انعدام التكوين يهدد  الصنعة بمدارسها الثلاث بالاندثار
أكد إدريس أمين خوجة صاحب دار النحاس، و وريث أول عائلة أدخلت الحرفة إلى مدينة الجسور المعلقة، أن صناعة النحاس بمدارسها التقليدية الثلاث ببلادنا، مهددة بالاندثار جراء انعدام التكوين المتخصص ، مضيفا بأن الكثير من الحرفيين و الزبائن لا يفرقون بين أنواع المنتجات في ظل اقتحام آلات الخراطة لهذا المجال، من أجل تغطية الطلب المتزايد على الأواني النحاسية ذات اللون الأصفر .
  النصر زارت الحرفي إدريس أمين خوجة في محله المتواجد بحي السويقة وسط مدينة الصخر العتيق، فقال لنا بأن حرفة صناعة النحاس التقليدية القسنطينية الأصيلة تهددها الصعوبات و العراقيل و مخاطر الانقراض، لأن بعض الحرفيين أصبحوا يستعملون آلات الخراطة لضمان سرعة و سهولة الإنجاز و تلبية الطلبيات المتزايدة على الأواني و قطع الديكور النحاسية ، في حين تستنزف الحرفة اليدوية، وفق قواعدها الأصلية و الأصيلة المتوارثة جيلا عن جيل، وقت و جهد و عرق الحرفي الذي يبدع في صنع التحفة الواحدة.
محدثنا أكد أن ما يحز في نفسه أكثر انعدام من يستلم صناعة النحاس الأحمر التقليدية اليدوية، مما يجعلها مهددة بالزوال، في ظل غياب فرص التكوين وعزوف الشباب اللاهث وراء الربح السريع، عن أخذ أسرار الحرفة من محترفيها الذين أصبحوا يسيرون نحو الانقراض ، وهذا في غياب دار للحرف في عاصمة الشرق، على غرار كل ولايات الوطن 47، على الرغم من ثراء وتنوع الحرف فيها عبر التاريخ، و الدليل على ذلك أن معظم أزقة المدينة كانت تعرف بالحرفة التي يمارسها الناشطون فيها ، على غرار حي الدباغين والخرازين والجزارين وسوق الغزل ورحبة الزرع وغيرها .
إن قسنطينة تحتاج اليوم إلى من يعيد الحرف إلى فضائها في ظل خضوع المدينة القديمة لعملية ترميم كبيرة، و ترحيل سكانها إلى المدينة الجديدة، يقول محدثنا، وهذا لا يتحقق إلاّ بفتح باب التكوين، و ذلك لتعليم مكونين محترفين للوصول إلى درجة مصممين ، و يضيف أنه مستعد للقيام بالمهمة، حفاظا على تراث المدينة الذي يعتبر نفسه مسؤولا عن توريثه و نقل مشعله، على أن ينخرط في العملية، الطلاب الجامعيين الذين تابعوا الدراسة على الأقل لمدة أربع سداسيات في  شعبة علمية، بالموازاة مع فتح دار للحرف، تكون واجهة لعرض ما تزخر به المدينة من تنوع تراثي و حرفي أمام الزوار و السياح.
في مجال النحاس أحصى إدريس حوالي 360 قطعة تتعلق كلها بالحياة اليومية لسكان قسنطينة و كذا المناسبات السارة و الأعياد، و كذا الخاصة منها بالحمام و الحناء وغيرها ، و هذا العدد وحده يمثل متحفا  لزوار المدينة الذين لا يرغبون في اقتناء ما يعج به السوق حاليا من قطع  مستوردة من المغرب و سوريا، و ينشدون تحفا أصلية محلية تحمل طابع و لمسة المدرسة القسنطينية، التي يميّزها، كما أوضح محدثنا،  نقش «الزقوقو»، أي ثمرة شجرة الصنوبر الحلبي، بدقة متناهية تحتاج إلى صبر و أناة، عكس مدرسة تلمسان التي يعتبر نفس النقش ميزتها، لكن يكون أضخم حجما و أبرز من حيث الشكل، فيما يعرف الطابع العاصمي برسم أغصان و أوراق النباتات، وهذا ما يجعل الحرفي بمجرد رؤية الآنية أو التحفة النحاسية يتعرف على مصدرها، مضيفا بأن هذا التراث يجب الحفاظ عليه و تخصيص وزارة منتدبة للصناعات التقليدية، و أموال ضخمة لبعث الحرف والصناعات التقليدية، يبرز اهتمام الدولة بهذا المجال.
إدريس يطالب من جهة أخرى بالتفريق بين الحرفيين أصحاب المداخيل الضعيفة، والتجار الذين حولوها إلى صناعة بإدخال آلات الخراطة والاعتماد على الاستيراد و عرض المنتجات المستوردة على أنها صناعة محلية، هذا الواقع جعله يرفض المساهمة المالية للمشاركة في مختلف المعارض والمناسبات الخاصة بذات الحرفة، ويؤكد أن الحرفي الحقيقي دخله جد محدود ويحتاج إلى دعم ومساندة، معترفا بأنه حظي بالتكريم و الدعم المادي عدة مرات.
جدير بالذكر أن الحرفي إدريس أمين خوجة ابتكر فرنا يعمل آليا بالغاز الطبيعي جد اقتصادي ، عوض الاعتماد في ممارسة حرفته على الفحم الحجري الجد مكلف و الذي يصل سعر القنطار منه إلى حوالـــــي مليون سنتيم.  
رئيس الغرفة الولائية للحرف أوضح في لقائه مع النصر، بأن من يريد أن يفتح باب التكوين عليه أن يؤسس جمعية و ينشط من خلالها بصفة قانونية ورسمية،  لأنه لا أحد يمكنه تحمل أعباء مدرسة خاصة بحرفة من الحرف دون إطار معين، في حين من خلال جمعية معتمدة يمكن للمبادر أن يحصل على مختلف الإعانات، على غرار كل الجمعيات النشطة.
في ما يخص فتح دار للحرف، فإن الوالي الحالي أمر بتحويل محلات للشباب على مستوى المدينة الجديدة على منجلي لهذا الغرض، و في ما يتعلق بالمساهمة المالية للحرفي في مختلف النشاطات، فإن ذلك يستند إلى قانون وزاري تم البت فيه على مستوى عال.
وفيما يخص التسويق فإنه تم تسطير برنامج في إطار الأمم المتحدة  وعلى المحترفين والناشطين استخراج دفتر الشروط من دار الحرف للانخراط فيه، وحاليا يوجد عرض مكسيكي و قريبا آخر مع الولايات المتحدة الأمريكية في هذا المجال.
ص/ رضوان

الرجوع إلى الأعلى