كثيرا ما تعتري الأسر الجزائرية مشاكل شتى سواء بين الأزواج، أو بين الأصول والفروع أو بين الأشقاءـ تغذيها عوامل نفسية واجتماعية من طمع وجشع وغيرة وحسد، وعوامل اجتماعية واقتصادية على غرار رتابة الحياة وعدم تجديدها بين الفينة والأخرى، والإكثار من الرقابة ومتابعة العيوب التي لا يخلو منها أي شخص، والغفلة عن الحسنات في العلاقات الأسرية مقارنة بالمساوئ. وغيرها من العوامل التي يكون لها انعكاس سلبي على استقرار الأسرة وديمومتها.
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
إن الأسرة مجموعة علاقات متشابكة تحكمها منظومة الحقوق والواجبات، التي ورد فيها قوله تعالى: ((وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ))، فكل عنصر في الأسرة له حقوق وعليه واجبات، فللمرأة زوجة كانت أو أما أو أختا حقوقا عظيمة يجب أن تراعى من قبل الأزواج والأبناء، وعليها واجبات أسرية ينبغي عليها أن تؤديها، وللرجل زوجا كان أو أبا أو أخا حقوق يجب أداؤها له، وعليه واجبات تجاه فروعه وأصوله وزوجته ينبغي عليه القيام بها، والأسرة تحافظ على استقرارها مادمت الحقوق مصانة والواجبات مُؤداة على أكمل وجه؛ لكن يحدث كثيرا أن يقصر طرف ما في واجباته ويعزف عن أداء حقوق غيره، أو يطمع فيما ليس من حقه، فيؤدي هذا إلى اختلال الرابطة الأسرية واهتزازها وربما انخرامها.
فالزوج قد يطالب زوجته بواجبات ليس من صميم حقوقها عليه، ويأمرها بأوامر لا تدخل ضمن دائرة الحقوق، فإن أبت أو اعترضت عنفها باللفظ أو اليد، أو هددها بفراق وطلاق، فالكثير من الأزواج يفهمون خطأ معنى القوامة، فيجعلون منها سلطة استبدادية داخل الأسرة، غير مقيدة بضوابط الحقوق الشرعية، وكذلك الزوجة قد تكلف زوجها ما لا يطيق في الإنفاق، أو تغض الطرف عن محاسنه ولا ترى إلا مساوئه، مما يؤدي إلى النفور والضجر، وكل هذا قد يحدث داخل فضاء أسري ممل قلما يتجدد بسياحة أو نزهة أو هدية أو ابتسامة.
وعلى غرار الأزواج يحدث أن تصل الخلافات الأسرية إلى الأشقاء، ليس فقط بسبب إرث ما يتوارثونه بل أيضا داخل الأسرة الأبوية حين يطمع أخ في أخذ حق أكثر من حق أخيه أو يسعى لاستمالة أبويه اللذين قد يقعا في شباكه فيؤثرون أخا على أخيه ويخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)، .ولعل من الآثار السلبية للخلافات الأسرية انخرام الأسرة وتفككها وظهور الشجار بين  الأشقاء وربما الاقتتال، وهذا ما يسعى الإسلام لمنع حدوثه من خلال تشريعاته التي وضعت آليات للحيلولة دون حدوثها لو التزم الناس بها ووقفوا عند حدودها.
ع/خ

أنـــوار
في ذكرى الكواكبي : رائد الحداثة المؤمنة
تمر اليوم الذكرى الخامسة عشر بعد المائة لرحيل العلامة عبد الرحمن الكواكبي الذي وافته المنية مسموما في 13 جوان 1902م الذي يمثل أنموذج رجل الدين المصلح المتكيف مع الدولة الحديثة ومؤسساتها، كما عبر عن ذلك في كتابه طبائع الاستبداد، الذي لم يكتف فيه بتقرير قناعاته والدفاع عنها؛ بل انتقد المعارضين للتماهي والدولة الحديثة؛ فبعد أن ذكّر ببعض أسس المدنية الحديثة ودولتها وقيمها الإنسانية قال: (.. وهذه القواعد التي قد صارت قضايا بديهية في الغرب لم تزل مجهولة أو غريبة أو منفورا عنها في الشرق؛ لأنها عند الأكثرين منهم لم تطرق سمعهم، وعند البعض لم تنل التفاتهم وتدقيقهم، وعند آخرين لم تحز قبولا؛ لأنهم ذوو غرض، أو مسروقة قلوبهم، أو في قلوبهم مرض) ثم كشف عن نظرته للدولة الحديثة ومؤسساتها من خلال تساؤلات انصبت على خمس وعشرين مبحثا من مباحث الحياة السياسية الغربية، وهي مبحث الأمة/الشعب، ومبحث الحكومة، ومبحث الحقوق العمومية، ومبحث التساوي في الحقوق، ومبحث الحقوق الشخصية، ومبحث نوعية الحكومة، ومبحث وظائف الحكومة، ومبحث حقوق الحاكمية، ومبحث طاعة الأمة للحكومة، ومبحث توزيع التكليفات، ومبحث إعداد المنعة، ومبحث المراقبة على الحكومة، ومبحث حفظ الأمن العام، ومبحث حقوق السلطة في القانون، ومبحث تأمين العدالة القضائية، ومبحث حفظ الدين والآداب، ومبحث تعيين الأعمال بقوانين، ومبحث كيف توضع القوانين، ومبحث ما القانون وقوته، ومبحث توزيع الأعمال والوظائف، ومبحث التفريق بين السلطات السياسية والدينية والتعليم، ومبحث الترقي في العلوم والمعارف، ومبحث التوزيع في الزراعة والصنائع والتجارة، ومبحث السعي في العمران، السعي في رفع الاستبداد.وعلى الرغم من أن الكواكبي لم يذكر رأيه صراحة في هذه المباحث إلا أن أسلوبه في عرضها من خلال الأسئلة المتقابلة إزاء كل مبحث يبرز مدى تبنيه للمنظومة الغربية الحديثة في فلسفتها ونظامها. وهو الذي نجده يكاد يماهي بين الشورى والديمقراطية الغربية عندما يقول: (وقد جعلت أصول حكومتها [الدولة الإسلامية] الشورى الإرستقراطية، أي شورى أهل الحل والعقد في الأمة بعقولهم لا بسيوفهم، وجعل أصول إدارة الأمة التشريع الديمقراطي، أي الاشتراكي [التشاركي]).
الكواكبي الذي سخر حياته لمجابهة الاستبداد ومحاولة إقناع المسلمين سلطة وشعبا بقبول الدولة الحديثة دفع ثمن نضاله بمقتله مسموما في إحدى المقاهي؛ لكن منهجه الذي أرسى لما يمكن أن نسميه بالحداثة المؤمنة؛ حين ظل حريصا على التأصيل للحداثة ومؤسساتها بنصوص وآثار شرعية، ما يزال قادرا على العطاء والتجاوب رغم الانتكاسة التي أصابت مشروع التحديث الذي قاده مع رفاق دربه محمد عبده والأفغاني وغيرهم بسبب ظروف تاريخية، بعضها داخلي وبعضها خارجي؛ بل إن تحليله لظاهرة الاستبداد ونفسية المستبد والخانعين له ما تزال نتائجه صادقة، والحلول التي طرحها ناجعة، وداء الشرق الذي وصفه في كتابه أم القرى ما يزال مستعصيا على العلاج، رغم كثرة المدعين للإصلاح والتغيير.                                        
ع/خ



فتاوى

ما حكم تنظيم النسل وتحديده؟
إنّ الإسلام قد اعتنى في بناء الأسرة المسلمة التي تقوم على التراحم والمودة بين الزوجين فكان لكل واحد منهما حقوق وواجبات، بيّنتها الشريعة الإسلامية وجعلت للزواج هدفاً أسمى هو بقاء النوع الإنساني وتكاثره، فقال صلى الله عليه وسلم): (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء- رواه مسلم) .فكان الإنجاب هدفاً من أهداف الزواج في الإسلام، وهو هدف مشترك بين الزوجين.وإنّ مصطلح تنظيم النسل وتحديده يطلق عليه في عرف الفقهاء قديما بالعزل، وهو مصطلح قد ورد بالسنة المطهرة، وهو من حيث الأصل مشروع عند جمهور الفقهاء وفق شروط وتفصيلات مقررة لديه. فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن سيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنه أنّ رجلاً جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّي أعزل عن امرأتي فقال له صلّى الله عليه وسلم: (ولم تفعل ذلك)؟ فقال الرجل: أشفق على أولادها فقال صلّى الله عليه وسلم: (لو كان ضارا لضر فارس والروم)، فقد دلّ الحديث على أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذلك ولو كان حراماً لنهى عنه صلى الله عليه وسلم.وثبت عن سيدنا جابر رضي الله عنه قال:(كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا). [رواه مسلم).
والتنظيم: التحكم المؤقت بين فترات الإنجاب، وأمّا التحديد فهو إيقاف النّسل على وجه التأبيد. وبناءً على ما سبق يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل أو إيقافه لمدة معينة من الزمان إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعاً بحسب تقدير الزوجين عن تشاور بينهما وتراض وفق ما تقتضيه ظروفهما الاجتماعية والاقتصادية والصّحية بالشروط التّالية: ألا يترتب على ذلك ضرر وأن تكون الوسيلة مشروعة وأن لا يكون فيها عدوان على حمل قائما، وألاّ يكون إيقاف النسل عن طريق استئصال القدرة على الإنجاب. ولا بدّ من استئذان الزوجة في العزل فيحرم العزل عنها بغير إذنها، عند جمهور أهل العلم.
جاء في قرار مؤتمر المجمع الفقهي الإسلامي الدولي بشأن تنظيم النّسل المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1-6 جمادى الأولى 1409 الموافق 10 – 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م، قرار رقم: 39 (1/5):
أولاً: لا يجوز إصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الإنجاب.
ثانياً: يحرم استئصال القدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة، وهو ما يعرف بالإعقام أو التعقيم، ما لم تدع إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية.     
ثالثاً: يجوز التحكم المؤقت في الإنجاب بقصد المباعدة بين فترات الحمل، أو إيقافه لمدة معينة من الزمان، إذا دعت إليه حاجة معتبرة شرعاً، بحسب تقدير الزوجين عن تشاور بينهما وتراض، بشرط أن لا يترتب على ذلك ضرر، وأن تكون الوسيلة مشروعة، وأن لا يكون فيها عدوان على حمل قائم.
المجلس الإسلامي للإفتاء بيت المقدس

 

الرجوع إلى الأعلى