300 ورشة سرية للنجارة ببلدية حامة بوزيان بقسنطينة
تحولت  بلدية حامة بوزيان بقسنطينة خلال السنوات الأخيرة، إلى قطب للنجارة، بعد توجه أعداد كبيرة من سكانها إلى إنشاء ورشات بمختلف الأحياء على حساب نشاط الزراعة الذي يشهد تراجعا مستمرا بالمنطقة، في وقت لا يزال فيه انتشار صناع الأثاث المنزلي عشوائيا بمختلف الأحياء، وسط ارتفاع أسعار الخشب وعزوف العمال، حيث ينتظر النجارون الاستفادة من منطقة النشاطات للظفر بمساحة أكبر تسمح لهم بتوسيع نشاطهم.
ويشتكي نجارو المنطقة الذين تحدثوا إلى النصر، من عدم اتساع ورشاتهم بالقدر الكافي الذي يسمح لهم بإتمام جميع مراحل صناعة الأثاث بداخلها، حيث يضطر أغلبهم إلى تخصيص محل لصناعة مختلف أنواع الأثاث أسفل البنايات الفردية، بالإضافة إلى محل آخر يكون بعيدا عن التجمعات السكانية، من أجل القيام بعملية الدهن، بسبب الروائح الكريهة التي تسببها المواد المستعملة، فضلا عن حاجتهم إلى مساحة مجاورة للتجفيف خارج الورشات.
كما أوضح نجار آخر بأنه يعاني رفقة عدد كبير من زملائه في الحرفة من انعدام الكهرباء بأحد الأحياء الواقعة بأعالي الحامة بالقرب من المحجرة، بعد أن انتشرت بالمكان ورشات مخصصة لدهن الخشب فقط، ويستغلها نجارون اضطروا إلى توصيل الكهرباء بمفردهم عن طريق كوابل يكلف الواحد منها ما يقارب 70 ألف دينار، حيث طالب بتوفير منطقة نشاطات تخصص للحرفيين من أجل حل المشكلة، فيما حاولنا الوصول إلى ورشات الدهن لكن دون جدوى، فأغلبها كان مغلقا بسبب سوء الأحوال الجوية.
150 ورشة في قلب حي سكني
وأصبح من النادر إيجاد شباب يملكون رغبة في العمل بورشات النجارة بالحامة، بسبب عزوف الكثير منهم نتيجة تخوفهم من الإصابة بآلات تقطيع الخشب، التي كلفت العديد من النجارين أجزاء من أصابع أيديهم حسب صاحب ورشة بحي “لاباطوار” بالحامة، أخبرنا بأنه يعمل رفقة شقيقه في صناعة الأرائك الخشبية منذ أكثر من أربع سنوات، وتوقف عن توظيف العمال بسبب ضعف المردود وعدم وجود عمال جديين، كما أوضح بأن ورشته لا تتوفر على آلات متطورة، فحتى آلة تقطيع الخشب، قام بتركيبها بنفسه لدى صاحب محل للحدادة، فيما أوضح نجار آخر، وجدناه يعمل رفقة عاملين اثنين، بأن أغلبية النجارين يوظفون شباب دون تأمينهم، بسبب رفض العمال تقاسم تكاليف التأمين مع أصحاب الورشات، الذين غالبا ما يتوصلون إلى حل الأمور بشكل ودي مع العمال في حال وقوع حوادث بالورشة،  دون اللجوء إلى الجهات الإدارية، إلا أنه أكد لنا أيضا نقص اليد العاملة في الوقت الحالي، على عكس السنوات الماضية التي كان هم الشباب الأكبر فيها اكتساب الحرفة من خلال العمل بورشات النجارة دون أجر.
وأكد نفس المصدر، الذي أنشأ ورشته في إطار قرض “أونساج”، بأنه ينتج ما يقارب 120 قطعة أثاث في مدة تصل إلى حوالي شهر ونصف، حيث ترتبط مردودية نشاطه بشكل كبير بعامل الوقت، كما أن أغلبية زبائنه من تجار الجملة الذين يقصدونه من ولايات مختلفة، فقد كانت حسبه حرفة النجارة في الماضي حكرا على منطقتي القليعة والبليدة، قبل أن تقتحم الحامة هذا المجال وتتحول إلى قطب يجذب تجار الجملة من مختلف الولايات الشرقية والجنوب، فضلا عن بعض الولايات القريبة من الجزائر العاصمة، خصوصا بعدما تخلت عشرات العائلات عن نشاط زراعة الخضر والفواكه وتحولت إلى صناعة الأثاث المنزلي، ما أكسب البلدية سمعة جيدة وجعلها تنافس ولايات أخرى بسبب انخفاض أسعار السلع التي تعرضها وتنوع منتجاتها، لكن نجارا آخر اشتكى لنا من عدم تمكنه من العمل بصيغة المناولة مع مقاولات البناء بسبب عدم امتلاكه لعلاقات واسعة في المجال، ما جعل نشاطه يقتصر على صناعة بعض قطع الأثاث الصغيرة.
أسعار تنافسية وفوارق تصل إلى 40 ألف دج في القطعة الواحدة
ويتواجد أكبر عدد من النجارين ببلدية حامة بوزيان على مستوى حي عين سداري حسب ما رصدناه في جولتنا، وذلك في نقاط مختلفة أسفل البنايات الفردية الواقعة بنفس المكان، الذي يضم أكثر من 150 نجارا، حيث أفاد صاحب ورشة تحدثنا إليه، بأن أغلبية النجارين من أصحاب المنازل كما أشار إلى أن نوعية الأثاث المصنوع بالحامة تحسنت على مر السنوات الماضية، بسبب توفر الأنترنت وتمكن الحرفيين من الاطلاع على تصاميم حديثة ومختلفة، فقد بات بإمكانهم تقليد أي نموذج يطلبه الزبائن من تجار الجملة أو غيرهم، فيما تمثل الأزمة الاقتصادية التي تعرفها الجزائر وتراجع استيراد السلع من الخارج فرصة بالنسبة للعديد منهم من أجل تقليد نماذج الأثاث التي كانت تأتي من دول مختلفة على غرار إيطاليا وماليزيا والصين لصناعتها على مستوى ورشاتهم بعد توقفها، كما ساهمت حسبهم الآلات الجديدة والمتطورة في تحسين المنتوج، على عكس السنوات الماضية التي كان فيها الأثاث المصنوع بالحامة معروفا برتابة تصاميمه وعدم الإتقان.
  500 ورشة مرخصة و شكاوى سكان تؤثر على النشاط
النجارون اشتكوا أيضا من ارتفاع سعر الخشب ومواد الدهن، حيث أشاروا إلى أنها في تزايد مستمر خصوصا مع بداية السنة الجارية، في وقت لا يمكن لهم أن يرفعوا سعر الأثاث المنزلي بشكل كبير بسبب التزامهم في العمل مع نفس التجار تقريبا، فيما أوضح لنا أصحاب محلات بأن الحامة تنتج أنواعا مختلفة من المنتوجات الخشبية، لكن فرق السعر بينها وبين غيرها يمكن أن يتجاوز 10 آلاف دينار في الأرائك الخشبية وأكثر من 40 ألف دينار في الأنواع الأخرى من الأثاث المنزلي، كما ذكروا بأن الحامة تتميز بتوفير أنواع مختلفة في جودتها وبأثمان مختلفة، ما جعلها تلقى اهتماما كبيرا من الزبائن، خصوصا من المقبلين على الزواج.
رئيس غرفة الصناعات التقليدية والحرف لولاية قسنطينة، غضاب نور الدين، أوضح بأن عدد النجارين بالحامة يفوق 800، منهم 500 يعملون بشكل قانوني، فيما ينشط حوالي 300 آخرون بشكل سري، حيث أشار إلى أنه ينبغي توفير منطقة نشاطات لهم على مستوى بلدية الحامة، حتى يتمكنوا من العمل بأكثر حرية، ويساهموا في توفير مناصب الشغل لأشخاص آخرين، أما رئيس جمعية النجارين للولاية فذكر بأن نجاري الحامة يعانون من حالة عدم استقرار نتيجة اضطرارهم إلى تغيير مقراتهم بشكل مستمر، بسبب الشكاوي العديدة التي يودعها السكان ضدهم، كما قال بأنهم اجتمعوا عدة مرات مع رئيس البلدية لطرح المشكلة، فيما تلقوا وعودا كثيرة من قبل بتخصيص مكان لهم على مستوى بلدية ديدوش مراد، في عهد والي قسنطينة الأسبق نور الدين بدوي.
سامي حباطي

الرجوع إلى الأعلى