سكـــــان يحوّلــــون "ثيفرضــوث" إلى قطعـــــة من الجنـــــــة بأعالــــــــي جبـــال القبائـــــــــل
تحوّلت قرية «ثيفرضوث» التي تربعت مؤخرا على عرش النظافة في الطبعة الخامسة لمسابقة «عيسات رابح لأنظف قرية» التي نظمها المجلس الشعبي الولائي لتيزي وزو، إلى جنة فوق الأرض يمتزج فيها عبق التاريخ و سحر الطبيعة الخلابة و المناخ المعتدل،
 مع الجمال العمراني و الديكور الجذاب و النظافة التي صنعتها سواعد أبنائها.
سامية إخليف
القرية التي تتمتع برونق خاص بها ، تتميز بالمعمار التقليدي القبائلي الفريد من نوعه و الهدوء الجبلي الذي يريح الأعصاب، تعتبر وجهة سياحية هامة للباحثين عن الراحة النفسية، بعيدا عن ضغوط العمل و ازدحام و ضوضاء المدن، لقد أصبحت اليوم «ثيفرضوث» مثالا يحتذى به و نموذجا في مجال التضامن بين سكانها و احترام البيئة، فالجميع من الأطفال الصغار إلى الكبار، يحافظون على نظافة كل جزء من القرية.
تقع هذه القرية التي تقابلها قمة لالة خديجة الشامخة ، و  تعتبر الأكثر ارتفاعا في منطقة القبائل الكبرى، حيث يصل ارتفاعها إلى 1197 مترا عن سطح البحر، بين أحضان بلدية أبي يوسف بدائرة عين الحمام بحوالي 60 كلم في الجهة الشرقية الشمالية لعاصمة جرجرة تيزي وزو، و يتميز سكانها بروح التضامن و الانضباط، وهو ما ساعدهم على التفوق و نيل لقب أنظف قرية، و أثمرت جهود  السكان الرامية إلى حماية القرية من التلوث ، بالفوز بجائزة مالية بقيمة 8 ملايين دج في نفس المسابقة.
يمكن الوصول إلى قرية «ثيفرضوث»، انطلاقا من مدينة تيزي وزو، مرورا بالأربعاء ناث إيراثن أو دائرة مقلع، عبر الطريق الوطني رقم 15 الملتوي، و الذي يتميز بكثرة المنعرجات بين أحضان الطبيعة الجبلية الخلابة و روعة تضاريسها، حيث يمكن للزائر أن يتمتع بجمالها، و يلقي نظرة على بقية القرى التي تكسوها مساحات خضراء و كذا الضباب الذي يلوح في الأفق على حواف جبل لالة خديجة الشامخ، و أول ما يقابلك عند الوصول إلى «ثيفرضوث»، البوابة الرئيسية للقرية التي تمت توسعتها، و تضم شاشة إلكترونية كتب عليها «مرحبا بكم في قرية ثيفرضوث»، و تزود الزوار بمعلومات حول ارتفاع هذه القرية.
«التويزة» سر تفوّق «ثيفرضوت»
سبق لسكان قرية ثيفرضوث البالغ عددهم 1500 نسمة، المشاركة في مسابقة «عيسات رابح» لأنظف قرية خلال الطبعة الرابعة في الموسم الفارط، إلا أن الحظ لم يحالفهم للفوز باللقب، بالرغم من أنهم لم يكونوا بعيدين عنه، و اكتفوا بالمركز العاشر، إلا أن اليأس لم يتسلل إلى قلوبهم  و لم يفقدوا الأمل في التفوق ، مما دفع بهم إلى بذل جهود أكبر و المثابرة  لافتكاك الجائزة الأولى، بالإرادة و الاتحاد و التضامن بين جميع أبناء القرية الذين يعيشون في انسجام كلي.
