عـثرنـا علـى رأس خـنزيـر قـبل الاعـتـداء و تأخـر الـمجـرم بـ 10 دقـائـق جنّب كـارثـــة
"في تلك الليلة المشؤومة كنت قد قرّرت الذهاب لأداء صلاة العشاء ككل مساء لكن ظرفا طارئا منعني من ذلك"، يختنق الصوت ثم يعود مرتجفا "نعم.. لقد نجوت من الموت و لا أعلم ما الذي كان ليحلّ بزوجتي و أبنائي".. بهذه العبارات بدأ الدكتور مختاري فؤاد ابن قسنطينة، يروي للنصر متأثرا، كيف نجا من مجزرة "كيبيك" التي قُتل فيها عدد من أصدقائه الجزائريين و المسلمين، على إثر الهجوم الإرهابي الذي نفذّه، الأسبوع الماضي، شاب متطرف ذو أصول فرنسية، عندما أطلق النار بدم بارد على مصلين كانوا يهمّون بالخروج من المسجد.

فؤاد.. مهندس الإلكترونيك الذي هاجر إلى كندا و عاش بعيدا عن أهله من أجل استكمال الدراسة و التدريس بجامعة "3 ريفيار"، لم يخطر بباله يوما أن هجرته من أجل طلب العلم، يمكن أن تتحول إلى كابوس، و بأن حاجة زوجته إلى السيارة ذات يوم، أنقذته من احتمال العودة إلى أرض الوطن في صندوق، مثلما حدث مع الضحيتين الجزائريتين عبد الكريم حسان و خالد بلقاسمي، اللذين تم تشييعهما إلى مثواهما الأخير أول أمس بعد نقلهما على الجزائر، وسط صدمة و حزن كبيرين، و بعدما ودّعهما رئيس الوزراء الكندي بالدموع.
"الإعلام المحلي الفرانكوفوني غذى الكراهية ضدنا"
يقول فؤاد الذي تواصلت معه النصر عبر الهاتف، إن حياة الجالية المسلمة في مقاطعة كيبيك كانت، قبل مجزرة المركز الثقافي الإسلامي، عادية إلى حد ما مقارنة بدول غربية أخرى، فقد كان المسلمون يؤدون صلواتهم في المساجد بكل حرية و دون قيود، رغم المضايقات القليلة التي تحدث لمرات قليلة جدا، بملاحظة نوع من الحذر اتجاه المحجبات و تسجيل بعض التصرفات العنصرية، و بينها ما وقع شهر رمضان الماضي، عندما عُثر على رأس خنزير وُضع قرب المسجد ذاته الذي شهد الحادثة، كما يجد المصلون أحيانا رسائل أو عبارات حائطية معادية للمسلمين، الذين كانوا يرون في ما يحصل مجرد أفعال فردية من أشخاص تغذى التطرف لديهم من بعض وسائل الإعلام الكندية، و خصوصا الإذاعات التي يقول فؤاد إنها كانت تبث خطابا معاديا للمسلمين، على عكس ما هو موجود في المقاطعات الكندية ذات الثقافة الأنغلوساكسونية، مثل طورونطو و غيرها.

"دراسة زوجتي أنقذتني!"
قبل يوم من الحادثة أي ليلة السبت، صلّى الدكتور فؤاد العشاء في مسجد المركز الثقافي الإسلامي الذي يبعد عن منزله بحوالي كيلومتر و نصف، و التقى كالعادة بأصدقائه الجزائريين و المغاربة و كذا المسلمين المنحدرين من مصر و مالي و السنغال و غينيا و النيجر و غيرها، حيث قال إن أغلبهم أساتذة جامعيون و إطارات كثيرا ما يجدون في صلاتي المغرب و العشاء فرصة لتبادل أطراف الحديث و الالتقاء، و ذلك بحكم انشغالهم بالعمل طيلة النهار.. في تلك الليلة اعتزم فؤاد العودة لأداء صلاة العشاء في اليوم الموالي، خصوصا أنه يتصادف مع عطلة نهاية الأسبوع. و في مساء اليوم الذي شهد الحادثة، أبلغ فؤاد زوجته بأنه ذاهب إلى مسجد المركز الثقافي الإسلامي لتأدية صلاة العشاء كالعادة، و ذلك بسيارته التي يستغرق الوصول إلى المركز باستعمالها بضع دقائق، و بحكم أن زوجته طالبة في كلية الطب بجامة "لافال" كان عليها أن تحضّر للدروس و تراجعها بشكل مكثف، و لم يكن ذلك ممكنا في البيت و وسط الأولاد، فطلبت من زوجها أن يُعيرها السيارة لكي تستطيع التنقل بها من أجل التحضير بهدوء و تركيز أكثر في الجامعة، فوافق على طلبها لأنه يعلم صعوبة تخصصها، و قرّر البقاء مع الأطفال في انتظار عودة الزوجة بعد أن أعارها السيارة، فألغي بذلك مخططه بالصلاة في المسجد، و لم يعلم في تلك اللحظات أنه تجنب مجزرة ستهتزّ لها كندا.
لم نصدّق ما حصل و تجرّعنا الصدمة بصعوبة!
يواصل الشاب حديثه متأثرا "بعد ذلك صلّيت العشاء في المنزل، و جلست مع الأولاد، قبل أن يتصل بي أحد الأصدقاء في كندا و يسألني: ألم تسمع ما الذي حصل؟ فأجبته بالنفي و استفسرت منه عما حدث، ليخبرني أن هناك إطلاقا للنار في مسجد المركز الثقافي الإسلامي" لم يصدق فؤاد ما سمع إلى درجة أنه اعتقد بأن صديقه يمازحه، فمثل هذه الحادثة لم يتوقعها أكثر المتشائمين، كما يقول، لكنه استفاق و استطاع أن يتجرّع الصدمة، عندما أعلمه المتصل بأن أحد أصدقائهما التونسيين جُرح في الحادثة و هو في حالة صحية حرجة. فورا، فتح فؤاد الأنترنت و محطات الأخبار و الإذاعة التي أكدت الحادثة، فسارع إلى الاتصال بزوجته.. طلب منها العودة بشكل مستعجل و بتغطية خمارها بقبعة المعطف.. انتابت فؤاد حالة امتزج فيها الخوف بالهستيريا و لم يفكر في تلك اللحظات إلا في إمكانية تعرضّ أم أولاده لمكروه، فقد فهم أن الحادثة تنبئ بخطر استهداف كل ما هو مسلم.. ثم تابع قائلا "لم أستطع التصديق و قُلت في نفسي بأنني كنت لأسجّل بين الضحايا، ثم فكرت في الأولاد و الزوجة و كيف سيكون مصيرهم".

