يحتفي المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها كل عام بعيد الفطر المبارك، وقد أباح لهم بل شرع لهم الإسلام الفرحة والبهجة وإبداء السرور وغيرها من مظاهر الفرح التي تعكس شكر العبد لربه وامتنانه، وهذا الابتهاج يتجلى عموما فيما يأتي:
(أولا) جواز التهنئة والمعايدة يوم العيد: وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: “تقبل الله منا ومنك”، وحديث محمد بن زياد قال: كنت مع أبي أمامة إذا رجعوا يقول بعضهم لبعض: (تقبل الله منا ومنك) قال أحمد بن حنبل: إسناده جيد. وغيرها من الألفاظ التي تعارف عليها الناس لأنها تزيد في الروابط وتوثق الصلة بينهم، فلا حرج أن يهنئ الناس بعضهم بأي لفظ جميل مباح، كأن يقال: «عيد مبارك»، أو «أعاده الله عليك»، أو «كل عام وأنتم بخير» أو نحو ذلك من العبارات التي تدخل في العادات الحسنة.
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
(ثانيا) مشروعية الفرح والانبساط يوم العيد: إن العيد مناسبة للترويح عن النفس لتأخذ حظها من الفرح والسرور بعد طول عبادة من صيام وقيام، لكنه فرح لا يخرج عن قيود الشرع وآدابه، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحًى وَعِنْدَهَا قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاذَفَتْ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا الْيَوْمُ)، وروى مسلم عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثٍ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:( دَعْهُمَا) فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ فَإِمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا قَالَ تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ فَقُلْتُ نَعَمْ فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَهُوَ يَقُولُ دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ حَسْبُكِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَاذْهَبِي)، قال الحافظ ابن حجر: ( وفي هذا الحديث من الفوائد : مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس، وترويح البدن من كُلَفِ العبادة، وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين).
(ثالث) الحكمة من العيد: من المقاصد العظيمة التي شرع لأجلها العيد في الإسلام بعد نعمة إتمام عبادة الصيام، تعميق الترابط بين أفراد المجتمع، وترسيخ الأخوة الإيمانية بينهم مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ) (البخاري), و لهذا شرع في يوم العيد الخروج إلى المصلى، وأن يخرج الصغار والكبار، الذكور و الإناث، حتى المرأة الحائض، ليلتقي الجميع، مهللين مكبرين ذاكرين لله تعالى، تحقيقاً لهذه الغاية النبيلة. فما أجمل أيضا أن نزين يوم العيد بزيارة القرابة وصلة الرحم، وإصلاح ذات البين، لتتصافى النفوس، وتتآلف القلوب، وتتوطد العلاقات، وتزول الضغائن والأحقاد، ويلتقي الأحباب بعد طول غياب، قال تعالى:( فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)(الأنفال:01)، وفي الصحيحين عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ).
أ.د. كمال لدرع جامعةالأمير بقسنطية

أنـــوار

علاج العنف في المخابر قبل  المخافر
يشتكي الجزائريون ويحذرون من تنامي ظاهرة العنف التي لم تعد تتحرك في فضاءاتها المعتادة داخل الأحياء الشعبية والمناطق المعزولة والملاعب والشواطئ؛ بل انتهكت حرمة الجامعات والمدارس والكثير من المؤسسات؛ مما يهدد أمنهم ونسيجهم الاجتماعي، بعد أن عاشوا ويلات أزمة وطنية لعشرية كاملة، ولئن ظل العنف مستنكرا بالطبع والعقل والعرف، فإن ثمة مشكلة تطرح على الضمير الجمعي وهي عوامل وأسباب الظاهرة ومن الجدير تشخيصها ووصف العلاج لها.
إننا نشاهد ونقرأ لمن هبد ودب يقدم قراءات ويحدد عوامل ويعرض حلولا للظاهرة دون أن يكون مؤهلا لذلك؛ ودون أن يقدم لها المستندات والاستبيانات والمعطيات العلمية التي استند عليها، والوسائل التي اعتمدها في الدراسة والتشخيص والتحليل؛ وربما تجد بعضهم يستنسخ لنا حلولا عن تجارب دولية أخرى لا تتطابق عواملها مع عواملنا؛ وهو ما يشكل خطرا حقيقيا؛ لأن التشخيص الخاطئ سيقدم حلولا خاطئة، وحينها لا تظل الظاهرة قابعة فقط؛ بلل ستشتري وتتفاقم وتظهر لها مضاعفات في حياتنا اليومية.فالتصدي لظاهرة العنف ينبغي أن يسبقه تشخيص حقيقي من قبل أخصائيين وخبراء وجامعيين في النفس والاجتماع والشريعة وفلسفة القانون، في مراكز البحث والجامعات، على غرار ما هو معمول به في الدول المتقدمة، حيث يستعملون الوسائل اللازمة للتحليل والدراسة، في المخابر والجامعات ومراكز الرصد، ويقدمون خلاصة بحوثهم ومقترحات الحلول النفسية والاجتماعية والقانونية والأمنية، لتغدو خارطة طريق وبرنامج عمل للهيئات التنفيذية، ما عدا هذا تكون كل الإجراءات المتخذة والوسائل المسخرة مضيعة للوقت والجهد والثروة والطاقات؛ ومحض تخبط أمام ظاهرة تكتسح كل الفضاءات، لأنها لن تقضي على الظاهرة، بل تظل تدور في حلقة مفرغة؛ ربما تجابه بعض أعراضها مؤقتا فتدخل في هدنة لكنها سرعان ما تبدو بشكلها الفظيع أو ربما أخطر. فالعنف ظاهرة نفسية واجتماعية وهي كغيرها من الظواهر تتعاطى مع المختصين في مجالها، على غرار الظواهر الطبيعية التي يعنى بها المختصون فيها.وقد أشار القرآن الكريم إلى ضرورة العودة إلى الخبراء عند هكذا حالات وعدم تركها لمن هب ودب من عموم الناس، فقال الله تعالى: ((وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)) .                           
ع/خ

