تعرف ولاية قالمة موجات حر قوية في السنوات الأخيرة حولت حياة سكانها إلى جحيم و أثرت تأثيرا سلبيا على الاقتصاد المحلي و مصادر المياه و الثروة الحيوانية و النباتية،  كما دفعت بالسكان إلى المطالبة بإعادة تصنيف منطقتهم الواقعة في قلب الشمال على بعد 60 كلم عن سواحل البحر الأبيض المتوسط ، و اعتبارها منطقة شبه صحراوية تسري عليها قوانين الجنوب في فصل الصيف.
مطلب بإعادة تصنيف الولاية ضمن خريطة المدن الجافة
بذهول كبير يرصد سكان  قالمة الارتفاع المستمر لدرجات الحرارة خلال كل صيف، و قد كان هذا الموسم أشد وقعا عليهم من ذي قبل، بعدما امتزجت حرارة الشمس بحرارة الحرائق المدمرة التي تعد من بين نتائج التغير المناخي بالمنطقة، إذ أدت موجات الحر القوية و جفاف التربة إلى تضرر الغطاء النباتي و تحوله إلى وقود سريع الاشتعال و غير قابل للإخماد كما حدث في جبال بني صالح و غيرها من الأقاليم الغابية الأخرى التي أتلفت بفعل النيران في بداية أوت الجاري بعدما بلغت درجات الحرارة بقالمة مستويات قياسية تجاوزت 50 تحت الشمس.  
و يتابع الناس التغيرات المتسارعة لدرجات الحرارة بقلق كبير بعد أن تأثرت الحياة الاقتصادية و الاجتماعية بهذه الظاهرة الطبيعية، إذ يتسابقون لتسجيل أعلى درجة حرارة على الأجهزة المثتبة في السيارات و الشاحنات و الحافلات، معلقين بأن الأرقام الرسمية التي تعلنها مصالح الرصد الجوي ربما لا تكون واقعية في بعض الأحيان، خاصة عندما تقترب الحرارة من الخمسين درجة تحت الشمس  كما يطالبون بإعادة تصنيف ولايتهم كمنطقة ساخنة جافة ، حتى تستفيد من مزايا الولايات الجنوبية في مجال العمل و الكهرباء و برامج الدعم الاجتماعي و الاقتصادي السارية المفعول بولايات الجنوب
أسخن منطقة بالمغرب العربي شهر أوت 2017  
صنفت مواقع رصد  الأحوال الجوية، على مستوى دول حوض المتوسط منطقة قالمة كأسخن منطقة في المغرب العربي في شهر أوت الجاري بمعدل حرارة بلغ 46.1 درجة مئوية، متقدمة بذلك على مدن فاس المغربية التي سجلت بها حرارة بلغت 45.4 درجة، و القيروان التونسية أين بلغت درجة الحرارة 45.1 درجة، لتأتي مدينة قسنطينة القريبة رابعة على التصنيف بدرجات حرارة وصلت  لحدود 42.8 درجة مئوية.      
كما سجلت أجهزة قياس الحرارة لدى المواطنين أرقاما قياسية هذا الصيف عندما تجاوز مقياس الزئبق حدود 50 درجة بمدينة قالمة و بعض المدن و القرى الأخرى الواقعة في ضمن المحيط السكني  الكبير الممتد من حمام دباغ غربا إلى مشارف مدينة بوشقوف شرقا، مرورا بعاصمة الولاية التي كانت المنطقة الأكثر تضررا من موجة الحر القوية منذ بداية صيف.   
وقد أوضح مهندسون عاملون بمحطة رصد الطقس بقالمة للنصر، في وقت سابق بأن موقع حوض قالمة الكبير يعد من بين أسباب ارتفاع درجات الحرارة حيث توجد المدينة ضمن  منخفض تحيط به الحواجز الطبيعية من كل الجهات، على غرار جبال دباغ و هوارة،  التي تمنع التيارات البحرية الباردة من الوصول إلى المنطقة، كما تنخفض بها معدلات انعكاس أشعة الشمس باتجاه الفضاء الخارجي حيث تبقى الكتل الساخنة ساعات طويلة على سطع الأرض قبل أن تتبدد ليلا ببعض المناطق لتعود في اليوم الموالي و هكذا طيلة الصيف تقريبا.  
و يعتقد السكان المحليون بأن السنوات الأخيرة عرفت أيضا ارتفاعا مقلقا للرطوبة بسبب كثرة المسطحات المائية و المجاري الطبيعية، التي تتأثر بالحرارة القوية و تتبخر متسببة في معدلات هائلة من الرطوبة التي تزيد من حرارة أشعة الشمس و تجعل أجواء المنطقة غير محتملة و التنفس في غاية الصعوبة خلال ساعات النهار و أحيانا حتى ساعة متأخرة من الليل.  
و توجد بقالمة عدة سدود و حواجز مائية، بينها سد بوحمدان الكبير و سد زيت العنبة و سد مجاز بقر بعين مخلوف و سد قفطة ببلدية نشماية، بالإضافة إلى سدود أخرى على الحدود مع ولايتي أم البواقي و سوق أهراس.    