و قال أحد أعضاء لجنة القرية، أن مشاركتهم السنة الماضية في مسابقة «عيسات رابح»، كان قبل ثلاثة أشهر فقط من المسابقة، مضيفا «عندما زارتنا اللجنة المكلفة بمعاينة القرى المشاركة ، أدركنا أن العمل الذي قمنا به لم يكن كافيا ليؤهلنا لنيل جائزة أنظف قرية، فقد قمنا فقط بالتخلص من النفايات و فرزها و بعض الأمور الأخرى، إلا أن هناك نقائص كثيرة يجب أن نتداركها ، وهذا لا يعني أن قريتنا لم تكن نظيفة من قبل، لأن النظافة في قريتنا واجب مقدس و قد تعودنا على تنظيف المحيط و رفع الأوساخ، مهما كان نوعها من الأرض، كما أن الرمي العشوائي للنفايات محظور و ذلك وفق قانون داخلي يسير القرية ، و  في فصل الصيف ننظف محيط القرية بنزع الأعشاب  الضارة و التخلص من الجافة لتفادي الحرائق، وفكرة المشاركة مرة أخرى في المسابقة كانت تراودنا دائما و لم نفقد الأمل في الفوز و قررنا مضاعفة الجهود، و رفع التحدي من جديد باعتماد خطة عمل نسير عليها وتؤهلنا للفوز ، حافظنا على التقاليد لأننا منذ القديم نعتمد على روح التضامن و «ثيويزي» ،أي «التويزة»، لإنجاز المشاريع المشتركة في القرية، كما أضفنا لمسة عصرية و أنجزنا مشاريع و منشآت ذات قيمة جمالية و مادية عالية» .

 و أكد المتحدث بأنهم اعتمدوا في عملهم على خبرة سكان القرية القاطنين في الجزائر أو خارج الوطن، و اشتغلوا بسواعدهم و مؤهلاتهم و اختاروا من لديه أفكارا جديدة و جيدة ليساعدهم في تطوير مخطط العمل.
وخلال انطلاق الأشغال، تجند الجميع كبيرا و صغيرا للعمل، حتى تبدو قرية «ثيفرضوث» الأجمل و الأنظف في ولاية تيزي وزو، من بين القرى 78 المشاركة، و كانت تعقد «ثجماعث» أو مجلس القرية لتوزيع المهام و الاتفاق حول طريقة التسيير التي سيعتمدون عليها لإخراج قريتهم من العزلة و تحويلها إلى جنة ساحرة، و بإمكان الزائر أن يرى مدى نظافة أزقة و شوارع القرية مباشرة لدى وصوله إليها، على امتداد الأرصفة الملونة بالأبيض و الأحمر و المزينة بالأشجار على طولها.
و أكد من جهته رئيس لجنة القرية أويذير حمداش، بأن السكان كانوا يقومون بعمليات التويزة لانجاز المشاريع المشتركة يوميا، و يعملون ليل   نهار ، رجالا ونساء وأطفالا  لتهيئة القرية و تنظيف أزقتها و شوارعها الرئيسية، و حتى أبناء القرية القاطنين خارج ولاية تيزي وزو أو في الخارج ساهموا بأفكارهم و خبرتهم و تبرعاتهم في تحسين وجه قريتهم ، بإنجاز بعض المرافق و المنشآت الضرورية ، و أول ما قاموا به هو القضاء على المفرغة التي كانت تشوه منظر القرية الكائنة قرب المقبرة، و تم بالمقابل تخصيص حاويات لرمي النفايات بلون واحد و وضع السلال عبر كافة أزقة القرية مع تحديد نوع النفايات التي توضع فيها، و رغم بساطة هذه الفكرة إلا أنها أعطت ثمارها، و ساهمت النساء في عملية فرز النفايات المنزلية بوضع كل مادة في الحاوية المخصصة لها، حيث قمن بعزل الورق و الزجاج و الألمنيوم و غيرها من المواد غير قابلة للتحلل البيولوجي، أما قشور الخضر و الفواكه فيتخلصن منها بالطريقة التقليدية برميها في بساتينهنّ، حيث تتحول إلى سماد طبيعي، في حين يوزع الخبز اليابس على مربي المواشي .
تهيئة  الينبوع السفلي لعابري السبيل
في وسط القرية، تمت تهيئة مجلس القرية أو «ثاجماعث» التي يجتمع فيها أعضاء لجنة القرية لعقد اجتماعاتهم الدورية و التي يخصصونها لعدة قضايا تهم القرية مثل فض النزاعات بين السكان أو الإشراف على العمليات التطوعية، مثل المشاركة في تشييد مشاريع ذات منفعة عامة أو المساهمة في تنظيف القرية وغيرها من الشؤون التي يتم النظر فيها من قبل «ثاجماعث»، و قد تم تحسين مظهر هذا المجلس الذي يمر منه كل من يدخل إلى القرية، كما قاموا بتسقيف مدخله و تزيينه بالأحجار و الورود المتنوعة التي تنبعث منها رائحة عطرة، وحسب أعضاء لجنة القرية فإن بلوغ هدفهم المنشود و سر نجاح مختلف العمليات التي يقومون بها لفائدة القرية ، يكمن في كون كل القرارات التي تهم القرية تتخذ بالإجماع في «ثاجماعث».
