يستقطب مطبخ "شبه الجزيرة"  ، المعروف بمطعم زنير، الكائن بمدينة القل،   المسؤولين من وزراء و ولاة، إلى جانب أشهر الشخصيات الفنية و الرياضية، ناهيك عن السياح و المصطافين و مختلف زوار هذه المنطقة الساحلية، لأخذ قسط من الراحة قبل متابعة الرحلة، و الاستمتاع بالأطباق الشهية التي يحضرها  الشيف أحسن زنير الذي عمل بمطاعم بالعاصمة، ثم انتقل إلى هانوي بالفيتنام، أين قضى أربع سنوات مع سفير الجزائر هناك عبد الرزاق بوحارة خلال الحرب الأمريكية على الفيتنام، و كان على وشك الالتحاق بالمطبخ الشخصي للرئيس الأسبق هواري بومدين .
حاوره : بوزيد مخبي
 النصر زارت الشيف أحسن زنير في مطعمه ، فاستحضر  الكثير من الذكريات، انطلاقا من بداياته في عالم الطبخ و رحلته من قرية حبايش بأولاد عطية بأعالي جبال القل، مرورا بالجزائر العاصمة و هانوي و وصولا إلى "شبه الجزيرة" بالقل.
 النصر: كيف كانت بداية عمي أحسن مع عالم الطبخ؟
ـ أحسن زنير: أنا من مواليد سنة 1940 بقرية حبايش بمنطقة الزيابرة، بأولاد عطية بأعالي جبال القل، غرب ولاية سكيكدة، انتقلت سنة 1955، رفقة عائلتي إلى القل، عملت خلال فترة الاستعمار في العديد من المهن، قبل أن أتعلم مهنة الطبخ. كان ذلك مباشرة بعد الاستقلال، أين عملت في مقهى المجاهدين بوسط مدينة القل، و في سنة 1963 انتقلت إلى الجزائر العاصمة للبحث عن عمل مثل العديد من شباب المنطقة. بعد يوم واحد فقط من تواجدي بالعاصمة تمكنت من الحصول على عمل بأحد المطاعم لمدة 6 أشهر. بعد ذلك انتقلت للعمل في  وزارة الشباب والرياضة ثم في مركز بن عكنون. و أتيحت لي الفرصة للالتقاء آنذاك بالعديد من الوجوه المعروفة في كرة القدم منهم المدرب الوطني "لوسيان لوديك" في الفترة  بين 1964 و 1966. التحقت بعد ذلك بالنظام العسكري في بورسعيد، و عملت هناك لمدة سنتين وقمت بإعداد مأدبة العشاء على شرف الرئيس السوداني السابق  إسماعيل الأزهري، ثم انتقلت إلى البليدة إلى غاية سنة 1970 ، وفي سنة 1971 التحقت بالسفارة الجزائرية بهانوي عاصمة الفيتنام كطباخ للسفير الجزائري عبد الرزاق بوحارة .
. حدثنا عن ظروف  إقامتك في الفيتنام و ماذا استخلصت من تلك  التجربة؟
 ـ دامت إقامتي في الفيتنام 4 سنوات مع السفير المرحوم عبد الرزاق بوحارة، وعشت الكثير من الأحداث الأليمة هناك، منها حادثة سقوط طائرة الوفد الصحفي الجزائري ، وكذا حادثة الحصار المضروب على السفارة الجزائرية في هانوي، جراء القصف الأميركي. عشنا 13 يوما داخل المقر، بسبب القصف بالطائرات وأتذكر سقوط قذيفة على بعد 10 أمتار من مقر السفارة، لكن لحسن الحظ لم تنفجر لتوضع  في ما بعد كشاهد للقصف أمام مقر السفارة. اطلع عليها الرئيس الراحل هواري بومدين أثناء زيارته سنة 1973 للسفارة وسألني عن مدى الخوف الذي ينتابنا أثناء  القصف، خاصة و أن الكثير من سفارات الدول الأخرى أغلقت، وبقيت سفارة الجزائر وعدد قليل من الدول. بالمقابل تعلمت من الفيتناميين الذين يتميزون بالسرية والمحافظة الكثير من الأطباق، منها طبق الخضار الذي نقلته إلى الجزائر، و مازلت أقوم بإعداده إلى اليوم، لكن مع فارق أن الفيتناميين يضيفون إليه الزنجبيل الأصلي لإعطائه نكهة وذوقا خاصا و أنا استغنيت عنه. و تعلمت كذلك اللغة الفيتنامية  نتيجة الاحتكاك مع الفيتناميين.
حرموني من إلقاء النظرة الأخيرة على جثمان الراحل بوحارة
بعد عودتي من الفيتنام إلى الجزائر، كنت على وشك الالتحاق بالمطبخ الشخصي للرئيس هواري بومدين، لكن بعض الأصدقاء نصحوني بعدم الالتحاق برئاسة الجمهورية، وهو ما جعلني أغير رأيي و أعود إلى مسقط  رأسي.
