قـانونـيون يؤكدون أهمــية مجلــس الأمة لعدم تكــرار تجربة العشرية السوداء
أجمع قانونيون من الجزائر و من عدة دول عربية أمس، على أن الغرف العليا للبرلمان التي تختلف تسميتها من بلد لآخر، هي صمام الأمان الذي يجب أن يكون موجودا لحماية الدولة من الدخول في فوضى أو حالات تشنج، قد تؤدي لما لا يحمد عقباه مثلما يحصل في عدة دول عربية كسوريا وليبيا، حيث أن الغرف العليا هي الأجهزة التشريعية التي تعمل على خلق التوازن بين الغرفة السفلى في البرلمان و السلطة التنفيذية، مشيرين إلى أن دوامة العنف التي دخلت فيها الجزائر في التسعينات كانت أبرز مثال عن الفراغ القانوني الدستوري، حيث كان من شأن الغرفة الثانية التصدي لمثل تلك الممارسات.
 وأشار المتدخلون أن نفس الحالة واجهتها العديد من الدول العربية  التي غرقت في دوامتها خلال ما سمي بالربيع العربي، الذي لازال يخلف حالات الفوضى واللا استقرار في الوطن العربي.
و قال الأستاذ بوزيد لزهاري ممثل الجزائر في اللجنة الإستشارية لحقوق الإنسان للأمم المتحدة وأحد المشاركين في إعداد الدستور الجزائري الجديد أمس خلال تدخله في الملتقى الدولي حول المجالس العليا في برلمانات المنطقة العربية و الذي نظمته كلية الحقوق بوهران،  أن الإستقرار ليس له ثمن وبالتالي فكل الدعوات التي أطلقت مؤخرا بالجزائر والرامية للإستغناء عن مجلس الأمة غير واعية بالدور الجوهري الذي تقدمه هذه الهيئة التشريعية، التي يجب تمويلها مثل باقي الأجهزة الأمنية التي تصون وحدة وإستقرار البلاد، مشيرا أن هذا الدور لا يظهر اليوم جليا في ظل الإستقرار الذي تعيشه الدولة و مؤسساتها و لكن أهمية وجود الغرفة العليا هو ضمان و وقاية للبلاد ومؤسسات الدولة من أي زعزعة و تهديد من أي جهة كانت.
 وأوضح الأستاذ لزهاري أن ضرورة وجود مجلس الأمة تكمن في المحافظة على إستقرار مؤسسات الدولة، فهذا المجلس هو جدار الصد لمنع إنتقال تشنجات الغرفة السفلى للبرلمان أو محاولة الأغلبية البرلمانية مستقبلا التمرد على القوانين أو الدستور نحو باقي المؤسسات الدستورية، و هنا يمارس مجلس الأمة دور العقلاء لتهدئة الأوضاع وإعادة الأمور لوضعها الطبيعي عن طريق الصلاحيات الممنوحة له دستوريا مثلما أوضح المتحدث، مبرزا أيضا أن أهمية وجود مجلس الأمة لا تظهر الآن لأن الأمور واضحة في كلتا الغرفتين، و لكن تجربة المسار الانتخابي بعد تشريعيات 1991 نبهت السلطة للفراغ الذي كان موجودا والذي أدى بالبلاد للدخول في العشرية السوداء، حيث أن أغلبية البرلمان أعلنت العصيان على دستور 1989 و على مؤسسات الدولة و مبادئ الحكم حسب ما جاء في تدخل الأستاذ لزهاري.
و فيما يخص حقوق الإنسان بالجزائر، أفاد المحاضر أنه توجد رغبة و إرادة سياسية قوية في الجزائر من أجل حماية حقوق الإنسان، موضحا في هذا الصدد أن الدستور الجديد يحمل عدة مواد تضمن الكثير من الحقوق لكن تلك المواد تحتاج إلى قوانين تفعلها و تسمح بتجسيدها في الواقع.