و في قلب القرية توجد «ثلى نوادا» بمعنى «الينبوع السفلي» الذي يعود إلى قرون خلت، حسب السكان، الذين أكدوا أن هذا المنبع الذي قاموا بتهيئته بطريقة عصرية جميلة، يعتبر مصدر التزود بالمياه الصالحة للشرب، سواء لسكان القرية أو عابري السبيل منذ القديم، كما يتوقف عنده المارة لأخذ قسط من الراحة  و تذوق مياهه العذبة، قبل أن يواصلوا طريقهم إلى وجهتهم ، و من أجل تمكين أكبر عدد ممكن من المارة و السكان من استغلال مياه هذا الينبوع المائي سيقوم أهل القرية بتوسعته و إضافة منبع آخر أكبر منه.
  الساحات حوّلت  إلى مساحات خضراء
تم استغلال جميع الأماكن المهملة في القرية و قام السكان بتهيئتها و تحويلها إلى مساحات خضراء، وضعوا فيها طاولات و كراس للجلوس و الراحة، كما زينوها بالنافورات التي كانت موجودة من قبل و ردمتها العاصفة الثلجية التي اجتاحت القرية في شتاء 2012 ، و تسببت في انزلاقات أرضية قبل أن يقرروا بناءها من جديد، مع المحافظة على طابعها التقليدي الجميل، و اليوم لا تتوقف مياهها عن التدفق  و هو ما زاد القرية جمالا و بهاء، و تعتبر هذه المساحات الخضراء مكان التقاء القرويين ، كما خصصوا جزءا منها  للعب الأطفال و زودوه بمختلف الألعاب ، حتى يتسنى لأطفال القرية الصغار قضاء أمتع الأوقات ، كما تم تزويد مسجد القرية بكل المستلزمات، و للمحافظة على نظافة البيئة، كتب على إحدى اللوحات «النظافة البيئية تحتاج إلينا جميعا».
و ما زاد في جمال قرية «ثيفرضوث» أصص الأزهار المعلقة على جدران المنازل التقليدية المشيدة بالأحجار، كما وضعت أخرى بين أزقتها الإسمنتية الضيقة، إضافة إلى الرسومات المختلفة التي زينت جميع حيطانها و التي تعبر عن ثقافة أهل المنطقة الذين حافظوا على الهندسة المعمارية التقليدية للقرية، و لكي يعرف زائرو القرية تاريخ المنطقة و نضال أبنائها و كفاحهم في سبيل الوطن، تصادفك لوحات تشكيلية عبر أسوار شوارعها الرئيسية
 و في مدخلها،  تخلّد ذكرى و مسيرة شهداء المنطقة 28 الذين سقطوا في ميدان الشرف.
إنجاز ملعب مغطى بالعشب الاصطناعي
بفضل تضامن كل سكان قرية «ثيفرضوث» وتبرعات القاطنين فيها و خارجها و الجالية في المهجر،  تم انجاز مرافق شبانية و ترفيهية لفائدة أبنائهم ، من بينها ملعب مغطى بالعشب الاصطناعي قاموا بالاعتماد على سواعدهم في تشييده، لاستغلاله في لعب كرة القدم و كرة السلة، و يعتبر هذا الملعب المكان المفضل لأطفال القرية، خاصة في أوقات الفراغ.
هذا الفضاء الرياضي لا يستقطب فقط الشبان و الأطفال بل حتى الفتيات اللائي تستهويهنّ كرة القدم، حيث قمن بإنشاء فريق خاص بهنّ و يشرف شبان متطوعون على تأطيرهنّ و تدريبهنّ.
و من بين المشاريع الحيوية الأخرى التي قام القرويون بإنجازها بإمكانياتهم الخاصة، مركز ثقافي و مسبح و دار للحضانة زينت حجراتها بأبهى الصور و أجمل الطاولات و الكراسي للبراعم الصغار.
و تم أيضا انجاز «أخام تدارث»، أو ما يسمى ببيت القرية و يتكون من عدة طوابق ، و يضم قاعة كبيرة و فناء ، ليستغله السكان في المناسبات العائلية مثل الأعراس أو الختان، كما يمكن استعماله في العزاء.
و تتوفر اليوم قرية «ثيفرضوث» على جميع مقومات العيش الكريم، فضلا عن الجمال الطبيعي الذي تتميز به عن بقية قرى تيزي وزو، و تمكن أبناؤها البسطاء من إخراجها من عزلتها، لتتحول إلى مقصد سياحي جميل يجد فيه السائح كل ما يرغب فيه من أماكن الراحة و الترفيه و كرم الضيافة و حسن الاستقبال.                  
س.إ

الرجوع إلى الأعلى