جـيـجـل لـمن اسـتـطـاع إلـيـهــا سبـيـلا هـذه الـصائـفـة
ظلت جيجل لسنوات عديدة قبلة للعائلات الجزائرية البسيطة، خصوصا سكان المدن الشرقية و الجنوبية،  نظرا لجمال شواطئها و ملاءمة أسعار الإقامة بها صيفا، لكن المدينة كسرت القاعدة هذه السنة، بعدما قفزت أسعار الشقق بها بشكل ملحوظ و بزيادات تتراوح بين 1000 إلى 2000 دج، حتى بالنسبة للضواحي، أما الفنادق، فلا تزال تبحث عن مكان لها، في ظل منافسة وسطاء و سماسرة العقار و انتشار البنايات الفوضوية، الموجهة خصيصا لاستقطاب السياح و المصطافين.

هذه السنة ورغم اتخاذ السلطات المحلية بالولاية لجملة من الإجراءات لتنظيم موسم الاصطياف، تطبيقا للتعليمة الوزارية القاضية بفرض مجانية الشواطئ، من خلال كسر هيمنة سماسرة الشمسيات و الكراسي و القضاء  على حظائر الركن العشوائية التي وصلت تسعيراتها العام الماضي إلى 500 دج، إلا أن المدينة الساحلية تواجه حملة شرسة على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو لمقاطعة السياحة بشواطئها، بسبب ارتفاع أسعار الشقق و الخدمات، وهو ما حاولنا الوقوف عليه من خلال روبورتاج قادنا إلى ملاذ الزوالية سابقا، جيجل.
شقق في الضواحي بتكلفة الفنادق و 5 ملايين سنتيم مقابل أسبوع
بمجرد أن تجتاز بلدية بني بلعيد، في الحدود الشرقية للولاية، و صولا إلى زيامة منصورية في الحدود الغربية، ستلفت انتباهك لافتات مثبتة فوق كل شيء تقريبا، واجهات منازل، أعمدة إنارة وإشارات مرور، كلها إعلانات لكراء شقق و منازل للراغبين في الاصطياف، أرقام هواتف مختلفة، هدف أصحابها هو الربح، خصوصا في ظل المنافسة الشرسة و كثرة العرض فـ 80 بالمائة من سكان جيجل، كما علمنا من بعض مسؤوليها، يعمدون إلى تأجير منازلهم للمصطافين كل سنة، وهو نشاط يتنامى مع كل موسم جديد.
اتصلنا ببعض المعلنين و غالبيتهم من وسط مدينة جيجل، فاختلفوا في ما يخص مستوى تجهيز شققهم و قربها من الشواطئ، لكنهم اتفقوا على مبدأ واحد: لا تتوفر بالمدينة شقة للإيجار ابتداء من 15 جويلية إلى غاية 1 أوت، بسعر أقل من  4000 دج لليلة، مهما كان وضعها.
دخلنا مدينة جيجل و كانت وجهتنا الأولى حي الحدادة، أين تنتشر المنازل و الشقق الموجهة للكراء، استطلعنا آراء البعض من أصحابها، فبدا جليا بأن الجميع متفق على أن ارتفاع الأسعار واقع فرضته ظروف المعيشة، ففي الحي تؤجر أصغر شقة مكونة من غرفتين لا تتوفر على أي تجهيزات، مقابل 3000 إلى 4000 دج لليوم الواحد، علما بأن غالبية الشقق تبعد عن أقرب شاطئ، وهو شاطئ أولاد بو النار، بحوالي كيلومتر.


