المستهلـك الجزائـري سـاذج و مشكلتنـا في المقلّد واقتصـاد البـازار
أجمع مختصون في الاقتصاد و القانون على أن منتجات خطيرة و مُقلّدة لا تزال تدخل السوق الجزائرية، بسبب عدم قيام أجهزة الرقابة بدورها و استمرار نشاط "بارونات الاستيراد"، و ذلك رغم وجود ترسانة قوانين يرون أنها غير مُطبقة في الواقع و لا تتلاءم مع خصوصية المستهلك الجزائري، الذي يتعامل من منطلق الطيبة و الشفقة مع المتعاملين الاقتصاديين المخالفين، و يرفض حتى تقديم شكاوى ضدهم، وفقا للآراء التي جمعتها النصر أمس الأول على هامش يوم دراسي احتضنته كلية الحقوق بقسنطينة، تحت عنوان "حماية المستهلك بين القوانين و الواقع".
ندوة من إعداد: ياسمين بوالجدري
الباحثة في تنظيم الاقتصاد معكوف أسماء
يجب اعتماد مقاييس جزائرية خالصة
ترى الأستاذة معكوف أسماء الباحثة في تخصص تنظيم الاقتصاد بكلية الحقوق في جامعة قسنطينة 1، أن «بارونات الاستيراد» لا تزال تنشط في السوق الجزائرية، بدليل أن منتجات مستوردة تدخل بلادنا رغم أنها غير مطابقة، مُرجعة ذلك إلى ما أسمته بحالات التواطؤ المترتبة عن تقديم «الرشاوى”.
و قالت الباحثة إن الإشكالية تكمن في أن الجهات المختصة تثبت أن منتجا معينا غير مطابق و تعلن عن ذلك، ليُكتشف بعد شهر أو اثنين أنه يُسوق داخل التراب الوطني، كما تطرقت إلى مسألة الكفاءة بالنسبة لأعوان الرقابة، خصوصا أنها تُقاس، حسبها، بمعيار الخبرة و التجربة، و ليس بالمؤهلات العلمية، و مما زاد من تعقيد الوضع، هو “عدم التطبيق الفعلي» لوجوب العمل بشهادات المطابقة، حيث يحتوي ملف الاستيراد على التصريح بالاستيراد و نسخ من فاتورة الشراء و السجل التجاري. و تقترح الباحثة التي ألقت خلال الملتقى محاضرة بعنوان «آليات الرقابة على المنتجات المستورة»، ضرورة التكوين الذي تراه نقطة أساسية، إذ يجب، حسبها، ألا يمسّ أعوان الجمارك فحسب، بل أيضا مفتشيات الحدود و العاملين بمخابر المراقبة، إلى جانب وضع قوانين أكثر صرامة و وضوحا، كما على المستورد، تضيف المتحدثة، أن يلتزم بالشروط المنصوص عليها، مع اعتماد مقاييس جزائرية و ليس تلك المعمول بها دوليا فقط.

المختص في قانون الاقتصاد البروفيسور قموح عبد المجيد
الجزائر بحاجة إلى جمعيات قوية لحماية المستهلك
أكد البروفيسور قموح عبد المجيد المختص في قانون الاقتصاد و العميد السابق لكلية الحقوق بقسنطينة، أن الجزائر تعيش إشكالية في مجال الاستهلاك، خصوصا أنها بلد مستورِد، و هو ما يتطلب، برأيه، توعية المواطن الجزائري من خلال وسائل الإعلام و جمعيات فعالة ميدانيا. و قال البروفيسور إن الدولة حرصت على المنفعة العامة عندما احتكرت الاستيراد قبل عقود، لكن مع انفتاح السوق أخذ المستوردون مكانها دون أن يهمهم المصلحة العامة، و أصبحوا لا يضعون نصب أعينهم سوى تحقيق الربح السريع، مضيفا أن على الجامعة لعب دورها في التحذير من الأخطار المحدقة بالجزائر في هذا المجال، و هو ما جعل باحثيها يعقدون الملتقى المنظم أمس الأول من طرف مخبر العقود و قانون الأعمال برئاسة الدكتور بن حملة سامي. قموح أوضح أن الدولة تحاول من جهتها حماية المجتمع، لكن الإشكالية تكمن في الشرخ الحاصل بين النصوص القانونية و تطبيقها، داعيا إلى التركيز على ضرورة توعية المجتمع عن طريق وسائل الإعلام التي تلعب دورا لا يمكن استبداله، مع الوصول إلى جمعيات قادرة على إحداث الفارق، خاصة أن منها ما هي ممولة من الدولة لكنها لم تستطع، حسبه، تقديم شيء، بالمقابل توجد في أوروبا، مثلما يضيف، جمعيات لحماية المستهلك أصبحت تلعب دورا محوريا، بالتأثير حتى على قرارات الحكومات و المنتجين.

