الحاسن بلخير .. مشوار صحفي كرس قلمه لخدمة المواطن البسيط   
الحاسن بلخير أو عمي الحاسن، كما يناديه الكثير من معارفه في الوسط المهني بولاية ميلة، هو مسؤول مكتب وكالة الأنباء الجزائرية بولاية ميلة منذ 1984 إلى يومنا هذا،  و لم تبق إلا أشهر قليلة لينهي مساره، بعد 36 عاما من العطاء و العمل المتواصل في مهنة «البحث عن المتاعب» ، على حد تعبيره، التي لم تصل بعد إلى السهولة المطلوبة في الوصول إلى المعلومة مع واجب التحفظ المفروض من الجميع تقريبا، و كذا عدم مهنية البعض .
ولد عمي الحاسن سنة 1958 بأولاد رحمون ولاية قسنطينة،  تابع دراسته إلى غاية  السنة الثانية جامعي، تخصص علم الاجتماع، بجامعة الإخوة منتوري بقسنطينة، ليتحول مباشرة إلى العمل الصحفي الذي بدأه سنة 1978 كمتعاون محرر و مترجم بوكالة الأنباء الجزائرية من قسنطينة لمدة ثلاث سنوات، ثم وظف رسميا كصحفي في 15 أوت 1981.
اهتمامه بالصحافة بدأ و هو تلميذ في المتوسط
محدثنا، البالغ من العمر 59 عاما، أب لأربعة أبناء و جد لحفيدة واحدة، و قد بدأ يهتم بالصحافة منذ كان تلميذا في مرحلة التعليم المتوسط، حيث كان يجمع قصاصات الصحف في كراس، و يركز على ما ينشر حول شخصيات شهيرة مثل الراحل هواري بومدين، جمال عبد الناصر و فيدال كاسترو، نظرا لتأثره بهم.
 و ظل اهتمامه بالصحافة ينمو أكثر فأكثر بمرور الوقت، و في  المرحلة الثانوية اختير كرئيس تحرير صحيفة ثانوية يوغرطة التي درس بها  و عنوانها «صدى يوغرطة»، كما كان يهتم كثيرا بالشأن الثقافي ، حيث كان يتابع  بشغف مجلة «آمال» التي تعنى بالأدب و الثقافة عموما او الصادرة عن وزارة الثقافة، حتى أنه نال المرتبة الثانية في مسابقة الأدب العربي التي نظمتها وزارة التربية سنة 1977.
ويعود الفضل في ولوج بلخير عالم الصحافة من باب وكالة الأنباء الجزائرية، إلى الإعلامي عاشور بوعكاز عبد المجيد المدير الجهوى للوكالة بقسنطينة في 1978 ، وقد أتيحت له الفرصة للقيام بعدة تغطيات ثقافية، بالموازاة مع عمله كمحرر مترجم، و التقى خلالها مع شخصيات مهمة في الحقل الثقافي، منها الشاعر الكبير نزار قباني،  الكاتب الطاهر وطار و  أمين الزاوي وغيرهم،  وكان في تلك الفترة يتعامل بالقطعة و يتقاضى راتبا شهريا يصل حتى ألف دينار جزائري، المبلغ الذي كان يعتبر محترما بالنسبة لمتعاون مثله. و قد غطى طيلة مشواره الصحفي العديد من الأحداث على مستوى عدة ولايات بشرق الوطن، وحتى خارج الوطن بتونس وفرنسا، أين كان مبعوث وكالة الأنباء لتغطية الانتخابات الرئاسية سنة  1999 بمارسيليا.
ميلة أول نقطة تغطية ومنها يودع المهنة
من المفارقات التي حدثنا عنها عمي الحاسن، أن أول مهمة تغطية كلف بها خارج قسنطينة كانت بميلة  التي استقر بها لاحقا  إلى غاية يومنا هذا، أين غطى اجتماعا للاتحاد النسوي، و قبل أن يختار عمي الحاسن ميلة، كانت وجهته ولاية بسكرة التي أعجب بمناظرها الطبيعية خلال التغطية التي قام بها لمهرجان محمد العيد آل خليفة للشعر، الذي احتضنته سنة 1982، و كان يوجد بها مكتب لوكالة الأنباء شاغرا ، فطلب أن يحول إليها ليمكث بها مدة عامين و نصف ودع خلالهما حياة العزوبية.
و بعد أن أصبحت ميلة ولاية خلال التقسيم الإداري لسنة 1984، فضل الاقتراب من قسنطينة مسقط رأسه،  فتوجه إلى ولاية ميلة، على أساس أن يقضي بها فترة ثم يدخل إلى ولايته الأم، إلا أن الأقدار شاءت أن يستقر بها إلى غاية اليوم، و أن يكون شاهدا على مختلف التحولات التي عرفتها كولاية، على كافة الأصعدة ، فكان جزء منها و كانت جزءا منه، كما أخبرنا، خصوصا و أنه أول صحفي محترف يعين بها،  ليلتحق به بعد ثلاث سنوات الصحفي الطاهر زعرور من جريدة النصر.
