لؤلؤة قصور الأطلس الصحراوي يعاني الإهمال و   معالمه تنهار
يعد القصر القديم بمنطقة بوسمغون بولاية البيض من الآثار الإسلامية والأمازيغية القديمة التي تبقى شاهدة على تاريخ الحضارة الإسلامية بالجزائر، بحيث يزيد تاريخ هذا القصر الذي يوصف بلؤلوة قصور الأطلس الصحراوي عن17 قرنا، ولا تزال بعض معالمه الإسلامية قائمة إلى يومنا هذا رغم مرور قرون طويلة على تشييده، كما يعد هذا القصر أحد المواقع التي مر منها الشيخ سيدي أحمد التيجاني صاحب الطريقة التيجانية، ولا تزال زاويته والمكان الذي كان يخلو فيه للتعبد ملجأ للزوار من كل بقاع العالم خاصة إفريقيا وآسيا، كما يحتفظ القصر بالسرير الخشبي للشيخ التيجاني وعدد من المعالم الأثرية الأخرى التي يعود تاريخها إلى القرن السابع ميلادي.
نورالدين-ع
وحسب الأستاذ بلحاجي لغريسي فإن هذا القصر يتربع على مساحة إجمالية تقدر ب1500متر مربع، كما يضم عدة أحياء وأزقة كل واحدة منها لها حكاية وتاريخ، وفي السياق ذاته لا تزال الأسماء الأمازيغية لأحياء هذا القصر شاهدة على تاريخيه الأمازيغي وأصول سكانه، الذين لا يزالون يتحدثون إلى اليوم اللهجة الأمازيغية» الشلحية»،  كما يمتاز هذا القصر بعمارته الإسلامية المبنية بالطوب وسقفه من جذوع النخيل والحطب، ولهذا فهو بارد صيفا وساخن شتاء، بحيث يوجد في مدخل القصر حي المشارف ثم على مسافة قريبة منه على اليمين يوجد قصر أغرم أجديد ويعني القصر الجديد والمقسم إلى جزئين الأول « بقال»، والثاني « أغرم»، ثم حي أخرزت، ثم تأتي بعدها «لجماعت» وهو المكان الذي كان يجتمع فيه سكان القصر من كبار الجماعة، ثم يأتي حي «تامدلا ناس تبون»، و»تامدلا ناس بوسلمان»، ويأتي بعدها أغرم أقديم، أي القصر القديم لنصل إلى حي «ايبازينن» الذي كان يأكل سكانه مواد طبيعية ونباتية فقط ، وأخيرا « تاقعوس» وتعني الزاوية أو الركن الذي يأتي في آخر الحي، وكل هذه الأحياء بهذا القصر كانت عامرة بسكانها إلى غاية سنة 1984 غادرت آخر عائلة هذا القصر، والمتجول بين أزقته يحتاج لوقت قد يزيد عن ساعتين للمرور بين كل شوارعه.
ومن المعالم الإسلامية التي لا تزال شاهدة على هذا المعلم الأثري المسجد الذي يتوسط القصر ويعود تاريخه إلى الفتوحات الإسلامية، ويقدر طوله ب15مترا وعرضه ب14مترا، في حين مساحته الإجمالية تقدر بـ 210مترا مربعا، كما أن سقفه يختلف عن سقف باقي القصر، بحيث سقف المسجد من أعمدة العرعار والدفلة وذلك لكونهما من الأشجار التي تمتاز بمتانتها وصمودها لفترة طويلة، ويضم المسجد مئذنة بشكلها المغاربي الأندلسي التي تعد حسب نفس المتحدث من أقدم المآذن في الجنوب الغربي، وأنجزت بمواد طبيعية تتوفر على سلم يضم 34طبقة، كل واحدة منها ارتفاعها يقدر ب28سنتم، ويذكر لنا في هذا الإطار لغريسي أثناء زيارتنا لهذا القصر بأن هذا المسجد لا تزال تؤدى فيه الصلوات الخمسة إلى يومنا هذا، وذلك في إطار الحفاظ على القصر و حتى لا يتحول إلى مكان مهجور، وفي نفس الوقت يتوفر على مدرسة قرآنية التي يطلق عليها بالأمازيغية «تاخربشيت»، إلى جانب ذلك يتوفر على مقهى ومحل لبيع المنتجات التقليدية الخاصة بالمنطقة، في حين قلة عدد الزوار جعل الإقبال عليها ضعيفا.