الدكتورة في القانون الاقتصادي موسى زهية
السلع المغشوشة تُشكّل تهديدا للصحة العمومية
ترى الدكتورة موسى زهية المختصة في القانون الاقتصادي من كلية الحقوق بجامعة قسنطينة 1، أن هناك رغبة سياسية في بلادنا للحد من فوضى دخول السلع المقلدة و غير المطابقة، لكن ذلك يصطدم بنقص في الخبراء و الوسائل، واصفة الاقتصاد الجزائري بـ “اقتصاد البازار”.
و في مداخلات قدمتها خلال الملتقى ، قالت المختصة إن الإشكالية تكمن في أن الاقتصاد الجزائري لا هو اشتراكي و لا هو ليبرالي، بل تحوّل، حسب وصفها، إلى “اقتصاد بازار”، ما يتطلب تطوير سلوك المستهلك، لكن ذلك لا يحدث بين يوم و ليلة، و يتطلب، مثلما تؤكد، تعزيز حقوق المستهلك بصفة أكبر، من خلال التوغل داخل المجتمع، و هو ما اعتبرته التحدي الأكبر.
كما تطرّقت المتحدثة إلى قضية تقليد السلع، التي أصبحت تمثل، بحسبها، آفة كبيرة و مشكلة حقيقية تهدد الصحة العمومية و الأمن، بعدما أغرقت هذه المنتجات السوق الجزائرية، رغم وجود رغبة سياسية في الحد من الظاهرة، لكن ذلك يُقابل بالنقص المسجل في الخبراء و الوسائل، مضيفة أن ما يثير القلق أكثر في مسألة التقليد، هي المنتجات المغشوشة التي تمس مباشرة بأمن و صحة المستهلك، مثل المدافئ الصينية المقلدة التي أودت بحياة العديد من الجزائريين، و كذا ألعاب الأطفال و قطع الغيار و المعدات.

الباحثة في التنظيم الاقتصادي بكلية الحقوق براهيمي هانية
الحل في مراجعة قانون حماية المستهلك
وصفت الباحثة في التنظيم الاقتصادي بجامعة قسنطينة 1، براهيمي هانية، وضع السوق الجزائرية بالفوضوي، مُرجعة ذلك إلى عدم قيام العديد من الأعوان المكلفين بالرقابة بالواجب المنوط بهم.
و الملاحظ، حسب الباحثة، أن الالتزام بمطابقة المنتجات ليس سوى حبرا على ورق، و الدليل هو ما نجده في الأسواق المحلية من منتوجات مغشوشة و مقلدة و دون وسم، و أخرى لا تحتوي حتى على تواريخ انتهاء مدة الصلاحية، مضيفة أن الجهات المكلفة بالرقابة، هي من سمحت بوجود كل هذه المنتجات غير المطابقة في السوق. و ترى الباحثة أن ترسانة القوانين التي تنظم السوق الجزائرية، لا تطبق فعليا، حتى أنها تأتي من الدول الأخرى مثلما هي، و تصب على مجتمعنا دون التحقق إن كانت قابلة للتطبيق في بلادنا أم لا، كما أرجعت ما أسمته بالفوضى الحاصلة إلى بحث التجار و المنتجين عن الربح بأية وسيلة، إلى جانب غياب ثقافة الاستهلاك عن المواطن بصفة عامة، إذ يشتري السلعة الأقل سعرا دون أن يأخذ بعين الاعتبار مدة خطورتها على صحته. و عن الحلول، تقترح الأستاذة براهيمي إعادة النظر في قانون حماية المستهلك من ناحية العقوبات و كذا في الدور المنوط بأعوان الرقابة، سواء بالنسبة للمنتجات المحلية أو المستوردة، كما على المستهلك، برأيها، أن يرتقي بثقافته و يتوقف عن البحث عن السلعة الأقل سعرا.

