النسخة الورقية

 

الدعم الإجتماعي المطلق أدى إلى تبذير مطلق

خصصت الدولة 1731 مليار دينار لمختلف أساليب الدعم الإجتماعي لعام 2015 . رقم ضخم يضاهي ميزانيات عدة دول من البلدان الإفريقية مجتمعة . هذا ما نشره  مصدر إعلامي مؤخرا إستنادا إلى الديوان الوطني للإحصائيات . المساعدات الإجتماعية تتوزع على المواد الغذائية الواسعة الإستهلاك إلى السكن والدواء والكهرباء والمعاشات ( الدواء ، الحليب ، الخبز ، الزيت ، السكن ، العلاج ، التعليم ، الخدمات الجامعية ، النقل ... أكاد أقول كل شيئ مجاني ومدعم في الجزائر ) . واضح أن الدور الإجتماعي للدولة يشكل قاعدة أفقية في موازنة التسيير والحكم .

  يكتبه / العربي ونوغي

حتى لا يكون دور الدولة شبيه بدور " بابا نوال "

كل الحكومات المتعاقبة منذ عدة سنوات تصرح وتؤكد أن الدعم الإجتماعي خيار دائم . وتكاد تكرر أنه " خيار لا رجعة فيه ".    نكاد نقول أن الجزائر هي البلد الوحيد في العالم ، أو على الأقل من أواخر ما تبقى من الدول التي تقمصت دور الدولة المانحة للأرزاق . جميل أن تتكفل الدولة بفئاتها المستضعفة والمحرومة ، بل هذا من واجباتها الأولية المقدسة . لكن شريطة أن يذهب هذا الدعم  إلى مستحقيه  دون سواهم ، حتى لا يصبح دور الدولة وحكوماتها شبيه بدور " بابا نوال "  عند المسيحيين  . لكن في بلادنا على سبيل المثال ، لم يعد الدعم يذهب للمحتاجين والفقراء والمحرومين فقط ، بل كل الجزائريين شركاء في الدعم الإجتماعي وينتظرون مساعدات الدولة في أشكالها المختلفة . أكثر من ذلك إكتسى الأمر صورة باتت تشبه الحق المشروع الذي لا يسقط بالتقادم ، وليس الدعم الظرفي .

الأغنياء والفقراء والمؤسسات .. ينتظرون " السوسيال "

الأغنياء والفقراء  جميعهم ينتظر " السوسيال " وأفضل القول " يطمع في السوسيال " . الجميع يستفيد بشكل أو بآخر من " صدقات "  الدولة المانحة للأرزاق دون مقابل أو حساب . " السوسيال "لم يعد مخصصا  فيما يبدو لذوي الدخل الضعيف ، بل في بعض الحالات بات يذهب للأغنياء وإلى من هم ليسوا في حاجة إلى دعم  كالموظفين والمسؤولين وذوي الأجور المرتفعة أو المقبولة . وتعود الجميع على إنتظار ما تجود به الدولة على أبنائها . حتى المؤسسات ( عامة وخاصة )  باتت تنتظر " السوسيال " من دعم مباشر أو غير مباشر . وما مسح مديونيات المؤسسات المفلسة كل مرة إلا تأكيد على منطق مقلوب يكرس عقلية الإتكال والجمود ، والتسيير بمنطق الجمعيات الخيرية . تماما كما أن مسح ديون الفلاحين كل مرة لم يؤد إلى رفع الإنتاج وتحسين المردودية على النحو المطلوب الذي يعادل على الأقل مبالغ الدعم والمساعدات . بل نسجل إرتفاعا متزايدا لفاتورة إستيراد المواد الغذائية بإختلاف أنواعها . ما هو مرجو من الدعم  في القطاع الفلاحي على سبيل المثال ، وفي الأساس هو  تحفيز وتحرير المبادرة والمساعدة المرحلية ( أقول المرحلية ) على التكفل الذاتي لاحقا ، وعلى التطور والنهوض ومن ثمة الإعتماد على النفس .

