جزيرة صغيرة للتكفل النفسي والروحي بمرضى السرطان
بتدشين «إقامة عائشة»، تحوّل حلم دار واحة لإيواء مرضى السرطان  بقسنطينة  إلى حقيقة، بفضل تكافل الجهود و عطاء و مثابرة المحسنين الذين ساهموا في تجسيد مشروع طالما رآه كثيرون بعيدا أو مستحيلا أمام نقص المبادرات الإنسانية  لولا تحطيم جمعية واحة للقاعدة بجعل المستحيل ممكنا، بمساهمات خيّرين تكفلوا بإنجاز كل المشروع على حسابهم.
بالوحدة الجوارية 18بالمدينة الجديدة علي منجلي، وضع حجر الأساس لأول دار لإيواء مرضى السرطان القادمين من خارج قسنطينة و مرافقيهم، في ارض كانت قبل أوت 2014مجرّد أرض قاحلة تحصلت عليها الجمعية بفضل تسهيلات السلطات بالولاية و تقدر مساحتها بـ6000متر مربع مقابل تكلفة مليار و 800مليون لازالت الجمعية بصدد تسديدها لمديرية أملاك الدولة، حسب تصريح رئيس الجمعية البروفيسور عبد الحميد أبركان.
مشروع دار واحة الذي اعتبره رئيس الجمعية بمثابة جزيرة صغيرة ستوّفر الراحة و التكفل النفسي و الروحي المناسب لمرضى السرطان، انطلق من مجرّد فكرة آمن بها كل الفاعلين في واحة، و لم يتأخروا في وضع لبناتها الأولى في 2013، و ككل مشروع صادق، يخدم الإنسانية و بشكل خاص فئة هشة كمرضى السرطان الذين عانوا الأمرين بسبب انعدام مرافق الإيواء و ما واجهوه من صعوبات في التنقل و مصاريف الإيواء التي أتعبت كاهل الأغلبية، مما ضاعف من يأسهم و تأخر علاجهم، إلى غاية بروز بصيص أمل لاح في الأفق بتدشين أول جزء من هذا المشروع المهم المتكوّن من أربع إقامات و فضاءات تربوية و روحية و تكوينية و خدماتية أساسية.
يونس و فاطمة لتخليد ضحيتي الداء
أول ما يلفت انتباه الزائر لدار واحة التي وصلت نسبة أشغال البناء بباقي هياكلها إلى 80بالمائة حسب البروفيسور بن بوحجة أحد المساهمين في تجسيد المشروع، هو التسميات التي أطلقت على إقامتي الأطفال و الرجال و التي اختير للأولى اسم يونس و الثانية «فاطمة» ، و علمنا من أعضاء الجمعية أنها كانت نزولا عند رغبة المحسنين الذين تحملوا تكاليف البناء على حسابهم الخاص، و كذا تكريما لجهودهم علما و أن الأول نواه صدقة جارية على روح ابنه «يونس» الذي غيّبه الموت بسبب السرطان و نفس الشيء بالنسبة للمحسن الثاني الذي فقد زوجته فاطمة بسبب هذا الداء، أما إقامة عائشة فقال مجسدها بأنه رأى من واجبه تكريم والدته.
و قد استحسن من كان لهم حظ زيارة الدار على هامش تدشين أول إقامة، المبادرة و اعتبروها مؤشر خير وانطلاقة تبعث على التفاؤل، خاصة و أن المشروع من تجسيد جمعية نشطة مما أعاد الثقة في حركة المجتمع المدني.
مرفق حميمي لراحة نفسية مضمونة
رغم عدم انتهاء كل أشغال البناء و التهيئة بالإقامات المجاورة لإقامة «عائشة» التي ستستقبل قريبا أولى مريضاتها و مرافقتهن من ذويهن، فإن النمط المعماري و طريقة تجهيز الإقامة الأولى، يشجعان على الاسترخاء و الشعور بالراحة بل أكثر من ذلك فإن الساهرين على المشروع فكروا في تصميم جعل من المكان أشبه ببيت صغير تتوّفر فيه كل الشروط  لضمان الأجواء العائلية الحميمية بهدف رفع معنويات المرضى، حيث تمت تهيئة بهوي الطابق الأول و الثاني بديكور بسيط لكي يبعث على الراحة و نفس الشيء بالنسبة لغرف النوم الـ12 بسعة 24سريرا بمعدل سريرين في كل غرفة، كما يوجد بكل غرفة قاعة للاستحمام لتسهيل الأمور على المرضى و تجنيبهم عناء التنقل من مكان إلى آخر، خاصة و أن حالتهم الصحية و ضعف أجسادهم المرهقة من العلاج الكيميائي أو الإشعاعي لن تتحمل التنقل و لو لأمتار  قليلة ، و هو ما أخذه المصممون بعين الاعتبار.