الصحافة بالنسبة لعمي الحاسن، لذيذة رغم مشاقها، و اعتبرها مهنة البحث عن المتاعب و ليست مهنة المتاعب، كما يقال عنها،  تعلق بها وبمختلف الكتاب الذين عرفهم في بداياته على قلة العناوين، إلى أن جاءت فترة التعددية التي عقبت أحداث 1988 التي شهدت انفتاحا إعلاميا  و حرية في التعبير، رغم ما صاحب ذلك من سلبيات وتجاوزات، حسبه.
لقب بلخير بعميد الصحافة بميلة، و قال بأن ذلك لا يعني غياب أهل الإعلام بالولاية، وإنما كانت هناك مجهودات مبذولة من العديد من المراسلين ومنهم مراسل جريدة المجاهد في الثمانينات عبد المالك جزار الذي كان متعاونا أيضا مع وكالة الأنباء الجزائرية، و كذلك مراسل جريدة النصر بميلة عبد الحميد مروش، بالإضافة إلى مراسلين آخرين خارج عاصمة الولاية، و أضاف أنهم رافقوا بتغطياتهم العديد من الأحداث، و رفعوا العديد من الانشغالات التنموية الكبيرة آنذاك كالكهرباء والغاز والماء والتي كانت نسب التغطية بها بسيطة جدا، ناهيك عن العزلة بالعديد من المناطق، بالإضافة إلى التطرق للعديد من الملفات كالصحة وما إلى ذلك.
من التليكس إلى الحاسوب
 يقول عمي الحاسن أنه حاول نقل ما أمكن من انشغالات المواطنين، وفق الإمكانيات المتاحة التي كانت بسيطة في البداية وتطورت بمرور الوقت من جهاز التلكس إلى الحاسوب و الرقمنة، حيث  لم يكن بالأمر الهين إرسال الخبر  بالوسائل القديمة، مضيفا يأن الجهد الصحفي الذي بذله عبر مشواره إلى اليوم، كان مقسما بين الجميع في محاولة لتحقيق نسبة معالجة متوازنة بين المسؤول والمواطن، لعدم الوقوع بين منزلقي تتبع الرسميات أو اقتناص السلبيات فقط، كما أن التوازن، حسبه، صعب على أي إعلامي، مع وجود أناس لا يقبلون النقد و وجود من يبحث عن سلبيات الآخرين فقط، بالإضافة إلى التعتيم أو ما يعرف بواجب التحفظ، الذي يمارس حتى في المعلومات البسيطة، في وقت كان  الطموح الأساسي هو الوصول إلى المعلومة بيسر، وأن تكون العلاقة مع الإدارة مثلا مؤسساتية، لا تتأثر بتغير الأشخاص و المسؤولين.
و أثنى محدثنا على دور خلايا الإعلام والاتصال على مستوى العديد من الهيئات و  الإدارات في التجاوب مع الصحفي،و في نفس الوقت يعتبر بأن ضمان المعلومة لم يبلغ الحد المطلوب، لعدم فهم بأن الهدف هو خدمة القضايا العامة ومتابعة حركة المجتمع، و أيضا وجود بعض الإعلاميين البعيدين عن المهنية والموضوعية، حيث يؤكد أنه على الصحفي أن لا يكون قاضيا، و أن ينقل رأي الطرفين المتخاصمين،  ومسؤوليته هي إنارة الرأي العام بما تمكن من معطيات.
كما اعتبر أن ما ينقص الصحفي اليوم هو الجرأة والتكوين الجيد، رغم عددهم المعتبر.عمل الحاسن بلخير كصحفي بوكالة الأنباء الجزائرية، لم يمنعه من تقديم المزيد من الأعمال الإعلامية في الإذاعة التي قال بأن لها» نكهتها وسحرها الخاص»، و ذلك منذ 1990 ، حيث عمل مع القناة الأولى كمتعاون، ثم إذاعة سيرتا في 2007، وصولا في سنة 2010 إلى إذاعة ميلة.
كما أن المبادرات وتفعيل الحركية الثقافية بميلة، تحتل مكانا ضمن اهتمامات بلخير، حيث كان من مؤسسي النادي الفكري بدار الثقافة مبارك الميلي، و هو عضو بمحافظة المهرجان الثقافي الوطني للعيساوة، و عضو بمحافظة مهرجان القراءة في احتفال، و عضو مؤسس بجمعية تواصل السياحية، و يقول أن هذه الأدوار لم تأت صدفة، وإنما هي  إضافة إلى مهنة الصحافة و تعكس تنشئته النضالية في الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية، و حبه للوطن، و هي أشياء نمت  فيه روح التضحية والتفاعل في المجتمع، الشيء الذي سيتفرغ له بعد  التقاعد، ناهيك عن العمل على بعض الأحلام التي تأجل تحقيقها، ومنها ما هو في مجال السمعي البصري.
ابن الشيخ الحسين.م

الرجوع إلى الأعلى