هناك مؤامرة خفية وراء إجهاض مبادرات توثيق التراث الشعبي العربي
أكد الدكتور مصطفى جاد، وكيل المعهد العالي للفنون الشعبية بمصر، أن كل مبادرات توثيق التراث الشعبي بالوطن العربي، تتعرض لإجهاض ما يوحي بوجود مؤامرة خفية مقصودة لمنع جمع وأرشفة وتوثيق هذا التراث لأسباب مجهولة، فالبرغم من عمليات الجمع التي تقوم بها مراكز بحث أنثروبولوجي في الدول العربية، لكن الحلقة الأخيرة لتحقيق الإنجاز تظل مفقودة ، عكس الدول الغربية التي تقدمت في هذا المجال. و ذكر الدكتور جاد في ذات السياق، بأن بداية الدراسات الأنثروبولوجية في الوطن العربي كانت دراسات استعمارية، وفق قاعدة أنه من أجل إحتلال شعب ما، يجب أن تتم دراسته وفهمه أنثروبولوجيا ، أي التعمق في مكونات تراثه الشعبي وموروثه الفلكلوري، مضيفا أن الدول العربية لم تستجب لإتفاقية اليونيسكو لسنة 2003، التي طالبت بضرورة إنجاز قائمة لحصر كل التراث اللامادي الموجود على أراضيها، لكن إلى غاية اليوم، حسب المتحدث، لا يوجد أثر لأي قائمة في الدول العربية.
و قال الدكتور مصطفى جاد وكيل المعهد العالي للفنون الشعبية بمصر، في محاضرة ألقاها يوم الخميس المنصرم بمركز البحث في الأنثروبولوجيا الإجتماعية والثقافية بوهران والتي تمحورت حول منهج توثيق التراث الشعبي، أن كل المبادرات التي صبت في سياق توثيق وإنجاز ذاكرة للتراث الشعبي العربي، تتوقف دائما قبل تجسيدها ولأسباب خارجة عن نطاق جميع الأطراف المعنية،  رغم توفر الإرادة العلمية لدى الباحثين والمادة الأنثروبولوجية الموجودة في الوطن العربي بشكل كبير جدا، وثراء وتنوع  الفنون الشعبية، لكن مشاريع جمعها وتوثيقها بما يخدم الذاكرة العربية، تتعرض للفشل في منتصف الطريق. وتساءل الأستاذ المحاضر عن كيفية التصدي لعملية إجهاض مجهودات الباحثين! وأعطى الدكتور مصطفى مثالا عن مبادرة مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربي والذي فتح أبوابه سنة 1985، ولكن بعد 20 عاما من البحث وجمع المادة البحثية المتعلقة بكل التراث الشعبي في كل الدول العربية، تم غلق المركز لأسباب مجهولة وذهب المجهود هباء، دون الإستفادة من الموروث الذي تم جمعه، وهذه عينة فقط، مثلما أضاف المتحدث، عن عشرات المبادرات من هذا النوع، مشيرا إلى أن 300 ألف حكاية شعبية فلسطينية نسبها الإحتلال الإسرائيلي لنفسه و نشرت في الإنترنت على أنها حكايات شعبية إسرائيلية، و السبب أن تلك الحكايات غير موثقة في أرشيف أنثروبولوجي فلسطيني. وأعاب المتحدث على الباحثين العرب عبر المراكز الأكاديمية المتخصصة في الأنثروبولوجيا أو الفنون الشعبية، احتفاظهم بالمادة البحثية التي يجمعونها ميدانيا سواء مكتوبة أو سمعية بصرية، قبل إخضاعها للتحليل و بالتالي إنجاز التقارير والمقالات العلمية، موضحا أن المادة الميدانية هي الخام الذي يمكن أن يوفر مخزونا لباحثين آخرين ويوثق على مدار الأزمنة كل الأحداث والتصريحات والفلكلور بمختلف أشكاله، لكن الباحث في الوطن العربي عموما، يحتفظ بهذه المادة ويمحصها لإنجاز بحوثه، ثم يتركها في أرشيفه الخاص ولا يستفيد منها أحد. من هذا المنطلق، حسب الأستاذ جاد، بدأ مشروع إنجاز مكنز لتوثيق التراث الشعبي العربي لحفظ المادة البحثية الخام قبل توجيهها للتحليل، ومن خلال هذا العمل يتم توثيق الذاكرة الشعبية التي ترسم الهوية والعراقة المجتمعية في الدول العربية، حيث تختلف طريقة توثيق التراث اللامادي عن طرق توثيق التراث المادي،  لأن هذا الأخير جامد غير متحول، فإذا تمت أرشفة مخطوطات مثلا، فإنها تظل مخطوطات كما هي، بينما توثيق أغنية شعبية أو فلكلور في مناسبة ما، يختلف عن طقوس نفس الفلكلور إذا تمت أرشفته في فترة مغايرة، لأن الأغنية لا يمكن إعادة غنائها بنفس الظروف، وإحياء مولد أو وعدة ، لا يكون وفق ذات المظاهر بعد مدة زمنية، وهذا ما يجعل توثيق التراث الشعبي عملية صعبة وآنية. و استعرض الأستاذ جاد مخطط مشروعه «مكنز التراث الشعبي العربي» وهو العمل الذي أخذ منه 10 سنوات من البحث و جمع المادة البحثية الميدانية التي ينجزها الباحثون في مختلف الدول العربية، و سيقدمه لأول مرة يوم 19 أفريل الجاري ويطرحه للمختصين لتصحيح المعلومات غير الدقيقة، إن وجدت، أو إثرائه بمعطيات أخرى، والمكنز هو عبارة عن مخطط يسمح لأي باحث أو مهتم في العالم بالبحث والتعرف على أي موروث شعبي تراثي في أية دولة عربية و بالتفصيل، وهو المخطط التوثيقي الذي أنجزه الأستاذ جاد، ليكون مخططا عربيا يختلف نوعا ما عن المخططات الغربية.
هوارية ب

الرجوع إلى الأعلى