. أين أقمت بالضبط في منطقة القل بعد عودتك من الفيتنام؟
ـ بعد تجربة الفيتنام عدت مباشرة إلى منطقة أولاد عطية بأعالي جبال القل، وفتحت هناك مطعما، لكن ظروف العمل غير المناسبة،  خاصة بعد حادثة وقعت لي مع رئيس بلدية أولاد عطية، لقد فوجئت بعدم الاستجابة لطلبي بربط المطعم بشبكة توزيع المياه، و قال لي المير انتظر مثل بقية المواطنين، حتى يتم ربط كافة المساكن بالشبكة، و هو ما جعلني أغادر منطقة أولاد عطية. كنت على وشك الالتحاق بسفارة الجزائر في بودابيست، عاصمة دولة المجر بعد أن  اتصل بي سفير الجزائر  آنذاك عبد العزيز قارة، حملت جواز السفر وانتقلت إلى الجزائر العاصمة، لكن تدهور وضع والدي الصحي، جعلني أعود إلى القل، بقيت 15 يوما معه بالمستشفى،  و بعد 8 أشهر توفي رحمه الله .
في الفترة بين 1981 و1985 ،عملت طباخا بالنادي الرياضي لوفاق القل، بعد صعوده مباشرة إلى القسم الوطني الأول، كنت أحضر وجبات خاصة بالرياضيين ، ولا زالت تربطني  علاقة طيبة مع الكثير من اللاعبين والمدربين، وتبقى حادثة إعداد وجبة الغذاء للاعبين في شهر رمضان  سنة 1984 ، بمناسبة إجراء وفاق القل مقابلة ضد شبيبة إلكترونيك تيزي وزو ( شبيبة القبائل حاليا)، ذكرى مؤلمة بالنسبة إلي، خاصة وأن رئيس النادي فرض علي إعداد الطعام، رغم أنني لم أكن وقتها موافقا، و نصحت بعض اللاعبين بعدم الإفطار و استجاب بعضهم و البعض الآخر أكل.   المقابلة جرت في القل و انتهت بالتعادل  1/1 .
غادرت اولاد عطية لأن المير رفض ربط مطعمي بشبكة الماء
بعد نهاية العقد الذي كان يربطني بوفاق القل سنة 1985، تقدمت بطلب إلى بلدية القل للحصول على قطعة أرض، و ذلك في عهدة رئيس البلدية المرحوم بعزيز عمار، فوافق و قمت ببناء المطعم الحالي و لدي زبائن من مختلف الشرائح الاجتماعية و الولايات يقومون بالحجز المسبق، كما سبق و أن قمت بإعداد وجبات غذاء على شرف العديد من الوزراء و المسؤولين، منهم الوزير السابق صالح قوجيل ، المرحوم عبد الرزاق بوحارة، الوزيرة السابقة زهور ونيسي  وغيرهم من المسؤولين الدين يأتون رفقة عائلاتهم .
. ألم تندم لأنك لم تبق في العاصمة؟
ـ كانت كل الإمكانيات متاحة لي للبقاء في الجزائر العاصمة للعمل ، كما طلب مني بعض الأصدقاء مساعدتي على فتح مطعم بالعاصمة، إلا أنني فضلت العودة إلى مسقط رأسي بالقل مباشرة بعد  تجربة سفارة الجزائر في الفيتنام. بعد عودتي وجدت الكثير من الأمور قد تغيرت. واقتنعت أكثر بمغادرة العاصمة عندما حضرت جنازة أحد الأصدقاء من الشقفة بولاية جيجل، لقد توفي في العاصمة ولم يحضر جنازته إلا 10 أشخاص فقط ، لذلك فضلت العودة إلى أحضان أهلي بالقل.
حوصرنا داخل السفارة الجزائرية 13 يوما أثناء القصف الأمريكي
. ماذا يمكن أن تقول لنا عن علاقتك بالوزير و السفير عبد الرزاق بوحارة؟
 ـ (اغرورقت عيناه بالدموع) ، حرموني من إلقاء النظرة الأخيرة على جثمانه. قبل ثلاثة أيام فقط من وفاته، حضر إلى القل، رفقة مجموعة من الأصدقاء منهم الدكتور مصيبح أحمد، وسهرنا إلى ساعة مـتأخرة من الليل في المطعم، تحدث المرحوم عن الكثير من الأمور، وضرب لي موعدا للعودة إلى القل  مرة أخرى مع مجموعة من الوزراء يوم الخميس، لكن شاءت الأقدر أن تبلغني فاجعة وفاته مساء الأربعاء، و حرمت من إلقاء النظرة الأخيرة عليه كان  رجلا طيبا ومخلصا، عاش نظيفا و مات
 نظيفا .
رئيس وفاق القل أجبرني على إعداد وجبة غذاء للاعبين في رمضان
 . بماذا تنصح الشباب المهتم بالطبخ ؟
ـ أقول لهم أن النجاح يأتي  من حب المهنة أولا ، ثم النظافة والاهتمام بطلبيات الزبائن، وتطوير المهارات و الأخذ من أصحاب الخبرة الذين سبقوكم .هذه هي  مفاتيح النجاح.
 .  لو طلبت منك إعداد وجبة صحية لفطور رمضان ما هي مكوناتها؟
ـ أفضل أن يكون الإفطار عبارة عن أكلة واحدة خفيفة هي حساء بالخضروات أو سبانخ (سلق) مع زيت الزيتون والعسل ، و في السحور أنصح بتناول المسفوف بالعسل ، و أنا شخصيا ألتزم بتناول هذه الأطعمة طوال شهر رمضان  .
أصدقاء نصحوني بعدم الالتحاق بمطبخ رئاسة الجمهورية
 . كلمة ختامية
ـ أقول لكل الجزائريين والأمة الإسلامية قاطبة، صح رمضانكم، وصح فطوركم ،

الرجوع إلى الأعلى