكنت من جمع أكلات من كل الولايات و تقديمها للجمهور، و هذا من بين أهداف القناة.

أجانب انبهروا بمذاق « بطاطا فليو» و الحلويات التقليدية
. باعتبارك نجما في الطبخ بالجزائر، ما هي أخطاء المطبخ الجزائري ؟
ـ الطبخ الجزائري ليس به أخطاء، لأن كل أجنبي جرب مذاقه انبهر به و اشتهى تناوله مجددا، و هذا ما وقفت عليه في الميدان، عندما شاركت في مهرجان الشيخ زايد التراثي الدولي في أبوظبي، و الذي سأشارك فيه هذه السنة أيضا ، حيث انبهر أجانب من دول عربية و أجنبية، كروسيا و الهند و الإمارات و حتى المغرب وتونس الشقيقتين بأكلاتنا،  و تساءلوا عن سبب عدم رواجها ووصولها إلى العالمية ، مثل «بطاطا فليو» و شربة  الخضر الجزائرية ، و كذا بأطباق  الكسكسي و الشخشوخة و البركوكس و الرشتة ، بالإضافة إلى الحلويات التقليدية و العصرية.
. لا نزال غير قادرين على إيصال الطبخ الجزائري إلى العالمية، رغم انبهار كل من تناوله من الأجانب بمذاقه، أين يكمن الإشكال حسب رأيك؟
ـ المشكل يكمن في السياحة ،  مادامت لم تنتعش بعد في بلادنا ، لا يمكننا إيصال المطبخ الجزائري إلى العالمية، فالسياح هم القادرون على إيصال موروثنا إلى الخارج ، كما حدث في تونس و تركيا، كما أننا كطهاة لا نشارك في  المحافل الدولية ، ما يجعل موروثنا الثقافي مغيبا و غير معروف.
المشكل الأكبر أن فنادقنا، حتى ذات الخمس نجوم،  تهتم بالطبخ الأجنبي على حساب التقليدي، فتكتفي بتقديم طبقين منه، بالرغم مما يزخر به من أطباق، عكس الفنادق في الدول الأجنبية و حتي العربية ، حيث نجدها تتفنن في تقديم أطباقها التقليدية .
. أنت كطباخ ما هي التعديلات التي أدخلتها على الأطباق الجزائرية لتصبح عالمية ؟
ـ عندما يكون الطبق تقليدي أحافظ على مكوناته الطبيعية و على طريقة تقديمه خلال مشاركتي في المهرجانات، ليعرف الناس بأنه تقليدي. أما الأطباق الأخرى ك»غراتان» البطاطا، فقد أدخلت عليها تعديلات حتى في طريقة سلق البطاطا لتكون ذات مذاق مميز ، كما أدخلت تعديلات في ما يخص أشكال الحلويات التقليدية الجزائرية و حافظت على مكوناتها، لتقديمها في حلة عصرية.
أطلب مساعدة  السلطات  لنشر موسوعة الطبخ التقليدي
 . هل فكرتم في إنشاء معهد جزائري مختص في الطبخ التقليدي؟  
ـ أكيد فكرت في ذلك، فنحن بحاجة ماسة إلى مدارس مختصة في الطبخ التقليدي الجزائري. هدفي الآن هو نشر موسوعة تجمع مختلف الأطباق التقليدية الجزائرية، كل طبق يرفق ببطاقته التقنية. و أطلب من السلطات أن تساعدني في ذلك، بتسهيل عملية النقل و المبيت و توفير الظروف الملائمة في رحلاتي عبر ولايات الوطن لجمع الوصفات و إجراء الأبحاث، لأعد عملا في المستوى، سيكون مرجعا للأجيال. هدفي أيضا أن يضم الكتاب أبحاثا مفصلة عن كل طبق و كذا المواد التي اختفت و لم نعد نستعملها في الطبخ .
. هل حقا «الشيف» له دخل كبير و مغر؟
ـ لا أبدا المردود المادي عادي ، و أقول بأن الشيف لا يزال مهمشا في بلاده ،  حيث يقدمون راتبا للأجنبي الذي يعمل في الجزائر، أكثر بكثير من الشيف الجزائري و مردودنا المادي لا يتجاوز 8 ملايين سنتيم في الشهر، أما الذين يعملون في الفنادق، فرواتبهم  بين 9 و 10 ملايين سنتيم ، و يعتبر راتبا متوسطا، مقارنة بالعمل الذي يقدمونه و كذا التضحيات.
. هل لا يزال المجتمع يرفض فكرة دخول الرجل مجال الطبخ؟
ـ اندثرت فكرة أن المطبخ للمرأة ، فمنذ القدم نجد أن الرجال متفوقون في هذا المجال و الدليل أن طهاة أغلب الرؤساء رجال.
. ما هي أغرب حادثة وقعت لك مع جمهورك؟
ـ كنت أسير بإحدى المناطق، و إذا بامرأة كانت رفقة زوجها و ابنها تنادي بصوت مرتفع، «يا فارس»عندما شاهدتني، فنشب  خلاف كبير بينها و بين زوجها ، و قال لها بأنها لن تشاهد القناة بعد اليوم ، و لم أتمكن من التدخل لفض الشجار ، خوفا من تفاقمه.
أ.ب

الرجوع إلى الأعلى