من جانب آخر يتوفر القصر على ساحة تتوسطه تعتبر مكانا يجتمع فيه السكان في الأعياد والأفراح والمناسبات الوطنية والدينية، كما يودعون ويستقبلون في هذا المكان المعتمرون وحجاج بيت الله العظيم، وفي نفس الوقت توزع في هذا المكان الطرود والرسائل، كما تناقش فيه قضايا سكان القصر، ووصف محدثنا هذا المكان ببرلمان القصر الذي تناقش فيه كل شؤونه، وفي نفس الإطار يذكر بلغريسي بلحاجي بأن القصر يتوفر على بئر يقدر عمقه ب45 مترا يعد مصدر تزود السكان بمياه الشرب، إلى جانب ذلك فإن كل ركن أو زاوية بهذا القصر إلا ولها حكايتها أو رمزيتها، بحيث في أحد زواياه يوجد حجر يميل لونه إلى الأسود مخصص للرجال لسن سكاكينهم ووسائل الفلاحة، كما توجد في زاوية أخرى مدفأة تقليدية تشتعل بالحطب لتسخين الماء، الذي يخصص للطهارة والوضوء، ويساهم في جمع الحطب لهذه المدفأة كل السكان ويعكس ذلك إحدى صور التضامن فيما بينهم، كما أن أبواب القصر هي الأخرى لها حكاياتها، بحيث كلها مصنعة من النخيل وترمز في شكلها إلى تاريخها القديم، كما أن حجمها صغير وكل شخص يدخل منها إلا وينحني، ويوجد في أسفل كل باب فراغا حتى يتسنى لكل الحيوانات الصغيرة الدخول والخروج من تحت هذه الأبواب، كما يوجد في بعض زوايا هذا القصر جدران في شكل دائري لها حكايات ودلالات معينة، ويذكر لنا في هذا الإطار محدثنا لغريسي بلحاجي بأن الرجل الذي يتنقل بين أزقة هذا القصر عندما يصل إلى هذه الزاوية الدائرية عليه التوقف، ولا يواصل مسيره إلا بإذن من سكان القصر، وذلك كون أن النسوة يكن في المباني الموجودة بعد هذا الجدار الدائري يؤدين انشغالاتهن المختلفة، وبهذا لا يجوز للرجال المرور إلا بعد إذن من أحد السكان الذي لا يسمح لهم بالمرور إلا بعد إخلاء الطريق من النسوة، وأشار محدثنا في هذا الإطار إلى أن النساء بهذا القصر يخرجن من منازلهن مرتين في اليوم وهي مع المغرب والعشاء أين يبقى الرجال في المسجد للتعبد وقراءة القرآن، إلى جانب وقت صلاة الجمعة من كل أسبوع، وكل فتاة تخرج في غير هذه الأوقات تصنف ضمن القائمة السوداء لدى سكان القصر وتبور أي لا يتزوجها أحد.   
