الجزائــر تتوفــر علـى قــدرات ومؤهـلات اقتصاديــة تمكنهــا من التحــول  إلـى - تركيـــا إفريقيــا -
أكد رئيس جمعية "الجزائر استشارات للتصدير" والخبير في مجال التجارة الخارجية، إسماعيل لالماس، أن القدرات والمؤهلات التي تزخر بها بلادنا، كفيلة بأن تحول الجزائر إلى "تركيا إفريقيا"، ودعا إلى وضع استراتيجية وطنية لتطوير الصادرات ودعم هذا النشاط باعتبار أنه المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي، مقترحا توفير أربعة عوامل أساسية من أجل ضمان ارتفاع نسبة الصادرات خارج المحروقات.
حاوره / عبد الحكيم أسابع
وفي لقاء خص به النصر في مكتبه بالعاصمة، دعا لالماس إلى  ضرورة وضع استراتيجية وطنية جديدة وبرؤية جديدة مبنية على تشخيص حقيقي لقدرات البلاد وإمكاناتها، لتطوير الصادرات، واقترح على المتعاملين في مجال التصدير التوجه إلى المؤسسة العسكرية التي تتوفر على أسطول جوي هام في مجال النقل الجوي للبضائع لإبرام اتفاقيات معها للاستفادة من أسطولها في مجال التصدير في انتظار أن يتدعم الأسطول الجوي المدني مستقبلا بعد أن تم السماح للخواص بالاستثمار في هذا المجال.
يجب أن نعتمد على الذكاء الاقتصادي لتطوير التجارة الخارجية للبلاد
في اعتقادكم ما هي الأسباب التي جعلت صادرات الجزائر خارج قطاع المحروقات لا تمثل سوى 2 إلى 5 بالمائة من موارد البلاد من العملة الصعبة على مر أكثـر من عشريتين، رغم الإرادة السياسية في تطوير هذا النشاط؟
لا شك في أن القدرات والمؤهلات التي تتوفر عليها الجزائر، كفيلة بأن تحول بلادنا إلى ‹›تركيا إفريقيا››، غير أن المشكل يكمن في ضعف الإستراتيجيات المتبعة في السابق وبسبب غياب خطط واضحة، في مجال ترقية التجارة الخارجية، لذلك فإننا مطالبون برسم إستراتيجية وطنية لتطوير الصادرات بهدف تدعيم هذا النشاط باعتبار أنه المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي،   إن أي عمل أو مسعى يندرج في إطار الاستراتيجية الوطنية لترقية الصادرات خارج المحروقات، يجب أن ينصب أساسا على الذهاب إلى تنويع النشاطات الاقتصادية، ضمان ديمومة وفرة المنتوج النوعي القادر على ضمان التنافسية في السوق الخارجية وفق معايير الجودة المعمول بها على المستوى الدولي، ولكن السؤال المطروح هل للجزائر الإمكانيات اللازمة لتطوير كل النشاطات الاقتصادية من فلاحة وصناعة وسياحة ومحروقات في آن واحد؟
إن الذكاء الاقتصادي يقتضي منا الذهاب إلى تنويع المنتوج المستهدف أي أن نجعل من القطاعات التي تتميز بقدرات تنافسية مع المتعاملين الأجانب، وبوفرة المنتوج ووفرة في اليد العاملة المؤهلة، ووفرة في المواد الأولية، في مقدم الاهتمام وهذا يتطلب القيام بعمل دقيق وبتشخيص عميق لكل القطاعات، لمعرفة نقاط قوته ومدى الاعتماد على فروع إنتاجه في عملية التصدي.
المرافقة الدبلوماسية للمتعاملين الجزائريين في مجال التصدير أكثر من ضرورية
إن التشخيص الدقيق كفيل بأن يقدم لنا المعلومات التي تبنى عليها الاستراتيجية الوطنية لتطوير الصادرات حتى يكون المبني في هذا الاتجاه مبني على الواقع وليس على مجرد قوانين وتحفيزات ظرفية للمصدرين.
إذا سلمنا بأن عامل الوفرة والنوعية هو أساس نجاح عملية التصدير فإننا نلاحظ حالة من عدم التجانس بين التطور الفلاحي الحاصل في بيع الولايات وبين ما يصدر رغم وجود فائض أحيانا يرمى في المزابل، لماذا لا يتمكن أغلب من يرغبون في ولوج أسوق خارجية من التصدير؟
إن التشخيص الذي تحدّثتُ عنه كفيل بأن يحدد لنا قدرات أي قطاع ومدى قدرته على ديمومة تغطية حاجة أي سوق خارجية نريد دخولها لأن الأمر لا يمكن أن يبنى على الظرفية، وهو ما يستدعي أن تنكب كل ورشة من ورشات ضبط الاستراتيجية الوطنية لتطوير الصادرات على محور معين، ومن الضروري أن ينكب عمل الورشة الأولى على مسالة ضمان الوفرة، وديموتها، فعندما نتمكن من تحقيق الوفرة يصبح جزءا منها قابلا للتصدير والجزء الآخر يجب أن يتم تحويله حتى لا يتعرض للتلف ورميه في نهاية المطاف.