المنسق الجهوي للشرق بالمنظمة الوطنية لحماية و إرشاد المستهلك
الجزائــــــــــري  يتحـــــــــــرّج   من  إيــــــــــــداع شكــــــــــــــــوى بالتاجــــــــــــــــر
تأسّف المنسق الجهوي للشرق بالمنظمة الوطنية لحماية و إرشاد المستهلك السيد تميم فادي، لعقلية المستهلك الجزائري الذي يرفض تقديم شكاوى ضد التجار الذين يبيعونه سلعا غير مطابقة و يتعامل معهم من منطلق الطيبة، حتى لو تعلق الأمر بصحته و أمنه.
و ذكر محدثنا أن هناك 3 أنواع من المستهلكين بالجزائر، وهم ،  الحريص و العادي و اللامبالي، لكن التشريعات الجزائرية  وُضعت لحماية المستهلك العادي فقط، مضيفا أن الجزائري صار يتمتع بنوع من الوعي في السنوات الأخيرة، فقد أصبح يسأل و يشتكي و يُبلغ، و على سبيل المثال، تضم صفحة الفايسبوك الخاصة بالمنظمة الوطنية لحماية و إرشاد المستهلك «آبوس»، أزيد من 300 ألف متابع، تسعى الجمعية للإجابة على تساؤلاتهم من خلالها، بالتواصل مع المتعاملين الاقتصاديين و الإدارات و الجهات المخولة قانونا.
و أضاف المنسق أن صفحة منظمة “آبوس» تتلقى عددا كبيرا من الشكاوى لا يقل عن 30 شكوى يوميا و من مختلف الولايات، ما جعل مسيريها العشرة الذين تطوعوا لإدارتها، لا يتوقفون تقريبا عن العمل، زيادة على البلاغات التي يتم تلقيها في الرقم المختصر 3311، مؤكدا أنه و في حملة تسقيف أسعار السميد التي أطلقتها المنظمة مؤخرا، تم تلقي 2400 شكوى، غير أن الإشكالية تكمن في أن المواطن الجزائري غالبا ما يطلب عدم البوح بهويته، إلى درجة أن 97.8 بالمئة ممن أرسلوا شكاوى في حملة السميد، فضّلوا عدم الإدلاء بأسمائهم.
هذا الوضع أرجعه السيد تميم، إلى أن الشعب الجزائري شعب طيب، إذ سجلت منظمته شكاوى تم تلقيها  بشأن تجار مخالفين، لكن عندما تطلب من صاحب الشكوى تقديم اسم التاجر و عنوانه يرفض، و يقول «حشمت منو»، و هي إشكالية ذكر محدثنا أنها تُصعّب عمل الجمعية، الذي يعتمد في الأساس على بلاغات المواطنين، زيادة على أنه ليس من حقها، قانونا، أخذ منتج معين محلّ شكوى و إجراء تحاليل عليه.
و يكون العمل التحسيسي و الإعلامي للمنظمة بالنسبة للبلاغات الخطيرة جدا، بالتصرف فورا و إبلاغ الدرك الوطني أو الشرطة أو مديريات التجارة، أما في حالة تسجيل مشاكل مع المتعاملين الاقتصاديين، تتصل الجمعية بالمتعامل المعني، و تطرح عليه الاستفسار الذي يتقبله معظمهم، حيث يقومون بالاعتذار و حتى بترضية المستهلك، لكن هناك من يرفضون الاستجابة، و هنا يتم العودة إلى الشاكي و معرفة إن كان مستعدا لإتباع الإجراءات القانونية، فإذا وافق تتأسس المنظمة معه كطرف مدني، لذلك أحيلت قضايا كثيرة على المحاكم و فاز فيها المستهلكون، و قد كان آخرها، يضيف السيد فادي، شكوى ضد جمعية منتجي المشروبات الغازية، التي حضّرت لرفع الأسعار، ليُقر مجلس المنافسة أن الإجراء غير قانوني.
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى