خليط تركي مغربي يقضي على نكهة العرس الوهراني
أبانت الطبعة السادسة لصالون «العرس مبروك»  بوهران، عن تغيّر جذري في العادات المحلية لإحياء حفلات الزفاف،  بعد أن دخلت عليها أساليب عصرية أفقدتها نكهتها الأصلية،  الظاهرة بدأت  في الإنتشار، مع تزايد عدد متعهدي الأعراس المختصين في تنظيم بعض الطقوس النابعة من العادات والتقاليد، لكن كل سنة يدخلون على هذه العادات، لمسات جديدة مستقاة من تقاليد أجنبية ، حتى أصبحت  حفلات الزفاف تشعرك وكأنك تجوب العالم وغابت وسط  «عولمة التقاليد»،    أغلب الطقوس التي يروي كل جزء منها قصصا وحكايات عن تراث كل منطقة من مناطق الجزائر.
في هذا الصدد يقول الشاب محمد يحياوي، وهو من أشهر متعهدي الأعراس في وهران، بأنه يستجيب لطلبات الزبائن وأذواقهم، وكذا إمكانياتهم المادية، مضيفا بأنه يسافر في كل مرة لدولة ما ، ويستقي منها أزياء تقليدية أو أفكارا قد تضيف الجديد الذي يستقطب الزبائن، و بفضل الأفكار التي جاء بها من الخارج أصبحت العرائس تتهافتن عليه وتطلبن الجديد، مثلما قال.
«النقافات» تسيطر على أعراس الوهرانيين
يقول محمد يحياوي أن «النقافات» هي طقوس تعود للحضارات القديمة، منها الحضارة الرومانية والفرعونية، حيث كان الملك أو المقربون منه، مثل عائلته ووزرائه ، يحملون على الأكتاف بواسطة ما كان يسمى «حمالة»، وهي على شكل مقعد مريح، ويضيف محدثنا، أنه لا يدري كيف تطورت الفكرة في المغرب، وأصبحت تخص حمل العرائس فرحا بهن، و إعلاء لقيمتهن في المجتمع، لأنهن سيشكلن عائلات، وهذا الفعل كان له أثر كبير على المجتمع، إلى أن أصبحت «النقافات» أساس الأعراس المغربية، وحسب بعض المصادر، فإن كلمة «نقافات» تعني مرافقات العروس، والمتكفلات بتزيينها وتحضيرها لعريسها، وشيئا فشيئا انتقلت هذه العادات لمدن الغرب الجزائري بفعل القرب الجغرافي الذي جعل متعهدي الأعراس، ينقلون تقاليد جديدة للأعراس الجزائرية.
وهنا أكد محمد بأنه من حين لآخر ينتقل إلى المغرب لجلب الجديد من ألبسة وأفكار وتطبيقها في الأعراس الوهرانية بلمسته الخاصة،  وكانت فكرة «النقافات» في بداية دخولها إلى و هران عبارة عن «عماريات» تحمل فيها العروس و العريس، وتحمل من طرف أربعة شبان يطوفون بهما في وسط قاعة الحفلات حتى يراهما جميع الحاضرين، و تتكرر العملية، كلما غيرت العروس اللباس التقليدي، وهنا يحدد ذوق العروسين و قدرتهما المادية عدد «الرفدات» أي حمل «العماريات».
و أصبحت تدريجيا يرافق «النقافات» فرق القرقابو  ثم فرق القورارة أيضا، وهي تقدم نوعا غنائيا وموسيقيا ينبع من عمق الجنوب الجزائري ببشار وأدرار، كما استرجع منظمو الأعراس، عادة غابت لفترة وهي نقل العريس لعروسه وهو يمتطي حصانا ويلبس البرنوس الأبيض.
ويشير محمد إلى أن عروضا كثيرة قدمت له من خارج الوطن، لكن يتعذر عليه ذلك، لأن السفر خارج الوطن بالنسبة للفرق لا يكون متيسرا إلا في إطار جمعية.
البلوزة الوهرانية تنافس «باحتشام» «القفطان»  و«الساري»  
 خلال جولتنا بين أجنحة الصالون، بدت البلوزة الوهرانية ، وكأنها تتوارى عن الأنظار في طريقة عرضها للزوار، كما كانت وحيدة في بعض الأجنحة بين طغيان الألبسة التقليدية الأجنبية، فنادرا ما يرى الزائر بلوزة وهرانية و حتى  وإن وجدت، فهي ليست ذات نوعية راقية، مثل الأصناف الموجودة في المحلات، ورغم أن البلوزة بدأت هذا العام تسترجع مكانتها الضائعة، عن طريق الروتوشات العصرية التي أدخلت عليها، إلا أن غلاء سعرها جعل السيدات والعرائس ينفرن منها، حيث يصل ثمن بعض أنواع البلوزة إلى أكثر من 15 مليون سنتيم، مما زعزع مكانتها في جهاز العروس التي أصبحت تلجأ لكرائها من المحلات من أجل التصديرة ثم تعيدها.
في  الصالون لاحظنا عرضا مكثفا للقفطان المغربي بكل أشكاله وأنواعه والذي عوض البلوزة في جهاز العروس و في بعض الأحيان تقتني العروس نوعين أو أكثر من هذا اللباس، الذي قد يفوق سعره 10 ملايين سنتيم، مثل لباس الساري الهندي، الذي أصبح موضة في تصديرة العروس الوهرانية ، وبسبب غلاء ثمنه نادرا ما تشتريه العروس، بل تلجأ لكرائه أيضا، حيث يقول محمد يحياوي بهذا الصدد، بأنه في كل سنة يسافر إلى الهند للتعرف على آخر روتوشات الموضة في اللباس الهندي،  و بعض السيدات يطلبن منه جلب القماش الهندي لاستعماله في تصميم بعض أنواع البلوزة.
«الشدة» تصارع من أجل البقاء

في ما يتعلق بجهاز العروس، لا تزال «الشدة» النوع الوحيد بالغرب الجزائري الذي يصارع من أجل البقاء، فلا معنى للعرس دون «الشدة» التي أصبحت تراثا عالميا، و رغم انتسابها لتلمسان أين تطورت و ارتقت، فجذورها، حسب بعض البحوث التراثية، من شرق أوروبا قديما ، ثم انتقلت مع الفتوحات الإسلامية إلى شمال إفريقيا، خاصة في عهد العثمانيين الذين كانوا يلبسون قفطانا مرصعا ويضعون على رؤوسهم قبعات مرصعة أيضا، لكن الحكام الرجال منهم من كان يلبس الشدة إلى أن نقل الجزائريون هذا اللباس إلى النساء، لأنه يناسبهن أكثر.
ومن شدة فخامة اللباس المرصع والمرفوق بجواهر كثيرة، تحوّل  مع مرور الزمن إلى زي خاص بالعروس ، ولا استغناء لها عنه يوم عرسها، خاصة في مراسيم الحناء.
ويشير الشاب محمد يحياوي، إلى أنه يضفي  على أكسسوارات «الشدة» لمسته الخاصة وإبداعه، حتى تستقطب العرائس الباحثات عن الاختلاف.
و اعترف بأنه يبحث عن هذه اللمسة حتى من تقاليد أخرى غير جزائرية، موضحا  « لمستي الأجنبية لا تفقد التقاليد روحها الأصيلة، وكلما أحسست بهذا أعود ثانية للتراث الجزائري الغني».
و في أجنحة أخرى في الصالون وجدنا تهافتا على البرنوس التونسي، بدل البرنوس الجزائري المطرز باليد ، وفق رموز تقليدية، كما تم أيضا عرض أفرشة وديكورات و لوازم  العروس من تونس.
«الخنفساء» تزيح  «الليموزين» واختفاء «الكاليش»
لفت انتباهنا و انتباه زوار الصالون أول أمس عرض سيارة من نوع فولكسفاغن «خنفساء» المعروفة بـ «كوكسينال»، وهي مزينة في جناح صاحبه متخصص  بتوفير سيارات العروسين والكاميرا والصورة الفوتوغرافية وبعض اللواحق، حسب طلب العرسان، وأوضحت المضيفة التي وجدناها في الجناح، بأن هذه «الخنفساء»،  هي جديد هذا العام للخروج عن المألوف من سيارات «مرسيدس» و«الليموزين» وغيرها، خاصة مع تنامي موضة السيارات القديمة التي أصبحت تعبر عن «نوستالجيا» خاصة لدى الجزائريين.
لقد أحسسنا بهذا الحنين و نحن نشاهد تهافت الجمهور على التقاط صور مع «الخنفساء» المزينة والتي علقت بآخرها آلة موسيقية تراثية هي «القمبري»، كرمز للأعراس القديمة في الغرب الجزائري، و هكذا غاب «الكاليش» عن الأعراس، رغم أنه كان من أبرز وسائل نقل العرسان لفترة طويلة من الزمن، ثم عاد في بداية الألفية الثالثة بقوة، ليضفي على العرس نكهته الخاصة بنقل العرسان، سواء إلى قاعة الحفلات أو الفندق، أو حتى إلى المنازل . المهم أن يحاط بفرق فلكلورية ومرافقي العرسان و هم يمشون على الأقدام في الموكب، ثم أصبح «الكاليش» ليصنع الفرجة صيفا، في عدة نقاط من المدن لينقل السياح والجزائريين الذين تغمرهم «نوستالجيا» الزمن الجميل ليختفي تماما في السنوات الأخيرة.
   جهاز و لوازم ليلة الحناء بلمسة تركية
لم نجد نكهة الحلويات التقليدية عبر أجنحة الصالون، مثل «المقروظ» الذي كان ولا يزال من بين الحلويات التقليدية الراقية في الغرب الجزائري، ويحتل تقريبا مركز الصدارة، لكن للأسف فقد مؤخرا تلك المكانة في الأعراس العصرية، إلى جانب الكعك، وتم تعويضهما بتشكيلات زخرفية مصنوعة من «عجينة اللوز» بألوان مختلفة، لكن ذات ذوق واحد، وحلويات أخرى لا تزال تصنف على أنها  تقليدية، لكن يبدو أنها تكاد تفقد كل صلة لها مع الجذور ، في ظل طغيان اللمسة التركية ، كما طغت أيضا الديكورات التركية على أدوات العروس و لوازم الحناء وفوطة ولوازم الحمام وبعض الأفرشة والديكورات.
بن ودان خيرة

الرجوع إلى الأعلى