إن إي عملية تصدير هي عملية تجارية مبرمجة من أجل الاستجابة لحاجيات البلدان المستهدفة.
تسعى السلطات العمومية إلى تشجيع المتعاملين الوطنيين على اقتحام الأسواق الإفريقية ‹›الواعدة››، ويؤكد هؤلاء المتعاملون بأن للجزائر من الإنتاج  الصناعي والفلاحي ما يمكنها من اقتحام هذه السوق بكل نجاح، لكن منذ ثلاث سنوات من التعبير عن هذا المطمح، مازالت الأمور تسير ببطء فإلى ماذا يعود ذلك برأيكم؟  
إن الذهاب إلى أي سوق في إفريقيا وفي غيرها من القارات الأخرى يجب التحضير الجيد له ولا يمكن أن يتم بناء على قرار، وفقط، إن لإفريقيا اليوم مجموعاتها الاقتصادية الإقليمية، التي ترتبط البلدان العضوة فيها باتفاقيات التبادل الحر، وبلدان أخرى منخرطة في المنظمة العالمية للتجارة ما يجعل التبادلات فيما بينها تتم ضمن هذه الأطر، في ظل إلغاء التعريفة الجمركية وغيرها من الأعباء التي ستفرض على الجزائر في حال دخول هذه البلدان ما يجعل ذلك ينعكس على سعر تسويق أي إنتاج جزائري، في هذه الأسواق وهو ما سيؤثر سلبا على قدرته التنافسية.
الجيش الوطني الشعبي يتوفر على أسطول جوي هام لنقل البضائع  من الضروري إبرام اتفاقيات معه في هذا المجال
ومن أجل نجاح دخول المتعاملين الجزائريين السوق الإفريقية، فإن الأمر يتطلب أن تكون هناك مرافقة دبلوماسية للمتعاملين من أجل تسهيل إبرام اتفاقيات التبادل ووضع سياسة للجودة، إلى جانب وضع سياسة للنقل واللوجستيك لتلبية حاجيات التصدير.
بخصوص قضية النقل واللوجستيك فإن الكثير من المتعاملين يشتكون من مشكل ندرة غرف التبريد وعدم جاهزية المطارات لاستقبال السلع والبضائع والمنتوجات المختلفة للتصدير إلى جانب عدم توفر مرونة  إدارية تساعد على بيع السلع في الوقت المطلوب، فإلى متى تبقى هذه المعوقات تشكل حجر عثـرة أمام ترقية الصادرات الجزائرية؟
لا بد هنا أن نبارك القرار الذي اتخذته الدولة الجزائرية بفتح المجال للمتعاملين الخواص للاستثمار في مجال النقل الجوي للبضائع، لتسهيل نقل الصادرات الجزائرية في الوقت القياسي وبأقل تكلفة نحو البلدان المستهدفة، لأن الاعتماد على كراء وسائل نقل أجنبية يجعل الفاتورة أكثر غلاء وهو ما سيكون له التأثير السلبي الواضح على ثمن تسويق المنتوج ما سيقلل من قدرته التنافسية، سيما وأن السعر هو أهم عوامل تحقيق التنافسية، وأعتقد أن ثمة حل مؤقت وسريع في انتظار دخول مستثمرين خواص لمجال النقل الجوي للبضائع، فالجيش الشعبي الوطني يتوفر على أسطول جوي هام للشحن والنقل الجوي للبضائع ويمكن للمتعاملين في مجال التصدير ، أن يقوموا بإبرام اتفاقيات شراكة،  من خلال هيئات معينة، مع المؤسسة العسكرية من أجل ضمان تصدير منتوجاتهم في الوقت المناسب بواسطة طائرات الجيش، وهو ما يساهم في تطوير الصادرات.
أتوقع أن يتم إلغاء قائمة السلع والمنتوجات الممنوعة من التصدير لأنها أضرت بالاقتصاد الوطني
يرى مختصون أن الكثير من الصعوبات المرتبطة بنشاط التصدير تعود إلى عدم وجود مؤسسات مختصة في التصدير، تكون بمثابة وسيط، لأن الفلاح مثلا لا يملك الأدوات ولا حتى القدرة على التصدير  بمفرده، فما موقفكم من مثل هذا التحليل؟.
إن خلق مؤسسات خاصة في مجال التصدير ومتخصصة حسب القطاعات ستساهم في تطوير نشاط التصدير في الجزائر و ضبط الواردات وتقليص التهريب وحماية المنتوج الوطني.
