أرصفة وجدران معروضة للكراء بمدينتي قسنطينة وعلي منجلي
تشهد أحياء بوسط مدينة قسنطينة انتشارا كبيرا لطاولات التجارة الفوضوية، وسط كر وفر بين مصالح الأمن و الباعة الذين استأجر بعضهم واجهات المحلات من التجار النظاميين لممارسة نشاطهم، أما بالمدينة الجديدة علي منجلي فتكتسح هذه الطاولات، كل ليلة، أرصفة يقوم شباب بتأجيرها بطريقة غير قانونية للباعة، لتتحوّل الأحياء لسوق مفتوحة تخنق المدينة و تدخلها في فوضى و ازدحام مروري.
روبورتاج :  سامي.ح/ لقمان.ق      
و على مستوى شارعي 19 جوان و ديدوش مراد المعروفين بـ "شارع فرنسا" وسط مدينة قسنطينة، وجدنا عددا من الشباب الذين يحملون على أيديهم سلعا مختلفة، يعرضونها للحظات على قارعة الطريق، ليفروا بعد ذلك إلى مداخل البنايات و الدروب الضيقة، لدى رؤية عناصر الأمن المنتشرين بالشارعين، و اختلفت المنتجات المعروضة بين ملابس للأطفال و معدات خاصة بالمطبخ، في مشهد فوضوي أكد لنا سكان الحي أنه لا يقارن مع ما يُسجل بالمكان ليلا، أين يصبح "شارع فرنسا" شبه مغلق و تصعب الحركة به، بسبب التوافد الكبير للمواطنين، فضلا عن القمامة التي يخلفها الباعة وراءهم بعد نهاية نشاطهم.
"شارع فرنسا" سوق فوضوية أزلية
و أشار السكان إلى أن بعض الباعة المتواجدين بالمكان يستأجرون جزء من واجهات محلات من أصحابها، أو حتى جزء من الجدار الخارجي لممارسة نشاطهم، فيما يقوم أصحاب محلات بتزويد شباب بالسلع من أجل عرضها على الطاولات الفوضوية، ليقتسموا العائدات معهم، في حين تضم الدروب الأخرى المجاورة لشارع فرنسا، عددا من طاولات التجارة الفوضوية، التي لا تتحرك من مكانها طيلة السنة، حيث يعرض أصحابها سلعا كالأواني و الملابس و البطانيات وغيرها.
و ذكر بعض التجار الفوضويين الذين يعملون طيلة السنة، بأنهم بطالون لم يجدوا حيلة أخرى لكسب رزقهم إلا بوضع الطاولات، مشيرين إلى أنهم احتجوا العام الماضي عندما داهمتهم مصالح الأمن و حجزت سلعهم، حيث طالبوا السلطات حينها بتخصيص مكان شرعي لهم، مؤكدين بأنهم من أبناء الأحياء الواقعة بوسط المدينة على عكس الباعة الموسميين القادمين من أحياء أخرى، في وقت لاحظنا ظهور طاولات بيع البيتزا على مستوى شارع العربي بن مهيدي قبل الإفطار بساعات قليلة، حيث تستقطب عشرات المواطنين بشكل يومي.
ولا تقتصر مظاهر التجارة الفوضوية على أحياء المدينة القديمة، حيث ظهر بشارع عبان رمضان أسفل الجهة التي تضم الأقواس، عددا من باعة الأواني، أين لاحظنا إقبالا كبيرا عليهم من النسوة، فضلا عن بعض الطاولات التي تعرض سلعا مختلفة، في حين لم يخل محيط سوق "بومزو" من باعة الخضر و الفواكه، الذين زاد عددهم بشكل كبير مع حلول شهر رمضان، فضلا عن سوق بطو عبد الله المعروف باسم "فيروندو"، أين استغل الباعة مدخله لعرض منتجات غذائية كالخبز و الحلويات التي يكثر استهلاكها خلال شهر رمضان، بالإضافة إلى الخضر و البيض، في حين يعرض آخرون سلعهم بالجهة الخلفية للسوق، بجوار حاوية للنفايات، و يقول شيخ وجدناه يعرض سلعا بجوار "فيروندو"، أنه لا يملك منحة تقاعد أو مصدرا للمال، ما دفعه إلى وضع طاولة للتجارة الفوضوية لتوفير لقمة العيش لنفسه و لأسرته.