  الشيخ سيدي أحمد التيجاني تعبد بهذا القصر 17سنة
تعد زاوية الشيخ سيدي أحمد التيجاني التي تتواجد في إحدى زوايا القصر أحد معالم هذه الطريقة الصوفية التي ضربت بجذورها في عدة دول من العالم الإسلامي وخاصة إفريقيا، بحيث لا تزال غرفة الشيخ سيد أحمد التيجاني التي كان يتعبد فيها متواجدة إلى يومنا هذا وتعد مقصدا للسياح خاصة أتباع هذه الطريقة من دول افريقية مختلفة، كما لا يزال السرير الذي كان ينام عليه الشيخ سيدي أحمد التيجاني متواجدا بهذه الغرفة، ويوجد بالقرب من هذا المكان بيت آخر يسمى بالبيت الأبيض الذي سقفه يختلف عن أسقف باقي منازل القصر، بحيث يضم عدة ألوان، ويذكر لنا في هذا الإطار محدثنا بأن هذا البيت الأبيض كان يتخذه الشيخ سيدي أحمد التيجاني لحل المشاكل الخلافية بين السكان خاصة المشاكل العائلية، وخلافات الجيران، والخلافات القائمة حول الأراضي الفلاحية، والميراث وغيرها، كما أكد محدثنا بأن الأحكام التي كان يصدرها الشيخ في هذا البيت الأبيض تعد نهائية ولا تقبل الطعن، وبذلك كان يخرج المتخاصمون منها بقلوب بيضاء، ولهذا سميت بالبيت الأبيض، وفي هذا السياق يذكر لنا بلغريسي بأن منطقة بوسمغون دخلها 40واليا صالح من بينهم الشيخ سيد أحمد التيجاني الذي عاش بالمنطقة في صغر سنه ثم ذهب إلى مدينة تلمسان وبعدها انتقل إلى الزيتونة بتونس ثم إلى فاس المغربية ليعود بعدها إلى الأبيض سيدي الشيخ بضواحي البيض، بحيث في سنة 1773ذهب إلى أداء مناسك الحج ووصل إلى البقاع المقدسة في السنة الموالية، ليعود بعدها إلى تلمسان مدرسا، وهناك حاول العثمانيون قتله ليهرب نحو منطقة الشلالة، ثم نحو بوسمغون الذي بقي فيها لمدة 17سنة يتعبد في خلوته بهذا القصر، وتزوج بهذه المنطقة بزوجتين، ليذهب بعدها نحو أوقروت بتميمون بولاية أدرار، وبقي الشيخ التيجاني خلال هذه الفترة مطاردا من طرف العثمانيين، وقرر أمام ذلك المغادرة نحو المغرب أين توفي هناك.

مبنى شبه مهجور
 رغم القيمة التاريخية والأثرية لهذا القصر إلا أن حاله لا يعكس هذه القيمة، بحيث يعيش الإهمال والكثير من معالمه انهارت أو مهددة بالانهيار، وفي هذا الإطار يقول بلحاجي الذي كان يعد من سكان هذا القصر بأنهم غادروا هذا المكان الأثري في سنة 1984 بعد أن دخله الغرباء، وحفاظا عليه من الاندثار خرجوا منه قصد تحويله إلى معلم أثري يكون قبلة للزوار، في حين ذلك لم يتحقق، وعوض أن يتحول هذا القصر إلى معلم سياحي تحول إلى مبنى شبه مهجور، ولولا سكان المنطقة ممن تطوعوا للحفاظ عليه وإرشاد بعض الزائرين إليه لطمست كل معالمه، ويذكر في هذا السياق محدثنا بأن القصر يستقبل وفودا من داخل الوطن وخارجه لكن بأعداد قليلة لا تعكس القيمة التاريخية لهذا القصر، كما تفتقد المنطقة لفنادق لإيواء السياح، ويشير نفس المتحدث إلى أن من بين زوار القصر الأفارقة من أتباع الطريقة التيجانية، الذين يقصدون الزاوية والغرفة التي كان يخلو فيها الشيخ سيد أحمد التيجاني للعبادة، مضيفا بأن عددا من الممتلكات الثمينة التي تعود إلى الشيخ تم نهبها.
وعن ترميم القصر يقول نفس المصدر بأنه خضع لعملية ترميم في سنة 2004، لكن هذه العملية لم تكن بالمستوى اللائق، وناشد سكان المنطقة وزير الثقافة بضرورة تصنيف القصر و ترميمه قبل انهياره وإتلاف معالمه، كما طالبوا بتشجيع السياحة نحو هذا القصر خاصة السياحة الدينية، التي ستحقق موارد مالية كبيرة للمنطقة أمام الفقر ونقص التنمية  التي يعيشها سكانها.                              
ن-ع

الرجوع إلى الأعلى