أما النسبة للشقق المتكونة من ثلاث غرف، مع أبسط التجهيزات و هي سخان ماء و مكيف هواء، فتنطلق أسعارها من 4500 إلى  5500 دج لليلة الواحدة، وهي أسعار تنافس أسعار الفنادق التي تعد مرتفعة بدورها، حيث تنطلق من 5000 دج إلى مليون سنتيم لليلة، مع توفير وجبة واحدة، وقد علمنا خلال جولة قادتنا إلى عدد منها، بأن الإقبال عليها ضعيف جدا، خلال الصائفة بسبب منافسة الشقق.
ليس بعيدا عن الحدادة  و بمنطقة كتامة تحديدا، المحاذية لأكبر شواطئ وسط المدينة، يفرض أصحاب الشقق و الفيلات أسعارا خيالية، مقابل الليلة الواحدة تنطلق من 6500 دج إلى مليون سنتيم أو أكثر، إذا كانت الفيلا مطلة على البحر و كاملة التجهيز.
و الملاحظ هو أن المؤجرين لا يحتكمون فقط  إلى عدد الغرف و مستوى التجهيز، بل يفرضون تكاليف إضافية على عدد الأفراد، فسعر شقة من ثلاث غرف لشخصين، أقل من سعر نفس الشقة، لكن لأربعة أشخاص، وهو ما أكده نبيل سمسار الذي يمتهن منذ سنوات نشاط تأجير الشقق بجيجل و يملك لوحده سبعة منازل مختلفة، موجهة للإيجار، قال بأن أسعارها تختلف، حسب المنطقة و التجهيز، مضيفا بأن أبسط عطلة لمدة أسبوع واحد من شأنها أن تكلف عائلة من أربعة أفراد حوالي 5 ملايين إلى 6 ملايين سنتيم.محدثنا أوضح بأن الأسعار سجلت ارتفاعا قدر هذه السنة بحوالي1000 إلى  1500 دج، مشيرا إلى أن الوسطاء ممن ينشرون إعلاناتهم عن طريق الانترنت و على حواف الطرقات، يقفون وراء هذه الزيادة، إذ أنهم يحققون هامش ربح من خلال جلب المصطافين و تأجير شقق الغير، مشيرا إلى أن هذا الارتفاع في الأسعار أثر بشكل مباشر على حجم الإقبال الذي يلاحظ أنه لا يزال بعيدا عن المستوى الذي حققه العام الماضي خلال نفس الفترة من السنة.
ولا تختلف الأسعار بالضواحي عما هي عليه بوسط المدينة، ففي زيامة منصورية وصل سعر الكراء إلى 4500 دج لليلة، بالنسبة لطابق أرضي مجهز فقط بسخان ماء، بالمقابل يتراوح سعر كراء مرآب أو غرفة واحدة « أستوديو» يبعد عن الشاطئ مسافة تقطع خلال 10 إلى 15 دقيقة بالسيارة، بين 2500 إلى  3500 دج.كذلك الأمر بالنسبة لمنطقة العوانة التي وصلت أسعار كراء الفيلات بها إلى مليون سنتيم لليلة الواحدة، أما في بني بلعيد، فتتراوح الأسعار بين 3000 دج و 5500 دج لليلة واحدة.
أحياء جديدة مخصصة للمصطافين و إقامات تصل مداخيلها إلى 5 ملايير سنتيم
هذه السنة و خلافا للسنوات الماضية، فإن نمط المباني المخصصة للكراء، مختلف نوعا ما، خصوصا على مستوى وسط المدينة، و تحديدا بمنطقة الحدادة المطلة على شاطئ أولاد بو النار، حيث استحدثت أحياء جديدة استلم أصحابها شققهم فيها، منذ أقل من سنتين، غالبيتهم من خارج الولاية على غرار إطارات  الحماية المدنية و البنوك و التعليم، حسبما علمنا من سكان المنطقة، و معظم الشقق المتواجدة بالعمارات الجديدة مغلقة طيلة العام، و لا يستغلها أصحابها سوى في فصل الصيف، إذ توجه خصيصا للكراء، مقابل أسعار تنطلق من    4000 دج إلى 6000 دج، حسب عدد الغرف و الطابق و التجهيز، وهي شقق يشترط أصحابها على الراغبين في تأجيرها خارج موسم الاصطياف إخلاءها قبل شهر جويلية.
من جهة ثانية، انتشرت في  الجهة الشمالية للمدينة، باتجاه شواطئ العوانة و زيامة منصورية، منازل من طابقين قيل لنا، بأن أغلب ملاكها عمدوا إلى تشييد الدور الثاني من أجل استغلاله في الصيف تحديدا، و تأجيره للمصطافين مقابل مبالغ تنطلق عادة من 2000 إلى 5500 دج، أما النموذج الأبرز، فهو الإقامات متعددة الشاليهات التي يملكها خواص، علمنا من رئيس بلدية جيجل، بأن مداخليها تتعدى 5 ملايير سنتيم خلال موسم الاصطياف.
مطاعم لا تشهر أسعار خدماتها و «الفرود» يفرض منطقه
بالرغم من أن موسم الاصطياف لم يبلغ ذروته، كما أكد لنا عدد من سكان المدينة، على اعتبار أن ذروة الإقبال تكون بعد الأسبوع الأول من شهر أوت، إلا أن شواطئ المدينة عجت بالمصطافين القادمين من ولايات قسنطينة، سطيف، برج بوعريريج، بسكرة، وادي سوف و كذا ميلة، غالبيتهم، أكدوا بأن الارتفاع الجنوني في أسعار الكراء هذه السنة بجيجل، دفعهم إلى تحديد تواريخ قريبة لعطلهم، بسبب فارق الإيجار بين شهري جويلية و أوت و الذي بلغ 2000 دج تقريبا، غير أن المشكل الحقيقي، حسبهم، لا يكمن في تكاليف الشقق، بل في نوعية الخدمات و أسعار الإطعام، حتى على مستوى مطاعم الوجبات الصغيرة التي يعمد أصحابها إلى عدم إشهار الأسعار، ليتفاجأ الزبون بفاتورة قد تصل إلى  500 دج مقابل صحن بطاطا مقلية أو بيتزا، وهو واقع عايشناه خلال تواجدنا بوسط المدينة، أين لاحظنا بأن معظم المطاعم لا تشهر أسعارها و لا تعتمد على عرض قوائم طعام من الأساس.
عائلات طرحت أيضا الإشكال المتعلق بالتنقل بين أماكن الإقامة و الشواطئ، وهي معاناة يومية بالنسبة لكل من لا يملك سيارة خاصة، كما علق السيد عبد الحميد من ولاية بسكرة، مؤكدا  بأنه يضطر للاعتماد على سيارات «الفرود»، بسبب الازدحام و قلة وسائل النقل، إذ يتفق يوميا مع سائق «كولنديستان» ، ليقله من وسط المدينة باتجاه زيامة منصورية مقابل 2000 دج، كما يطلب  500 دج مقابل « كورسة» باتجاه شاطئ أوندرو، و  800 دج باتجاه كتامة. أما رفيق من برج بوعريريج، فقال بأنه يفضل أصحاب الشاحنات الصينية الصغيرة المجهزة بسبعة كراس، ليحصل على راحة أكبر، علما بأن تكاليف الأسبوع الأول من عطلته التي قال أن مدتها 10 أيام، بلغت ما يقارب 8  ملايين سنتيم، بين إيجار و نقل و طعام.