أحياء تتحول إلى فضاءات للتجارة الليلية بعلي منجلي
و ككل سنة حوّل التجار الفوضويون أحياء و شوارع بأكملها بالمدينة الجديدة علي منجلي، إلى فضاءات تجارية مفتوحة تخضع إلى منطق القوة ، ففي جولة استطلاعية قادت النصر إلى وسط المدينة، لاحظنا تواجد المئات من التجار الفوضويين على طول الرصيف المجاور للمركز التجاري "الرفاهية"، إلى غاية محطة سيارات الأجرة بالوحدة الجوارية 7، حيث قاموا بصف شاحنتهم على حافته، لاستعمالها كخزائن للسلع، و نصبوا طاولات مُضاءة باستعمال المولدات الكهربائية.
 و غير بعيد عن مفترق الطرق بالوحدة الجوارية 8،  تحول ممر يقع بين العمارات إلى ساحة لعرض مختلف أنواع الألبسة امتزجت فيها التجارة بـ "البلطجة" و معاكسة الفتيات، حيث شاهدنا شبابا يحملون عصيا غليظة و يتجولون داخل الساحة  بكل حرية، و هي مشاهد تتكرر بالقرب من المركز التجاري "الرتاج"  و العمارات المحيطة به و كذا على طول الرصيف المحاذي لمسجد أحمد حماني، وصولا إلى محيط العمارات التي يقطن بها المرحلون من الحي القصديري "نيويورك" قبل عدة سنوات، أين حلّ تجار مختلف أنواع الملابس و الأغراض المنزلية، ليلا، مكان طاولات الخبز و الحلويات، و لم يتركوا للراجلين إلا رواقا صغيرا يمرون عبره.
و عبّر مواطنون و أصحاب المحلات في حديثهم للنصر، عن سخطهم من انتشار الباعة الفوضويين بالقرب من مداخل العمارات، حيث قال التجار بأنهم طالما أبلغوا الهيئات المعنية بالتجاوزات الحاصلة، لكن دون جدوى، كما أنهم يتكبّدون خسائر و يفقدون زبائنهم يوميا، لأن الباعة يعرضون نفس السلع بأثمان منخفضة، فيما علّق أحد السكان بأنه لا يستطيع حتى سماع صوت التلفاز، بسبب الأصوات الصاخبة التي تُصدرها المولدات الكهربائية، ناهيك عن صراخ الباعة، مشيرا إلى أن المكان تحول إلى أشبه بالمفرغة نظرا لانتشار الأوساخ و القمامة، و هو وضع وقفنا عليه.
و ذكر أحد التجار النظاميين بعد أن كشفنا له عن هويتنا، بأن كل شبر من الأرصفة يخضع إلى مجموعة من الأشخاص الذين يسيطرون عليها بمنطق القوة و من ثم يّؤجروها للباعة المتنقلين، و هو ما يجعلهم مُخيرين بين الالتزام بالصمت أو الدخول في مواجهات لا تحمد عقباها، بحسب تأكيده، و ما يلاحظ عبر مختلف الأسواق الفوضوية، هو العدد الهائل من المواطنين الوافدين عليها، كما وقفنا على انخفاض أسعار السلع المعروضة مقارنة بما هي عليه في المحلات و المراكز التجارية النظامية، حيث ذكر مواطن بأنه يضطر إلى اقتناء ملابس العيد لأطفاله من مثل هذه الأسواق التي تتميز بانخفاض أثمانها.
و في حديثنا إلى بعض الباعة الفوضويين، ذكر أحدهم بأنه بطال و لم يجد مكانا يمارس فيه تجارته، حيث كان يتنقل بين الأسواق الأسبوعية، غير أن تجارته تتراجع كثيرا في شهر رمضان و هو ما دفعه إلى اختيار مكان لبيع الملابس النسائية، فيما أشار آخر إلى أنه شارك أحد التجار النظاميين الذي يزوده بالسلع، بينما يقوم هو بتسويقها على أن يتقاسما الفائدة بالنصف.
و كانت السلطات الولائية و البلديات قد لجأت إلى إنشاء الأسواق الجوارية للقضاء على نشاط التجارة الفوضوية، لكن الملف طوي في النهاية، بعدما تقرر تأجير هذه المرافق للخواص لاستغلالها في أي نشاط، وذلك بسبب عزوف الباعة عن الالتحاق بغالبيتها لانعدام الحركية التجارية بها، ما جعلها عرضة للتخريب و الإهمال.

الرجوع إلى الأعلى