"تأخر القاتل بـ 10 دقائق جنّب كارثة أعظم!"
بعد ذلك توالت أخبار الوفيات و وصل عدد القتلى إلى ستة، و قد كان من بينهم الجزائريان اللذان كانا من المواظبين على أداء الصلاة في المسجد، و يقول محدثنا إن القاتل أفرغ الرصاصات في أحدهما و هو الأستاذ الجامعي خالد بلقاسمي، بينما كان يحاول الاختباء خلف المحراب إلى جانب باقي المصلين، حسبما عُلم من شهود عيان، أما صديقه الغيني إبراهيما باري الذي يتذكر بأسى كيف كان يمازحه ليلة قبل الحادثة، فقد كان أول من التقى القاتل و هو يهمّ بالخروج من باب المسجد بعدما فرغ من الصلاة، حيث أفرغ فيه الرصاصات، و فعل الأمر نفسه مع من خرج بعده، و بكل برودة و ثقة في النفس كان يعيد تعبئة الرشاش و يطلق النار على كل من يجد أمامه و كأنه يقتل ذبابا، مثلما أكدته تصريحات الناجين. و قد كانت الحادثة لتودي بحياة عدد أكبر من الضحايا، لو دخل القاتل للمسجد قبل 10 دقائق، حيث يؤكد الدكتور فؤاد أن تأخرّ ألكسندر بيسونيت في تنفيذ مخططه الإجرامي لعدم إيجاده مكانا يركن فيه سيارته، جنّب حصيلة أثقل لأن معظم المصلين كانوا قد خرجوا من المسجد، كما أن أحدهم ذكر بأن القاتل قدم إلى المسجد قبل يومين و تظاهر أنه عابر سبيل، ثم سأله عن الأيام التي يكون فيها عدد المصلين أكبر، و علم أنها في عطلة نهاية الأسبوع و خلال الفترة المسائية، و يضيف محدثنا أن مُجيب القاتل، لم ينتبه إلى إخباره بأن صلاة الجمعة تعرف إقبالا كبيرا، و إلا كانت المجزرة لتكون أكبر و أكثر هولا.

"سنصلي مُجددا في المسجد و لن نخشى شيئا"
الجالية المسلمة تعيش اليوم في كيبيك قلقا و خوفا كبيرين حسب الدكتور مختاري فؤاد، رغم التعاطف و التضامن الذي لمسته من الكنديين سواء من زملاء العمل أو الجيران، الذين عبّروا عن رفضهم لهذا الفعل الإرهابي و رحّبوا بالمسلمين في بلاد تتعايش فيها جاليات من كل أنحاء العالم، حتى أن بعض وسائل الإعلام التي كانت تُظهر عداء للمسلمين، تراجعت، يضيف السيد فؤاد، عن مواقفها بعد الحادثة، و اعترف بعض إعلامييها أنهم كانوا سببا غير مباشر في ما حصل، لينهي كلامه بثقة و تحدٍ "رغم كل ما حدث لن أخشى شيئا، سأصلي مجددا في المسجد لأنه مكان عبادة و سأصطحب أبنائي إليه، كما ستعود الحياة عادية كما كانت".
   ياسمين بوالجدري

الرجوع إلى الأعلى