فتاوى
هل يجوز إعطاء درس قبل صلاة الجمعة؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وبعد:
يجوز إعطاء درس قبل صلاة الجمعة وهو من باب التذكير والبيان، كما أنه شيء تنظمي لا يدخل في مفهوم البدعة؛ لأن البدعة ما أحدث وهو مخالف للدين. والدرس قبل الجمعة ليس مخالفا للدين. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول الناس بالموعظة، وكان علماء الصحابة ينتقون بعض الأوقات لتدريس الصحابة والتي لم يعهد عن النبي صلى الله عليه وسلم تخصيصها. فعن شقيق كان عبد الله يذكر الناس في كل خميس فقال: له رجل يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم. قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا.(متفق عليه). والوقت قبل أذان الجمعة وقت حر للناس يفعلون به ما أرادوا من المباحات، فإذا أقاموا فيه درساً في المسجد لتعليم الناس ووعظهم فقد فعلوا أمراً مستحباً أو مسنوناً أو واجباً على الكفاية.
يقول الشيخ القرضاوي:»الدرس قبل الجمعة، قد تدعو إليه الحاجة، أو توجبـه المصلحــة المتوخاة من ورائه».
ودليل جواز إعطاء الدرس قبل الجمعة ما رواه الحاكم عن عاصم بن محمد عن أبيه قال:»رأيت أبا هريرة رضي الله عنه يخرج يوم الجمعة فيقبض على رمانتي المنبر قائما ويقول: حدثنا أبو القاسم رسول الله الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلم . فلا يزال يحدث حتى إذا سمع فتح باب المقصورة لخروج الإمام للصلاة جلس».
وحديث النهي عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة، فمحمول على أنهم كانوا يتحولقون ويتحدثون مما يؤدي إلى ارتفاع الأصوات وحصول الفوضى في وقت ينبغي أن ينشغلوا بالذكر والصلاة وقراءة القرآن، وليس  في الحديث كراهية الاستماع إلى العلم. ثم إن مدارسة العلم نوع من الذكر بل أفضل الذكر كما نص على ذلك بعض الفقهاء. جاء في شرح زاد المستقنع:»قالوا: كانوا في القديم يجلسون أبناء العم أو القبيلة أو الجماعة في ناحية وكانت هذه العادات موجودة في الجاهلية، كانوا إذا جلسوا يجلس كل جماعة إلى من يألفون وإلى من يجالسوه، فيكثر اللغط والحديث».
ويحتمل أن المراد من الحديث التوجه إلى الإمام وهو على المنبر بالوجوه صفوفا لا بالتحلق حول المنبر. لأن المصلين مأمورون أن يصفوا أثناء الخطبة كصفوف الملائكة لا أن تتحلق كل جماعة على حدة. وذكر الإمام ابن العربي:»أنه إنما نهى عن التحلق يوم الجمعة؛ لأنهم ينبغي لهم أن يكونوا صفوفا يستقبلون الإمام في الخطبة، ويعتدلون خلفه في الصلاة»أي والتحلق  ينافي هذا لأنهم يكونون دوائر متعددة، غير متجهة إلى القبلة، ولا متراصة تراص صفوف الصلاة، وهذا غير وضع المصلين، وهم مصطفون مستقبلو القبلة، متهيئون للصلاة عندما يحين وقتها».
ما حكم دفع صدقة الفطر والفدية لمصاريف وبناء المسجد؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله وصحبه الطيبين وبعد:
تصرف صدقة الفطر والفدية للفقراء والمساكين، وهذا ما ذهب إليه المالكية وهي رواية عن أحمد واختارها ابن تيمية.  وما يدل على ذلك قوله تعالى: { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) ) [ البقرة ].  وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين. من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ). أبو داود ، وابن ماجة  وعليه لا يجوز دفعها لمصاريف وبناء المسجد.
المجلس الإسلامي للإفتاء، بيت المقدس.

الرجوع إلى الأعلى