تلفظ الجامعات والمعاهد الوطنية سنويا الآلاف من المتخرجين من مختلف الفروع والتخصصات، وبمختلف أنواع الشهادات، نحو بطالة مقننة لكنها غير مقنعة إطلاقا.
وينتظر هؤلاء صدور إعلانات المسابقات لتصيد فرص التوظيف في الإدارات والمؤسسات، وفي حال نالوا هذا الحظ فإنهم سيدخلون في رتابة قاتلة لا تليق بشاب جامعي طموح ومتعلم، يفترض أن تكون دوافع المغامرة والاكتشاف لديه أكبر من المنصب البسيط.
وفي الواقع فإن الكثير من المتخرجين وبخاصة منهم حاملي الشهادات التقنية وغيرها يسقطون في فخ البحث عن المناصب البيروقراطية على حساب التوجه نحو إنشاء المقاولات والتعاونيات والمؤسسات الصغيرة والصغيرة جدا، وهي التي تفتح أبواب النجاح على مصراعيه، وأبواب الاكتشاف والتعلم.
 صحيح أنه ليس كل متخرج من الجامعة لديه الإمكانيات المادية لإنشاء مؤسسة ولو كانت بسيطة لكن هناك تجارب ناجحة في هذا المجال، كما أن الأمر يتطلب الصبر والمثابرة أيضا، فضلا عن بعض التسهيلات التي تقدمها الدولة في هذا المجال عبر آليات التشغيل ومنها الموجهة للمتخرجين من الجامعات، وقد صرفت أموالا ضخمة من أجل ذلك.
وفي الظروف الاقتصادية كالتي نمر بها اليوم تبدو المقاولاتية وبخاصة مقاولاتية الشباب والمتخرجين مهمة جدا لدفع التنمية الوطنية عبر جميع مستوياتها، بحيث يجب التركيز على إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في  جميع المجالات، ونحن الذين لم نصل بعد إلى الاكتفاء حتى في قطاع واحد بسيط فقط، ما يعني أن السوق الوطنية في جميع القطاعات لا تزال عذراء تنتظر من يستثمر فيها.   
وبالمؤسسات الصغيرة والمقاولاتية يمكن خلق الثروة ومناصب العمل، وتحقيق الاكتفاء، وتحقيق الاستقلالية المالية والمادية بعيدا عن سلطة الراتب والمؤسسة، ويمكن تحقيق النجاح، فكم من مؤسسات بدأت عائلية لا تكاد تذكر ثم بعد سنوات غزت أسواق العالم، والأمثلة عنها كثيرة.
ثم إن خلق مثل هذه المؤسسات والاستثمار في هذا الجانب له ارتباط بالجامعة وبما يكون المتخرج قد تلقاه، ويمكن انطلاقا من مؤسسة بسيطة تطوير تقنيات عديدة، وحتى تحقيق اكتشافات وانجازات عملية، ودفع البحث العلمي نحو التطور.
اليوم يشرف الوزير الأول عبد المالك سلال على لقاء خاص متعلق بالجلسات الوطنية الأولى للمؤسسات المصغرة، وتشجيع المقاولاتية عند الشباب بمشاركة ألف مقاول شاب من 48 ولاية، هي فرصة للسماع لانشغالات هؤلاء و للمشاكل والعراقيل التي قد يطرحونها، والتي قد تقف عقبة في طريق تطوير مؤسساتهم، هي فرصة لتقديم الدعم اللازم لهم وتشجيعهم إن على مستوى التوجيه، والدعم التقني، أو إزالة العراقيل البيروقراطية بشكل حقيقي، وحتى المساعدة في التسويق وغيره.
ولا يمكن أيضا تنويع الاقتصاد الوطني في هذه الظروف، وخلق نموذج اقتصادي وطني جديد فعلا، دون فسح المجال لإبداعات الشباب، وإطلاق العنان لأفكارهم، ومرافقة مغامراتهم وخيالهم، ومس  كل القطاعات التي لا يمكن ربما للمؤسسة الاقتصادية الوطنية بمفهومها الشامل الوصول إليها والتأثير على واقعها.
 إن الاقتصاد العالمي اليوم مبني على التخصص وعلى المناولة، وهناك حرف أو مهن قد تبدو بسيطة لكنها في الواقع قد تصنع امبراطوريات اقتصادية ومالية كبيرة وتوظف الآلاف، ولا يمكن إخراج مثل هذه المهن من دائرة التخلف والنسيان سوى عن طريق تشجيع المستثمرين فيها.  
لا يمكن أن نبقى على الهامش في هذا المجال، ولا يمكن إدارة الظهر لشبابنا و جامعيينا، بل الواجب يقتضي من الجميع تقديم الدعم والمساندة لهم، إذا كنا فعلا نريد تجاوز عهد الريع النفطي.
النصر

الرجوع إلى الأعلى