و تتوّفر الغرف على شرفات تطل على حديقة سيتم إنجازها قبل تسلم باقي البنايات قبل بداية السنة المقبلة، و التي سيكون بإمكان المرضى التجوّل و الجلوس للاسترخاء و تجاذب أطراف الحديث و حتى استقبال أفراد عائلاتهم بما في ذلك أبنائهم الصغار الذين لم يغفل القائمون على المشروع تخصيص زاوية كحضانة حتى لا ترحم المريضات أو المرضى من رؤية و مرافقة صغارهم لهم في فترات العلاج.
و لن يجد المرضى وحدهم راحتهم في هذه الإقامات بل حتى مرافقيهم الذين لن يضطروا لدفع تكاليف الفنادق الغالية أو تكبد عناء السفر طيلة فترة علاج قريبهم المريض، خاصة و أن أكثر العائلات تعاني الفقر أو تنتمي للعائلات البسيطة التي لا يقدر أفرادها على توفير تكاليف الإقامة خارج المنطقة التي يقيمون بها.   
مشروع بسيط بأبعاد إنسانية واسعة
و حسب أعضاء جمعية واحة فإن طاقة الاستيعاب الاجمالية لدار واحة ستصل إلى 42غرفة، موّزعة على أربع بنايات، منها ثلاثة إقامات خاصة بالبالغين تتكون كل إقامة من 12  غرفة، فضلا عن إقامة من 6غرف مخصصة لسرطان الطفل.
و من أهم الجوانب التي ركز عليها القائمون على المشروع حسب مسؤولي واحة، الفضاء الروحي الذي سيخصص للتكفل النفسي بالمرضى و ذويهم، لما لهذا الجانب من دور مهم طيلة مرحلة العلاج.
و من المنتظر أن تتدعم الدار بفضاءات إضافية لضرورتها و هو الجناح الذي سيتضمن مطبخا و قاعة طعام جماعية، للتخفيف من الشعور بالعزلة لدى المقيمين و خلق أجواء الاحتكاك كطريقة علاجية خاصة للتخفيف عن بعضهم بعض.
كما لم تغفل الجمعية الجانب الثقافي من خلال تخصيص فضاء ثقافي سيحتضن مختلف النشاطات و اللقاءات العلمية والثقافية و ذلك من خلال فتح قاعة للمحاضرات بسعة 60مقعدا و فضاء للعرض و آخر للإعلام و المطالعة.
تكثيف الفضاءات الخضراء بالدار، يعد هو الآخر من أهم الجوانب في المشروع الذي يحرص مجسدوه على استغلال كل ما قد يساهم في بعث الأمل و تخفيف حالة اليأس عند المرضى من كل الفئات العمرية.
و عن موعد تسلم باقي الإقامات المتبقية قال البروفيسور بن بوحجة صاحب عيادة ابن رشد بقسنطينة و أحد المساهمين الفاعلين في تجسيد المشروع، بأن نسبة الأشغال في كل الإقامات تجاوزت الـ80بالمائة و من المتوقع تدشينها قبل فصل الخريف، فيما سيتم تسلم المشروع بصفة نهائية قبل العام الجديد.
و ما كان المشروع ليتحقق في مدة لم تتجاوز الأربع سنوات، لولا تكافل و تضامن و سخاء المحسنين من الميسورين و حتى المواطنين البسطاء الذين لا يبخلوا على الجمعية حتى من منحهم البسيطة، فيما تقوم نساء بحرمان أنفسهن من مقتنيات ضرورية لضمان مبلغ مالي منتظم كل 15يوما أو مرة كل شهر، أو ذلك البحار الذي يخصص ما بين 30 و 35ألف دج كلما سنحت له الظروف، فضلا عن الهبات التي تصل من محسنين مجهولين عبر الحساب الجاري للجمعية، ناهيك عن المساعدات المعنوية التي يقدمها المتطوعون نساء و رجالا و من مختلف التخصصات العلمية و المهنية من أطباء و نفسانيين و موظفين و حتى متقاعدين و بطالين يشعرون بمسؤوليتهم تجاه المرضى، دون إغفال الهبات التي تلقتها الجمعية من بعض جهات على غرار مديرية الشؤون الدينية و الأوقاف و مديرية النشاط الاجتماعي الذين دعماها بوسيلة نقل و سيارة إسعاف.
 و للتذكير فإن واحة قدمت خدمات مهمة لمرضى السرطان منذ تأسيسها في 2012، منها منح فرص الاستفادة من الفحوصات المجانية و إجراء التحاليل المكلفة منها الرنين المغناطيسي، التصوير بالموجات فوق الصوتية التي استفاد منها سنة 2016 نحو 370مريضا، فضلا عن السكانير  و التصوير الإشعاعي للثدي ..و غيرها من الخدمات التي يعجز الكثير من المرضى توفير تكاليف القيام بها.
مريم/ب

الرجوع إلى الأعلى