سياسة الدعم المطلق أدت إلى ممارسة التبذير المطلق

في كثير من الحالات حتى أكون متفائلا ومنصفا ، أسهمت هذه السياسة الإجتماعية في ترسيخ عقلية الإنتظار والإتكال . أخطر من ذلك فقد أدت سياسة الدعم المطلق إلى تفشي عقلية البايلك والتبذير المطلق أيضا . وإنقلبت مفاهيم العمل في أذهان كل الذين إقتنعوا أن لا جدوى من الجهد والكد والعمل مادام الرزق يأتي إلى باب الدار ، بل إلى الأفواه . ويقسم على السواء بين الذين يعملون والذين لا يعملون . وأن الدولة تطعم كل أبنائها من خبز ودواء وسكن وتعليم ونقل. لا تفرق بين المحتاج الذي يبات جوعا على الطوى ، وذاك الذي ينام على فراش من حرير وخزائن المال والثراء . بل يحدث العكس تماما . فكأننا بالدولة وحكوماتها تدعم الأغنياء من خلال دعم الأسعار والتكفل الإجتماعي . الأمثلة على ذلك كثيرة . على سبيل المثال ، إن السعر المحدد للخبزة الواحدة هو 750 سنتيما ( ولو أن سعر البيع في المخابز هو 10 دج وأكثر في حالة الندرة ) . وكيس الحليب 25 دج ويباع بسعر أكبر في حالات الندرة . وكذلك أسعار البطاطا والطماطم والجزر والبصل والعدس والسمك ومختلف الفواكه في مختلف الأسواق والزيت والسكر والحليب ، هي أسعار موحدة أمام جميع الجزائريين . أي أن كلا من الوزير والوالي والمدير ورئيس الشركة بما في ذلك ربراب نفسه وحداد وغيرهم يشترون المواد الغذائية وغيرها بنفس السعر المعلن ، كغيرهم ممن " لا يملكون عشاء ليلة " أي يستفيدون من نفس الدعم على إختلاف أجورهم ومداخيلهم .

الدولة مطالبة بمراجعة معايير تكفلها الإجتماعي

على الدولة أن تراجع معايير تكفلها الإجتماعي . وأن تضبط قوانينها بدقة حتى يذهب الدعم إلى أصحابه من المحتاجين دون سواهم . بل لا بد من إعادة النظر حتى في طريقة توزيع ذلكم الدعم . نحن من دعاة السوق الحرة وتحريرها من خلال ربطها بالعرض والطلب . موازاة لذلك ، لابد أن تحصي الدولة فقراءها وعاطليها في سجلات تضبط بصرامة وتدقيق كبيرين ثم يكون الدعم والتكفل مباشرا وإسميا من خلال إقرار منح مباشرة أو مساعدات مالية مباشرة للمحتاجين فعليا ، أو للعاطلين عن العمل أو لذوي الدخل الضعيف . على أن يرتبط هذا الإجراء بمتابعة مستمرة ومتجددة للقوائم . وكلما تحسن حال أحد المسجلين إجتماعيا يشطب وهكذا . ماعدا ذلك ، فستتواصل الفضائح في عمليات توزيع قفة رمضان والمنح المدرسية والدعم الفلاحي ... والتي فقدت أهدافها النبيلة وباتت تكتسي طابعا فلكلوريا نفر أولئك الذين يتعففون كرامة رغم ما بهم من حاجة وضيق العيش . التعليم مجاني وللجميع . العلاج مجاني وللجميع . السكن مجاني وللجميع ( المقصود بالجميع في هذه الحالة هم المتحايلون ) . النقل مدعم وللجميع . الدواء مدعم وللجميع . الخبز والحليب مدعمان وللجميع ... إلخ . أدت سياسة الدعم الإجتماعي الواسع الهادف إلى تحقيق السلم الإجتماعي والإستقرار إلى تبذير واسع . بل إلى نمو عقلية إجتماعية جديدة تنتظر كل شيئ من الدولة . وأصبحت قطع الطرقات وكثرة الإحتجاجات والإضرابات أسلوبا وحيدا للإستفادة من المساعدات المالية وتحقيق المطالب الإجتماعية ، مشروعة كانت أو غير مشروعة . مؤسف وجدير بالحسم أن نسجل أكثر من 30 ألف إحتجاج وإضراب سنويا ؟ . أمر غير مقبول بتاتا . ألا يدفعنا هذا إلى طرح السؤال الكبير : أي دور للنقابات ؟ لاسيما المركزية النقابية التي تقدم نفسها على أنها الشريك الإجتماعي التمثيلي الأول ؟ . وفرت الوتيرة التنموية فرصا كثيرة للتوظيف والعمل بفضل برامج مختلفة ناجمة عن بحبوحة مالية غير مسبوقة في بلادنا . لكن أكثر الشباب وغير الشباب باتوا يرغبون في وظائف بعينها ودون سواها ؟ . والجزائر باتت تعرف أزمة فعلية في نقص اليد العاملة المؤهلة وغير المؤهلة  سيما في القطاعين الفلاحي والسكني .