كثيرا ما تحدث متعاملون أجانب عن صعوبة الإجراءات المتعلقة بالتصدير في الجزائر، فإلى ماذا يعود ذلك برأيكم، ؟
المشكل في الجزائر كان ولازال يتعلق بثقل الإجراءات الإدارية، التي لا يشتكي منها المتعاملون الأجانب فقط، وإنما حتى المتعاملين المحليين، والمطلوب، وبإلحاح شديد تغيير طريقة التسيير الحالية لمجال الصادرات، وإسناد الأمر كذلك للكفاءات المتكونة في التخصص وليس لإداريين مازالوا يعملون بأساليب الاقتصاد الموجه، في زمن الاقتصاد الحر.
ومن الضروري هنا أن ندعو إلى إعادة النظر في طريقة عمل صندوق دعم الصادرات و إضفاء ديناميكية أكثر على هذه الطريقة، وأيضا على آليات الدعم التي يعمل وفقها، لتشجيع المصدرين.
كما أدعو إلى تعديل قانون النقض والقرض في شقه المتعلق بالمعاملات البنكية المتعلقة بدعم التصدير.
الجزائر بحاجة إلى بناء إدارة تلبي حاجيات الاقتصاد الوطني وليس حاجيات السياسة
والمطلوب الأكثر إلحاحا هو بناء إدارة تلبي حاجيات الاقتصاد وليس حاجيات السياسة، باعتبار أن الحصول على العقار مثلا يتطلب وساطة شخص نافذ في السياسة، فمن غير الممكن  الاستمرار في تسيير مجال التصدير بنفس الإدارة التي كانت تسير الاقتصاد الموجه.
وهنا أعطي مثالا بأنه في مقابل الوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية في الجزائر ‘’ ألجاكس ‘’ التي تتولى مرافقة المصدرين الجزائريين وهي وكالة ‘’ صغيرة ‘’ في نظري، فإن في فرنسا توجد مؤسسة مماثلة تسمى ‘’بيزنس فرنس" تعد 4500 مستشار للتصدير، حوالي 3000 منهم يشتغلون خارج فرنسا وحوالي 15000 في داخل التراب الفرنسي’’.
وجهتم فيما سبق انتقاداتكم للإجراء المتعلق برخص الاستيراد وتعترضون اليوم على القائمة التي تضم 851 سلعة ومنتوجا ممنوعا من الاستيراد، ما هي الأسباب الكامنة خلف اعتراضاتكم؟
اعترضت قبل ثلاث سنوات على القرار المتعلق برخص الاستيراد وقدمت مبرراتي وقتها لوزير التجارة بختي بلعايب حيث أكدت له بأن لا يمكن تسيير الاقتصاد إداريا، ليتبين فيما بعد أن الإجراء تسبب في تفشي الرشوة والمحسوبية وارتفاع نسبة التضخم، وقد اعترف وزير التجارة الحالي محمد بن مرادي بأن رخص الاستيراد تسببت في غلق مصانع، وهاهو التاريخ يعيد نفسه اليوم، لأن قرار وقف استيراد 851 منتوجا من الخارج قد أضر بالاقتصاد الوطني وتسبب في غلق الكثير من المصانع ومؤسسات إنتاجية، وإحالة المئات على البطالة باعتبار أن 70 بالمائة من الإنتاج الوطني يعتمد على المادة الأولية والمادة نصف المصنعة من الخارج، إضافة إلى خلق الندرة وعودة نشاط تهريب هذه السلع الممنوعة، بقوة وانتشارها اللافت في السوق الموازية.
 وأعطيك مثالا فإن من بين 13 مادة تدخل في صناعة البسكويت، 10 منه مستوردة، وأتوقع انه مع استكمال ثلاثة اشهر من بدء تطبيق هذا القرار سيتم إلغاء العمل به نظرا للأضرار التي ألحقها بالاقتصاد الوطني وبالمؤسسات الإنتاجية، علما أنه تم إسقاط الكثير من السلع والمنتوجات من القائمة المذكورة في انتظار إلغائها.
التسيير الناجع للاقتصاد الوطني يجب أن يمنح للكفاءات
دعوتم إلى إدماج المصدرين في مجالات الإنتاج، إلى أي مدى يمكن أن يحقق هذا الهدف قيمة مضافة للاقتصاد الوطني؟
لدينا اليوم حوالي 40 ألف سجل تجاري متعلق بنشاط الاستيراد، وحسب وزير التجارة فإن عدد المستوردين الذين ينشطون اليوم في حقل الاستيراد أكثر من 22 ألف مستورد، وأغلبية هؤلاء تمكنوا من جمع ثروة ولديهم احتكاك ودراية بالسوق الخارجية و خبرة في التعامل مع التجارة الدولية لذلك من الضروري تشجيعهم على اقتحام ميدان الاستثمار والإنتاج وترقية الصادرات خارج المحروقات بما يمتلكونه من خبرة وعلاقات في السوق الدولية، وقد تلقيت حوالي 30 طلبا لناشطين في الاستيراد، يرغبون اقتحام مجال الإنتاج، إلا أنه إلى الآن لم ترد الجهات المختصة بعد على هذه الطلبات.              
ع.أ

الرجوع إلى الأعلى