تضرر 5ألاف هكتار
 من الأراضي الزراعية بسبب الحر
بدأت آثار الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة بقالمة، تظهر بوضوح في السنوات الأخيرة حيث تراجع معدل التساقط إلى أدني المستويات الشتاء الماضي متسببا في موجة جفاف قوية ضربت المحاصيل الزراعية و كبرى سدود المنطقة و في مقدمتها سد بوحمدان الذي يواصل الانكماش و أصبح على مشارف كارثة كبرى قد تحوله إلى حوض جاف إذا تواصلت موجة الحر القوية و الجفاف حتى الشتاء القادم.   و يرى مختصون في مديرية البيئة، بأن سبب انخفاض سد بوحمدان من 180 مليون متر مكعب إلى نحو 20 مليون متر مكعب شهر أوت الماضي، ليس بسبب كثرة الاستهلاك و انخفاض معدل سقوط الأمطار فقط و إنما بسبب الحرارة القوية التي أدت إلى تبخر كميات هائلة من المياه كما يحدث أيضا في المسطحات المائية الأخرى و مجاري الأودية الكبرى التي جفت كذلك هذا الصيف.  
من جهة ثانية تضررت محاصيل القمح أيضا بسبب موجات الحر، و قد كشف بهذا الخصوص مصدر من مديرية الفلاحة، بأن ما لا يقل عن 5 آلاف هكتار من القمح قد تضررت هذا الموسم بسهل الجنوب الكبير و اعتبرت مساحات منكوبة.   و تخوض محافظة الغابات و مديريات الفلاحة و الري و البيئة، معركة مضنية لصد الصحراء التي أصبحت على أبواب سهل الجنوب الكبير بقالمة،  إذ يواجه الغطاء النباتي مخاطر كبيرة بسبب الحرارة و الجفاف، خصوصا بعدما  بدأت البقع الجرداء تظهر بمنطقة عين آركو على حدود ولاية أم البواقي وهو تغيير غير مسبوق لطبيعة المنطقة التي كانت من أغنى السهول الزراعية بولاية قالمة ، بالمقابل يعتقد مربو المواشي، بأن موجات الجفاف و انخفاض مصادر المياه و تضرر المراعي ربما تعد من بين الأسباب التي أدت إلى ظهور الأمراض وسط قطعان المواشي بالمناطق الجبلية الجافة.   
مدينة الأشباح نهارا وقطاع الخدمات الخاسر الأكبر
موجات الحر الكبيرة التي تعرفها الولاية بالأخص هذه السنة، أضرت بقطاع الخدمات بقالمة كثيرا   فشوارع بلديات و قرى كثيرة تتحول إلى فضاءات أشباح  بعد الساعة الحادية عشرة صباحا، و تغلق المحال التجارية أبوابها و تتعطل حركة نقل المسافرين و البضائع على الطرقات الرئيسية عندما تتجاوز درجات الحرارة سقف 40 درجة.
و يعد قطاع الخدمات بعاصمة الولاية الأكثر تضررا حيث أصبح من الصعب العثور على محل تجاري مفتوح بعد منتصف النهار، لدرجة أن زوار المدينة قد يضطرون للبحث مطولا من أجل إيجاد مطعم أو مقهى أو محل لبيع المواد الغذائية و قطع الغيار بعد الظهر، فالسكان و حتى التجار يقاطعون الحركة قبل منتصف النهار، بالمقابل يبقى آلاف الموظفين محاصرين داخل مكاتبهم حتى المساء و كثير منهم يتناولون وجبة الغذاء في مقرات عملهم، خوفا من المغامرة بالخروج تحت درجات حرارة تناهز الخمسين، لأن في ذلك خطرا على صحة المواطنين الذين يتخوفون من ضربات الشمس.  

من جهة ثانية، يغير قطاع البناء بالولاية، مواقيت العمل كل صيف حيث تبدأ الورشات نشاطها في ساعة مبكرة من الصباح ثم تتوقف قبل منتصف النهار للسماح للعمال بالعودة إلى منازلهم قبل أن تشتد الأشعة الحارقة و يتحول السير في الشوارع و الطرقات إلى خطر على الصحة، وفي هذا السياق  تحرص الإذاعة المحلية بقالمة على تحذير المواطنين من موجة الحر بشكل يومي، من خلال النشرات الجوية المحلية و إبراز مخاطر التعرض لأشعة الشمس و السباحة في المسطحات المائية التي تحولت إلى ملاذ للهاربين من الجحيم.  
و لا تسترجع مدن و قرى ولاية قالمة نشاطها حتى المساء و خلال ساعات الليل حيث تحاول مرافق الخدمات تعويض خسائرها و تلبية حاجيات السكان و خاصة بالمدن الكبرى.  
حرارة قالمة تستفز رواد مواقع التواصل الاجتماعي
خلال هذه الصائفة تحولت قضية الحرارة المرتفعة بالولاية، إلى مادة دسمة بالنسبة لرواد مواقع التوصل الاجتماعي القالميين، الذين وجدوا فيها فضاء للتعبير عن معاناتهم بطريقة ساخرة، من خلال التعليقات وصور الكاريكاتير التي تبرز بوضوح مدى تأثرهم بالتغيرات المناخية المتسارعة.   ومن أبرز الصور المتداولة و المعبرة عن الحرارة الاستثنائية التي أصبحت تميز المنطقة عن باقي مناطق الوطن الأخرى، صورة قالمة في الفضاء الخارجي و هي  على شكل كويكب مستقل يقع بين الشمس و الكرة الأرضية و مسافتها أقرب إلى القرص الأحمر المتوهج.  بالإضافة إلى تعابير أخرى، كتلك الصورة التي يبرز من خلالها شاب  يطل من النافذة و بيده لحم دجاج معرض لأشعة الشمس كتعبير عن قوة الحرارة القادرة على شي اللحم النيئ.  و في صورة أخرى، يغرق شاب آخر جسده داخل الماء و يبقي رأسه فقط مكشوفة و هو يقول بأنه الحل الوحيد لمواجهة الحرارة بقالمة.
فريد غربية

الرجوع إلى الأعلى