أساليب الربح السهل أكثر إغراء

معظم الجزائريين باتوا يفضلون طرق وأساليب الربح السهل . وأول أبوابه التهريب والتجارة الموازية التي أمست إقتصادا موازيا يشكل خطرا فعليا على الجزائر برمتها . إقتصاد لا يؤمن بالسجلات التجارية والتأمين والضرائب والبنوك . دراسة نشرت مؤخرا أفادت أن ما لا يقل عن 375 ألف مليار دينارا جزائريا تنشط خارج الرقابة .  وتسبب هذا في إقرار منطق " الشكارة "  والرشوة و" أدهن السير يسير".  وأدى هذا أيضا إلى إنهيار سلم القيم الإجتماعية . فلم يعد العمل قيمة إجتماعية . بل صار ينظر إليه على أنه مضيعة للوقت . حيث  يكفي أن ينجح مهرب في صفقة تهريب كبيرة أوتسويق منتوج مهرب ما ، ليضمن مدخول عيش طوال سنة أو أكثر . نحن البلد الوحيد الذي يمكن فيه لأي كان ( إذا توفرت له الفرص الإلتوائية  والوساطات ) أن ينام فقيرا أو محتاجا أو من طبقة إجتماعية  متوسطة ، لينهض في اليوم الموالي من أغنى القوم .

جيل لونساج وأنجام وكل شيئ مجانا

 لقد أسهمت قوانين الدعم المختلفة في خلق طبقة إجتماعية جديدة . وجيل جديد يمكن أن نطلق عليه " جيل لونساج " و " أنجام ". جيل يفكر من منطلق وعقلية القصة الشعبية " مغارة علي بابا " ، أو " دار عمي موح ... " . وإن كنا طبعا نرفض التعميم ونؤكد الإستثناءات . حتى وإن كانت هذه الإستثناءات الناجحة لا تحجب الأغلبية من المستفيدين من قروض ودعم " لونساج " الذين فشلوا وباتوا يتخبطون اليوم مع متاعب الديون البنكية ، ويدعون إلى مسحها تماما كما تم مسح ديون كبيرة للفلاحين وللمؤسسات العمومية والبلديات المفلسة وغيرها . قلت إن الدعم الواسع أدى إلى تبذير واسع . وإلى إستهلاك تبذيري واسع .

160 مليون خبزة في المزابل خلال شهر رمضان الماضي

  يكفي التذكير بما رماه الجزائريون خلال شهر رمضان من العام الماضي ( 160 مليون خبزة في المزابل ، وما يعادلها من فضلات أخرى كاللحم والمعلبات والخضر والفواكه وبقايا أطباق الإفطار والسحور ... أطنان من الفضلات ترمى يوميا في المزابل . إنها أبلغ صور التبذير والرغد اليسير ) .

وزير المالية السيد بن خالفة دعا قبل يومين إلى ضرورة المرور من النمو المستند إلى الإنفاق العام إلى النمو المستند إلى نشطاء السوق . أي ترشيد النفقات الإجتماعية . ترشيد النفقات الإجتماعية يستلزم أساسا تحديد قوائم المستفيدين الفعليين الذين هم بحاجة ماسة إلى ذلكم الدعم  قبل كل شيئ . كلام  وزير المالية يعني بلغة مباشرة المرور إلى إقتصاد فعلي يقوم على إستثمار متنوع ومنتج ، وهو بطبيعة الحال يختلف عن الإقتصاد الريعي الذي لم يتحرر من شرنقة العائدات البترولية . إشكالية حقيقية تشبه الأزمة الفعلية أن يقوم الإقتصاد الجزائري على صادرات وعائدات النفط فقط ؟. لكن رغم الخطابات السياسية والرسمية  المتكررة ، والتحفيزات التي وفرتها الحكومات المتعاقبة منذ عديد السنوات والمراحل ، إلا أن التنمية ظلت على الدوام مرتبطة بدراهم النفط والغاز لا غير . وكل مساعي ومبادرات تنويع الصادرات خارج المحروقات تظل محتشمة وترتبط أساسا برغبة ومجهودات أصحابها لا غير ، الذين مازالوا  " يصرخون " مطالبين بدعم أكثر وأوسع ، وذلك بإقرار قانون إستثمار يواكب معايير العولمة الإقتصادية ويساير التشريعات التجارية الدولية . وهذا ما عبر عنه رئيس منتدى المؤسسات علي حداد خلال النقاش المفتوح الذي أشرف عليه المجلس الشعبي الوطني قبل يومين بجنان الميثاق ، حيث دعا إلى : " ... إنتهاج مقاربة شاملة في ميدان الشراكة بين السلطات والهيئات والمؤسسات العمومية والخاصة ترتكز على فكرة جعل المؤسسة محور ومركز السياسة الإقتصادية ،،، حتى يصبح النمو واقعا . وأضاف ، مهما كان العمل المنجز والجهود المبذولة فإن عراقيل تقف في طريق الإستثمار خاصة في مجال التمويل والعقار الصناعي ، مطالبا برفع العراقيل . مؤكدا أن الدولة تنتج حاليا أقل من 20 ألف مؤسسة سنويا ، لكن للحديث عن إستثمار فعلي بديل لابد من بلوغ نسبة 60 ألف مؤسسة سنويا على الأقل ...". داعيا أيضا إلى وضع حد إلى ما يعرف بالإقتصاد الموازي.