مدير السياحة نور الدين منصور


الحياة عادت إلى شواطئ كانت محرمة على المصطافين
رغم الحملة المغرضة التي تستهدف السياحة في جيجل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب ارتفاع تكاليف الإقامة و الخدمات، إلا أن مديرية السياحة تتوقع بأن لا  يؤثر ذلك سلبا على موسم الاصطياف، حيث تتوقع أن تستقبل المدينة أعدادا كبيرة من المصطافين، و بالأخص العائلات، لأن الفارق في الأسعار يبقى كبيرا، مقارنة بمدن أخرى، ومهما ارتفع هامش ربح التجار و السماسرة في جيجل، فالأسعار تبقى معقولة، مقارنة بمدن ساحلية أخرى، حسب مدير السياحة نور الدين منصور.المسؤول قلل من شأن الحملة، مشيرا إلى أن كل الإجراءات قد ضبطت لتفعيل التعليمة المتعلقة بمجانية الشواطئ، بحيث لا يسمح لأي شخص باستغلال الشاطئ أو محيطه أو حظيرته، دون ترخيص مسبق من البلدية، و إلا سيتعرض للمتابعة القضائية، حيث تم تحديد تسعيرة الركن في الحظائر بـ 50 دج للسيارات الصغيرة و 100 دج لحافلات النقل الجماعي، على أن يتم تأجير الحظائر للخواص، قصد استغلالها في إطار المزايدة، وكذلك الأمر بالنسبة للفضاءات القريبة من الشواطئ.و تم تسخير كل الإمكانيات لضمان نظافة الشواطئ، خصوصا بعد فتح شواطئ جديدة أمام المصطافين كانت محظورة لسنوات، بسبب غياب الأمن، و عدم تصنيفها، و يتعلق الأمر بأربعة شواطئ جديدة هي الولجة و ملمش و جنانة و مارسيدي، و ستضاف إلى قائمة22 شاطئا محروسا، بعدما تمت تهيئتها و تجهيزها بشكل كامل بالتنسيق مع الأمن و الدرك.
 المسؤول أوضح بأن هذه الشواطئ ستساهم في رفع عدد المصطافين، بما سيسمح للبلديات بتثمين مداخليها بشكل أفضل، علما بأن كل بلدية تقريبا، تضخ ما يعادل 450 مليون سنتيم كمصاريف تجهيز لاستقبال الموسم، وهو تقريبا نفس الغلاف المالي الذي يتم تحصيله سنويا بعد انقضاء الموسم، منذ حوالي ثلاث سنوات، إلا أن إحدى البلديات حققت في العام الماضي حوالي مليار و 900 مليون سنتيم كمداخيل سياحية.
 علما بأن بلديات الجهة الغربية من الولاية، على غرار زيامة منصورية، العوانة و سيدي عبد العزيز، تعد الأكثر استقطابا للسياح و المصطافين، نظرا لجمال الكورنيش و سحر التضاريس.
وبخصوص فوضى اسعار الكراء، أوضح  المسؤول، بأنها تخضع لقانون العرض و الطلب و التحكم فيها غير ممكن، لأن عدد المنازل الموجهة للكراء غير معلوم، مع ذلك توجد جهود، حسبه، لتحسيس المواطنين و توعيتهم بضرورة الابتعاد عن الاستغلال و الطمع.و بالرغم من توفر الولاية على ما يربو عن 1700 سرير موزعة على 4 فنادق قيد الخدمة من أصل 22 فندقا مسجلا، إلا أن الطلب الأكبر على الشقق من قبل المصطافين، لذلك فإن كافة مداخيل الموسم السياحي يجنيها الخواص تقريبا، علما بأن تقديرا مبدئيا بين بأن الولاية تستقبل ما يربو عن 800 ألف سائح يضخون حوالي 750مليار سنتيم شهريا في جيوب الجيجليين، لا تحصل منها الدولة سوى على نسبة ضعيفة لا تتجاوز 2 بالمائة، و الأمر لا يقتصر على جيجل وحدها، بل إن المشكل يشمل جميع ولايات الوطن دون استثناء، حسب ذات المسؤول.
رئيس بلدية جيجل عبد الله يزيد


مسيرون لإدارة الشواطئ المحروسة لضمان مجانيتها
بالرغم من الانتشار الكبير لنشاط تأجير الشقق بالمدينة التي يتوجه أكثر من 50 في المائة من سكانها نحو القرى و المداشر لإخلاء منازلهم للمصطافين،  إلا أن مصالح بلدية جيجل لم تتمكن الى غاية الآن من إحصاء عدد المنازل التي يشملها هذا النشاط، تطبيقا لتعليمات وزارة الداخلية المتعلقة بإحصاء الشقق و تسجيل أصحابها لتنظيم عملية الكراء، إلا أن عزوف المواطنين عن التقرب من البلدية و التصريح بنشاطهم، جعل المهمة مستحيلة، حسبما أكده رئيس بلدية جيجل عبد الله يزيد، مشيرا إلى أن المواطنين يرفضون التماشي مع الإجراء، إما لافتقارهم لعقود الملكية أو تراخيص البناء، أو لاعتقادهم بأن الأمر سيجر أسماءهم إلى مصالح الضرائب، و هو اعتقاد خاطئ،  لأن الإجراء يضمن لهم المجانية و حرية النشاط.

 وحسب ذات المسؤول، فإن التحكم في الأسعار و ضبطها، يعد أمرا مستحيلا، نظرا لعدم وجود إحصاء و عدم توفر نص قانوني ينظم هذا النشاط، كونه نشاط خاص و غير مصرح به، علما بأن 95 بالمائة من مداخيل موسم الاصطياف بجيجل يجنيها الخواص، رغم أن ميزانية التجهيز تعادل 3 ملايير سنتيم تقريبا، وهو ما ستعمل السلطات المحلية على تداركه، من خلال تنظيم عملية الاصطياف، بالتنسيق مع مصالح الأمن و الدرك الوطنيين، و فرض جباية على استغلال الحظائر و الشواطئ المجانية، إذ تتجه البلدية هذه السنة إلى منع الشباب من استغلالها بشكل عشوائي، وإجبارهم على تأجير مربعات نشاط لبيع الشمسيات و الكراسي و غيرها.من جهته، أضاف نائب رئيس المجلس الشعبي البلدي فاتح بشطلة، بأن إجراءات تنظيم موسم الاصطياف، تضمنت هذه السنة تعيين مسيرين متخصصين لإدارة الشواطئ المحروسة، وذلك لوقف الاستغلال العشوائي لها من طرف شباب اعتادوا فرض منطقهم على المصطافين كل سنة، و إجبارهم على استئجار شمسيات و كراس و طاولات مقابل 1800 دج ، فضلا عن دفع مبلغ 500 دج لركن السيارة في مكان قريب من الشاطئ. المسؤول اعترف من ناحية ثانية، بوجود تأخر في عملية تأجير الحظائر للراغبين في استغلالها، خصوصا وأن موسم الاصطياف، قد افتتح رسميا في 1جوان الماضي، والشواطئ المحروسة وهي على التوالي الخليج الصغير ، واد بوالنار، كتامة، المنار الكبير أو غراند فار و التربة الحمراء تعرف إقبالا كبيرا هذه الأيام من قبل المصطافين، و أوضح بأن السبب يعود، إلى ارتفاع الأسعار المفروضة في دفاتر الشروط و التي وصلت حتى 122 مليارا، بالنسبة لحظيرة شاطئ كتامة، وهو ما نجم عنه عزوف من قبل المزايدين.
بالرغم من ذلك أكد المسؤول  بأن البلدية، تتوقع رفع حجم مداخليها هذه السنة من خلال مراقبة الشواطئ و تنظيم عملية استغلالها، من خلال خلق أزيد من 70 خيمة أو مربعا تجاريا، على مستوى  الشواطئ،  سيتم تأجيرها للشباب الراغب في استغلاها.

روبورتاج:  نور الهدى طابي / تصوير: شريف قليب

الرجوع إلى الأعلى