من جهته نوه  الأستاذ عوابدي عمار ممثل رئيس مجلس الأمة في الملتقى و الذي ألقى كلمة بإسمه بأهمية مثل هذه اللقاءات لتوضيح الرؤى حول القوانين و الدستور، و اعتبر أن الدستور الجديد بدد مخاوف الجزائريين من دور الثلث الرئاسي الذي كان يسمى الثلث المعطل لصالح السلطة التنفيذية، مبرزا أن التصويت اليوم في الغرفة العليا يتم بالأغلبية و ليس بنظام الثلثين.
كما أوضح الأستاذ شربال عبد القادر من جامعة البليدة 2، أن للجزائر تجربة فريدة من نوعها على المستوى العربي حيث أن إنشاء مجلس الأمة جاء بعد حالة غير مسبوقة عاشتها الجزائر مع بداية التسعينات، أين إقترن حل المجلس الشعبي الوطني بإستقالة رئيس الجمهورية، و هذه الحالة لم يتطرق لها دستور 1989 و لكن تم استدراك الوضع لاحقا بإقرار إنشاء مجلس الأمة لتفادي شغور السلطة وعدم إستقرار مؤسسات الدولة.
وعلى الصعيد العربي، أكد الدكتور سفيان عبيدات رئيس المنظمة العربية للقانون الدستوري، أن إنشاء هذه المنظمة جاء إثر تداعيات ما يسمى بالربيع العربي وتأثيره على الوضع القانوني في البلدان التي مسها، وبالتالي فالمنظمة جاءت لتكون خزان الخبرة القانونية الذي يدرس الأوضاع في بلدان الوطن العربي ويساهم في دعم تلك البلدان بالخبرة القانونية لحماية إستقرارها وتطوير نظمها البرلمانية، حتى تواكب التطور الحاصل في العالم خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، مضيفا أن الدساتير العربية على مدار أكثر من 40 سنة كانت دائما تخدم مصلحة السلطة التنفيذية وهذا ما ظهر جليا خلال إضطرابات الربيع العربي.
 و أوضح المتدخل أن المنظمة تهدف لدراسة كل الإختلالات و محاولة معالجتها والمساهمة في ترقية الدساتير العربية، معتبرا التجربة الجزائرية رائدة في هذا المجال و قال أن حضوره للملتقى حول الغرف العليا هو من أجل الإطلاع على التجربة الجزائرية فيما يتعلق بمجلس الأمة للإستفادة منها.
كما تطرق ممثلو عدة دول عربية عن تجربة الغرف البرلمانية العليا في بلدانهم والظروف التي أفشلت الكثير منها خاصة الربيع العربي بليبيا مثلا أو الإحتلال الإسرائيلي الذي فكك التركيبة المجتمعية للفلسطينيين سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، وكذا مشكلة فلسطينيي الشتات الذين لا يجدون حاليا هيئة شرعية تمثلهم مثلما كانت في السابق منظمة التحرير الفلسطينية التي لازالت قائمة و لكن دورها لم يفعل و هياكلها لم تتجدد منذ سنوات، مما أفقدها سلطة القرار، وهذا ما جعل أيضا حسب الأستاذ أشرف صيام، النظام التشريعي في فلسطين غير واضح المعالم هل هو مجلس واحد أو مجلسين؟
و كان الدكتور بوسماحة نصر الدين عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة وهران 2 المنظمة للملتقى، قد ذكر أن الهدف الأساسي من جمع الخبراء والمختصين من العالم العربي من أجل التعريف بالتجربة الجزائرية فيما يتعلق بالقوانين الدستورية والمكاسب المحققة جاء كذلك  لشرح أبرز ركائز الدستور الجديد التي مست عدة مجالات منها مجلس الأمة، مشيرا أن الملتقى ستتواصل أشغاله على مدار يومين.                

هوارية.ب

الرجوع إلى الأعلى