وهي أيضا نفس الشكوى أو الدعوة التي أطلقها رجل الأعمال السيد ربراب الذي إنتقد بدوره في نفس الملتقى ، البيروقراطية وسياسة الحكومة في تسيير الإقتصاد الوطني . حيث أوضح أنها عطلت الإنطلاقة الفعلية للإستثمار وخنقت العديد من المشاريع الطموحة التي كان بإمكانها خلق الثروة ومناصب الشغل ورفع وتيرة التنمية الوطنية وإرساء إقتصاد  فعال بديل .

تحرير الإقتصاد أولا من الذهنيات وسياسة إرضاء الجميع

بين نداءات المستثمرين الجادين الداعين إلى سوق حرة  بتيسير القوانين ورفع القيود عن الإستثمار وحل أزمة العقار الصناعي من جهة ، وسياسة الدعم الإجتماعي الواسع الذي تعتمده الدولة لصالح فئات إجتماعية وغير إجتماعية ، والتي غرست في نفوس عديد الشباب عقلية الإنتظار والإتكال ، يظل الإقتصاد الجزائري الكلي والشامل رهين سياسات إقتصادية متغيرة على الدوام ، لكنها لم تحقق الإقلاع أوالتغيير الفعلي في أرض الواقع . لأن كثيرا من القرارات المواكبة للبحث عن أنجع قانون للإستثمار مازالت مرتبطة بذهنيات تبحث عن " إرضاء الجميع " . وإرضاء الجميع غاية لا تدرك ، كما يقول المثل . نحن جميعا مطالبون بإتخاذ أو دعم القرار الأصوب والأنجع إقتصاديا وسياسيا ، حتى لا نصير أضحوكة شعوب كثيرة لا تملك إمكانيات وثروات الجزائر ، لكنها اليوم حققت إكتفاءها الغذائي على الأقل . هي اليوم لا تستورد الثوم والعدس والبطاطا والحليب والحوم والتفاح والحجر وأعواد الكبريت ومعجون الأسنان .

ع / ونوغي 

رياضــة

التقى صادي وبوزناد بدالي ابراهيم وتسلم قميصا للخضر: النصر تكشف حقيقة اهتمام الفاف بخدمـــــــات شياخــــــــــة
كشف مصدر مسؤول من داخل بيت الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، حقيقة المباحثات التي جمعت رئيس الفاف وليد صادي بهداف نادي شباب كوبنهاغن الدانماركي أمين شياخة، الذي كثُر الحديث عنه في الفترة الأخيرة، إلى...
جوان حجام يكشف: هــــذا ما دار بينــــــي وبين الناخـــــــب الوطنــــــــــــــي
كشف الظهير الأيسر للخضر، جوان حجام، عن فحوى ما دار بينه وبين الناخب الوطني فلاديمير بيتكوفيتش، خلال التربص الأخير، مؤكدا أنهما تحدثا حول نادي يونغ بويز السويسري الذي سبق أن أشرف التقني البوسني على...
خالدي يواصل الغياب : خطوة واحدة تفصل السنافر عن نهائـــــــــي الحلـــــــــم
بات النادي الرياضي القسنطيني على بعد خطوة واحدة من التأهل لأول مرة لنهائي كأس الجمهورية، عقب تجاوزه منعرج بن عكنون بسلام، الأمر الذي جعل السنافر يتفاءلون بإمكانية معانقة السيدة المدللة، بالنظر إلى...
اتحاد عنابة (2) ـ اتحاد الحــراش (0): فــوز الأمــــل
نجح أمس، اتحاد عنابة في التمسك بحظوظه في تفادي شبح السقوط، بفضل الانتصار الصعب والثمين الذي أحرزه على حساب الضيف اتحاد الحراش، في قمة مثيرة، جرت أمام مدرجات مكتظة عن آخرها من أنصار الفريقين بملعب...

تحميل كراس الثقافة

 

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا...

كراس الثقافة

صحة.كوم

الصفحة الخضراء

دين و دنيا

الرجوع إلى الأعلى