تلجأ العديد من الأمهات إلى وضع أطفالهن بالروضات الخاصة التي انتشرت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، فلم يعد الطلب عليها مقتصرا على السيدات العاملات و امتدّ إلى ربات البيوت، بالموازاة مع ذلك، برزت مظاهر جديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال قيام العديد من دور الحضانة بنشر صور الأطفال، و هي خطوة ترى بعض الأمهات أنها إيجابية و تسمح لهن بمراقبة أبنائهن عن بعد، فيما تنظر أخريات إليها بحذر، إلى درجة أن بعضهن طلبن إخفاء وجوه الأطفال.
و قد أصبح موقع "فايسبوك" الذي يعد موقع التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية عند الجزائريين، يعجّ بالصفحات الخاصة بروضات الأطفال المنتشرة عبر ولايات الوطن، و ذلك على غرار أغلب المؤسسات و المرافق التي وضعت بوابات افتراضية تسمح لها بالوصول إلى المواطن بشكل أسرع و الإشهار للخدمات المقدمة، و الملاحظ أن هذه الروضات لا تكتفي بوضع الاسم و العنوان المضبوط و أرقام الهواتف، بل تنشر بشكل دائم صورا تظهر ما يجري داخل الروضة خلال الفترتين الصباحية و المسائية.
و يرى مسيرو الروضات أن نشر مثل هذه الصور، و بالإضافة إلى دوره الدعائي و جلب أكبر عدد من المعجبين للصفحة الذين قد يكونون زبائن فعليين يوما ما،  يساعد الأمهات في التعرف عن كثب على نشاطات أبنائهن داخل أسوار الروضة، بما يبعث الطمأنينة في أنفسهن، حيث تحرص معظم الصفحات على نشر مراحل إعداد وجبة الغداء، من وضعها على القدر إلى غاية تقديمها للأطفال، إضافة إلى نشر صور اللمجة و الأماكن التي يدرس فيها الأطفال و يلعبون.
لقطات في كل الأوقات حتى أثناء النوم!
إلى جانب ذلك، لا تتردد معظم دور الحضانة في وضع صور الأطفال على صفحاتها بالفايسبوك دون الأخذ برأي الأولياء و طلب موافقتهم، فتلتقط لهم صورا و هم يأكلون و يلعبون و حتى و هم نيام، فيما يوضع البث المباشر للكثير من النشاطات التي تقام داخل الروضة، مثل أعياد الميلاد و الألعاب الجماعية و غيرها، أما الملفت في الأمر فهو أن بعض الروضات تدوّن أسماء الأطفال إلى جانب الصور، ما يجعل التعرف عليهم أسهل. هذه المنشورات تلقى تفاعلا من طرف مستخدمين يكونون في الغالب أمهات الأطفال أو أقربائهم، من خلال النقر على زر الإعجاب أو التعليق بعبارات تعكس رضاهن و ترحيبهن بذلك، و في هذا الشأن تقول فتيحة و هي أم تتابع صفحة روضة ابنها ذي الأربع سنوات على "الفايسبوك": "لقد أعجبتني الفكرة، فقد سمحت لي بمراقبة ابني بشكل غير مباشر و معرفة ما يأكل و ما الذي يفعله طيلة اليوم، إلى درجة أني اتصلت في إحدى المرات بالروضة عندما لم أجده في الصور، فتلقيت توضيحات من المسيرين بأنه كان نائما في تلك الأثناء».
و قد استغلت بعض الأمهات نشر الصور من أجل إبداء ملاحظاتهن حول كيفية التكفل بالأطفال، على غرار سيدة علّقت في إحدى الصفحات بأنها لا تحبذ طريقة وضع الطاولات التي يجلس عليها الأطفال للأكل، فردت إدارة الصفحة بأنها ستأخذ رأيها بعين الاعتبار، كما لا تخلو التعليقات من إبداء ملاحظات حول نوعية الطعام و كمية الوجبة و غير ذلك.بالمقابل، تتحفظ العديد من الأمهات عن نشر صور أبنائهن على صفحة متاحة لعشرات الآلاف من الأشخاص، و ترين أن في ذلك خطورة محتملة على الأطفال، حيث قالت إحداهن إن صرامة الروضة التي تضع بها ابنها من خلال السماح لوالديه فقط باصطحابه، لا يمنع من إمكانية حدوث حالات اختطاف من طرف أشخاص سيعرفون صورة ابنها و أين يدرس و ربما اسمه عن طريق "الفايسبوك"، و هو ما جعلها تطلب من إدارة الروضة إخفاء وجهه في الصور المنشورة. و رغم أن البعض يرى أن التخوفات التي تبديها فئة من الأولياء مبالغ فيها، إلا أن آخرين يعتبرونها مشروعة، بالنظر إلى الأخطار التي أصبحت شبكة الأنترنت و مواقع التواصل الاجتماعي تشكلها على الأفراد، مضيفين أنهم لن يخسروا شيئا إذا طلبوا إخفاء ملامح أولادهم في الصور، لكنهم قد يجدون أنفسهم في مواجهة مشاكل أخرى يفضّلون غلق جميع الأبواب لصدّها و حماية أبنائهم من أية أخطار مهما كانت نسب حدوثها ضئيلة.

أستاذ بكلية الحقوق بقسنطينة يؤكد
القانــــــون يمنــــع استغـــــــلال القصــــــر في الإشـــهار التـــــجاري
و يؤكد بن حمودة بوبكر أستاذ العلوم القانونية بكلية الحقوق في جامعة قسنطينة 1، أن قيام الروضات بنشر صور الأطفال على الأنترنت، غير قانوني و يُعد شكلا من أشكال استغلال القصر لأغراض إشهارية، خاصة إذا تم ذلك دون علم و موافقة أوليائهم.
و ذكر المختص أن قانون الإشهار الجزائري يمنع استغلال «الفايسبوك» في الإشهار لمؤسسات أو منتجات معينة، مؤكدا أن كل ما ينشر على هذا الموقع غير مضبوط بقوانين محددة و خاصة، زيادة على ذلك، يعد وضع صورة طفل بالموقع حتى لو لم يكن لغرض إشهاري، انتهاكا لحرية الأفراد و استغلالا للقصر، يضيف الأستاذ، سيما إذا لم يوافق أوليائهم على ذلك في إطار دفتر شروط و قانون داخلي يُفترض أن يطلعوا عليه مسبقا و يوافقوا على بنوده. و تأسف السيد بن حمودة للإطار القانوني المبهم الذي قال إن غالبية دور الحضانة الخاصة تسير عليه، بحيث تخضع لوصاية مديرية النشاط الاجتماعي، لكنها تعمل بمنطق تجاري،  و هو ما يفتح المجال أما حدوث العديد من التجاوزات، و ذلك مقابل عدم استحداث هيئة ضبط للإعلام الشبكي لمراقبة المضامين الالكترونية المنشورة على شبكة الأنترنت، التي أصبحت متاحة للجميع و تُمكن من الاطلاع على خصوصيات الآخرين.      
ياسمين.ب

الرجوع إلى الأعلى