سكان المدينة القديمة يغلقون ساحة الثورة مطالبين بترحيلهم
خرج المئات من سكان المدينة القديمة «بلاص دارم» بعنابة، صبيحة أمس، إلى الشوارع في احتجاج عارم، أغلقوا خلاله جميع المنافذ المؤدية إلى ساحة الثورة القلب النابض للمدينة والمنطقة المحيطة بها، للمطالبة بالحصول على سكنات اجتماعية، رافعين شعارات منددة بالتهميش، الحڤرة والإقصاء، حيث طالب المحتجون بضرورة تدخل السلطات العليا لأن الوضع - حسبهم- لم يعد يُحتمل، بسبب الفراغ الذي تعيشه الولاية بدون رئيس دائرة ولا والي منذ أشهر،  و هو ما نجم عنه تأخر الإفراج عن قائمة السكن التي تم إنجازها من أجل القضاء على البنايات الهشة بالأحياء القديمة.
ودام غلق الطرق خمس ساعات تقريبا بداية من التاسعة صباحا، مما أدى إلى شل حركة السير بشكل شبه كلي في الجهة الجنوبية لوسط المدينة، وكذا المداخل والمخارج، لم يستطع أصحاب المركبات حتى سلك الطرق الفرعية بعد قطع جميع المنافذ.
وقد تدخلت وحدات قوات مكافحة الشغب في محاولة لتفريق المحتجين وفتح الطريق أمام أصحاب المركبات، لكنها فشلت في ذلك واكتفت بمراقبة الوضع عن قرب بتطويق موقع الاحتجاج بعد محاولة بعض المحتجين الدخول في صدامات مع عناصر الشرطة باستخدام الحجارة.
وقد وجهت العائلات المتضررة والتي يصل عددها إلى 1000 عائلة لا تزال لم تُرحل من المدينة العتيقة، نداءات استغاثة للسلطات المعنية من أجل التدخل وترحيلهم قبل وقوع الكارثة - حسبهم- خاصة مع الانهيارات التي تحدث بين الحين والآخر، وقد استنكر المحتجون سياسة السلطات المحلية بإلقاء كل طرف المسؤولية على الثاني، غير آبهين بالموت المحدق الذي يتربص بهم. معتبرين عدم تحويلهم إلى أماكن أقل خطرا يُعد استهتارا بأرواحهم،  لاسيما و أن معظم العائلات المقيمة في هذه البنايات قضت أزيد من 50 سنة من المعاناة، في بيوت صارت آيلة للإنهيار.واستنكر المحتجون اهتمام السلطات المحلية فقط، بإعادة إسكان أصحاب البيوت الفوضوية، معتبرين ذلك انتقاصا من شأنهم، لأن كل الحصص السكنية الموزعة على مدار السنوات الأخيرة موجهة فقط بحسب المحتجين للقاطنين في البيوت القصديرية، متهمين لجان توزيع السكن بالتلاعب في إعداد قوائم المستفيدين، لسهولة تمرير أسماء معارفهم رغم أنهم غير قاطنين في البناءات الفوضوية، وذلك بسبب غياب المتابعة الدقيقة لعملية توزيع السكان مع شغور منصب رئيس الدائرة.
المحتجون طالبوا بضرورة التدخل العاجل والإفراج عن سكناتهم الاجتماعية لإنهاء معاناتهم، كما طالبوا بإيفاد لجنة تحقيق إلى المدينة القديمة للوقوف على الحالة الكارثية التي يعيشونها، مع تزايد خطر الإنهيارات التي تحدق بهم في أي لحظة، في ظل تردي وضعية العمارات التي تعرف سقوط بعض أسقفها وجدرانها.كما لم يخف الغاضبون بأن بعض أصحاب السكنات الآيلة للانهيار كانوا قد استفادوا ضمن الحصص الأولى الموجهة للمدينة القديمة، و قاموا بالموازاة مع ذلك ببيع شققهم لعائلات أخرى، استغلت الوضع للتقدم بطلب الترحيل في إطار البرنامج المسطر للقضاء على السكن الهش، الأمر الذي مكنهم من الاستفادة من سكن اجتماعي جديد على حساب عائلات ظلت تقطن لسنوات طويلة في سكنات عرضة للانهيار.ويحصي الديوان البلدي لترميم المدينة القديمة بعنابة حسب مصادر منتخبة 602 بناية قديمة 44 بالمائة منها تستدعي الترميم و 37 بالمائة تستدعي التهديم. كما أن 76 بالمائة من مجموع البنايات القديمة بالمدينة العتيقة هي تابعة لخواص، الأمر الذي يطرح صعوبات على مستوى التكفل بعملية تمويل أشغال ترميم البنايات القديمة من قبل مصالح ديوان الترقية و التسيير العقاري و مديرية الثقافة لتسوية الوضعية الإدارية لجميع السكنات، في ظل غياب مالكيها الأصليين.

