يتعرّض مرشح الرئاسيات الفرنسية إيمانويل ماكرون إلى حملة شرسة تقودها دوائر سياسية ، لا سيما من اليمين، بعد التصريحات التي سمى فيها الاستعمار باسمه الحقيقي خلال زيارته للجزائر الأسبوع الماضي. وبلغ الأمر بمرشح الجمهوريين، الذي أسند وظائف وهمية لزوجته وأبنائه، إلى حد القول بأن تصريحات من هذا النوع لا تليق بمرشح للرئاسيات الفرنسية، وواضح أن رئيس حكومة ساركوزي السابق يريد استخدام ملف الجزائر كورقة توت لستر الفضيحة التي جعلت مروره إلى الدور الثاني مستبعدا، حيث يسعى إلى مغازلة المحاربين القدامى ومرضى الجزائر المفقودة لدعم شعبيته المنهارة، هو الذي يعتبر استعمار دول إفريقية تقاسما للثقافة الفرنسية مع الشعوب لا يدعو إلى الخجل!
وإذا كان موقف مارين لوبان غير مفاجئ وهي تعتبر تصريح منافسها في الدور الثاني، وفق استطلاعات الرأي، فضيحة وطلقة نارية في ظهر فرنسا، فإن المثير للانتباه هو ما صدر من تحليلات صحفية ترى في تصريح ماكرون خطابا موجها للاستهلاك المحلي في الجزائر، وكأن الجزائريين في حاجة إلى من يبيع لهم كلمات مهدئة تغنيهم عن اعتذار طال انتظاره وتصبّرهم على تعجرف ساسة باريس الذين لازال البعض منهم يمتلك الشجاعة ليتحدث عن إيجابيات الاستعمار وينتقد كل من يشير إليه بسوء، فاحتلال أرض و تهجير سكانها ليس جريمة، واغتصاب النساء ليس جريمة، وحرق مواطنين أحياء بإلقائهم في أفران الجير ليس جريمة، والقتل الجماعي ليس جريمة، والتجارب النووية ليست جريمة، و زرع القنابل المضادة للأفراد ليس جريمة... وايجابيات الاستعمار وفضائله أكثر من أن تحصى وهي تعتبر تبادلا للثقافة وتمكين شعب من الحضارة!  والمشكلة هنا أخلاقية بالأساس، وتؤكد بأن رجل السياسة في فرنسا لم يتب عن الجريمة بدليل أنه يغضب من إدانتها ولو بكلمات بسيطة، بمعنى أنه متحسر على انتهائها و مستعدّ لتكرارها لو سنحت له الفرصة. وكذلك يفعل بعض الإعلاميين والمثقفين الذين يفتقدون إلى نزاهة سارتر ليقولوا الحقيقة  و يدينوا العار ولو بعد أكثر من نصف قرن.
و يجب هنا أن نحيي السياسي الشاب الذي لم يكن في حاجة إلى تدوير الكلمات والاستنجاد بالبلاغة لإطلاق عبارات حمالة أوجه، لقد كان صريحا ومباشرا: « يشكل الاستعمار جزءا من تاريخ فرنسا. إنه جريمة. جريمة ضد الإنسانية. بربرية حقيقية» وبما أنه جزء من الماضي الذي تجب مواجهته فإن المواجهة تتم «بتقديم الاعتذار». وقد  أيدت أغلبية الفرنسيين موقف ماكرون وفق أحدث استطلاعات الرأي سواء في اعتبار الاستعمار جريمة ضد الإنسانية أو في الاعتذار عن الجرائم المقترفة خلال هذه المرحلة.
كان لا بد أن يقولها شاب في الثامنة والثلاثين حتى تصدق مقولة عراب التدخل الإنساني بيرنار كوشنير، لكن في الاتجاه المعاكس، فاليساري الذي أسس أطباء بلا حدود قبل أن يتحوّل إلى منظّر للاستعمار الجديد وحامل لحقيبة ساركوزي الدبلوماسية، وصل إلى نتيجة فحواها أن تطبيع العلاقات بين البلدين لن يتم إلا بعد اختفاء جيل المجاهدين من الجزائر. وجاء الجواب من سياسي فرنسي شاب ليؤكد أن المشكلة ليست في الجزائر بل في سلالة الجلادين التي يرفض أفرادها العلاج ويفضلون التعايش مع الكوابيس التي تجعل الحرب مستمرة في رؤوسهم وتجعلهم في بحث دائم عن عدو يطلقون عليه النار.
النصر

الرجوع إلى الأعلى