المدينة العتيقة مهملة تتفشى فيها الجريمة ومشروع ترميمها مؤجل

واشتكى بعض المحتجين أمس بساحة الثورة في حديثهم للنصر من حالة الإهمال التي تعيشه المدينة العتيقة وسط انتشار القمامة وتفشي الإجرام، أمام أعين السلطات المحلية التي تتغنى بمستقبل واعد للمدينة القديمة بعد ترميمها لتكون موقعا أثريا يبرز تراث بونة على غرار «السويقة» في العاصمة التونسية، مضيفين بأن هذا المشروع يبقى حبرا على ورق بينما المدينة تغرق في الإجرام، حيث لم تنتهي الاعتداءات والسطو رغم ترحيل أغلب العائلات التي كانت تقطن بهذا الحي العتيق، فالشباب المنحرفون لم يستطيعوا التأقلم في أحيائهم الجديدة بكل من «بوقنطاس « والبوني رغم توفر كل الظروف المناسبة للعيش بأكثر راحة بعيدا عن الضجيج والانهيارات المتكررة، فالسكان الذين ينتظروا دورهم في الترحيل  يعانون الأمرين الانهيارات من جهة وجحيم العصابات الإجرامية التي زاد نشاطها من جهة ثانية، دون أن تقوم السلطات المحلية بتشميع هذه العمارات و تسييجها، حتى قبل ترميمها.
وعبر سكان المدينة القديمة  عن تذمرهم جراء الاعتداءات المتكررة من قبل المنحرفين الذين عادوا إلى الأماكن التي كانوا يقطنون بها للاعتداء على كل من يدخل إلى الحي، بهدف سرقة الأموال والهواتف النقالة تحت التهديد بالسلاح الأبيض، هذا بالإضافة إلى السهرات الصاخبة بالعمارات تحت تأثير المخدرات والمشروبات الكحولية مما يحرم السكان من النوم حتى طلوع الفجر.
ويتعدى خطر العصابات الإجرامية بالمدينة القديمة إلى التجار ومرتادي سوق الملابس المحاذي لمسجد أبو مروان العتيق المسمى «الرحبة « مما دفع العديد من باعة الملابس إلى التخلي عن تجارتهم،  وبعضهم يريد ممارسة نشاطه في مكان آخر أكثر أمانا، إذ أصبحت المدينة وكأنها منطقة محظورة على من لا يقطنون بها، بل حتى على سكانها الذين تعرضوا للعديد من الاعتداءات وأصبحوا غير آمنين حتى داخل بيوتهم حسب محدثينا.
وترجع المصالح الأمنية صعوبة الحد من نشاط هذه العصابات إلى تشعب أحياء المدينة وصعوبة ملاحقة المجرمين، إلى جانب تناولهم للحبوب المهلوسة، ما يجعلهم لا يفرقون بين شخص وآخر، ويبقى أكبر ضحية لهذا الوضع هم مرتادو الحي، كما أن عصابات المجرمين تسيطر على جميع المناطق المحيطة بالمدينة القديمة كساحة الثورة التي تشهد بين الحين والآخر اعتداءات على المارة، يستغلون قرب الساحة من «بلاص دارم « لفرار دون ملاحقة.ورغم الشكاوى المتكررة فإن قوات الأمن تبقى عاجزة على تأمين المنطقة المحيطة بالحي العتيق بشكل كامل، مما يستدعي إيجاد حلول أكثر فاعلية للحد من الاعتداءات خاصة مع حلول فصل الصيف أين يتوافد المصطافون والسياح بكثرة على بونة.
حسين دريدح

الرجوع إلى الأعلى