ترتبط الاحتفالات السنوية بيوم العلم في بلادنا بالسادس عشر من شهر أفريل، و هو تاريخ الوفاة الجسدية للمصلح الديني الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمة الله عليه منذ سبعة
و سبعين عاما، لكنه أيضا تاريخ من تواريخ ميلاد و إعادة انبعاث الأمة الجزائرية إلى الوجود من جديد، بفضل ثورة العلم و الحكمة التي زرعها الشيخ الجليل و رفاقه في نفسية الشعب الجزائري الطيبة.
فقد أنبتت و أتت أكلها بعد حين من الزمن، أين قام رجال بسطاء تسلّحوا بالوعي و العمل، بوضع حدّ للنظرية الاستعمارية الغربية في استعباد الشعوب الضعيفة بالقوة.
و هكذا تبدو الحاجة الملّحة دوما لهذا النوع من العلم النوراني المستنير الذي استطاع دحض الفكرة الاستعمارية المظلمة و هزمها نظريا و عمليا، و هو ينير الظلام الحالك الذي أرخى سدوله على أرض الجزائر لأكثـر من قرن و ثلاثين سنة، عمل فيها دعاة نظرية المساواة و الأخوة و الحرية، ليس فقط على قهر البشر بطرق بدائية و غير إنسانية، و لكن تعمّدوا نشر الجهل و مسخ شخصية السكان الأهالي و محاولة إلحاقهم ظلما بالأمة الفرنسية على درجة ثانية.
في هذه الظروف الحالكة، لعبت جمعية العلماء المسلمين، التي هي جمعية الجمعيات و جزء مهم من مكونات الحركة الوطنية، دورا تاريخيا في تنوير طريق الشعب الجزائري، عندما فضحت الدروشة الدينية التي وضعت نفسها في خدمة الغازي الفرنسي من حيث تدري أو لا تدري، و كذّبت جهلها الفاضح و اعتقادها الخاطئ أن هذا الدخيل الأجنبي قدر محتوم لا يمكن الخروج عليه أو إخراجه من أرض الإسلام و الحرية.
إن جمعية العلماء المسلمين التي عملت على زرع الفكر الثوري و محاربة الطرقية و الدروشة و التصدي لها في النصف الأول من القرن العشرين، قادرة اليوم بإرثها الحضاري و تاريخها الحافل، أن تساهم في مسيرة التنوير و نشر الوسطية و الاعتدال في الدين و الاعتزاز بالوطنية ، في مواجهة هجمة خارجية متطرفة تريد النيل من المرجعية الدينية الجزائرية.
و يبدو أنها كجمعية معروفة باستقامتها الفكرية و الدينية، مؤهلة أن ترفع من جديد راية النهضة الجزائرية التي رفعها رائدها الأول في وجه الجهل و القوة.
ترفعها في وجه التطرّف و التخلّف و كل محاولات العودة بنا إلى الفتن المذهبية و توظيف الدين الإسلامي الحنيف لأغراض غير دينية أو احتكاره من جديد. ترفع راية العلم الصحيح في وجه محاولات التسلل الطائفي و المذهبي الذي يبحث عن موطأ قدم في أرض الجزائر لمزاحمة المذهب المالكي السمح، و من ثمة العمل على إحداث فتنة طائفية تنتج بالضرورة فتنة سياسية لا تذر و لا تبقي كما يحدث الآن في دول المشرق العربي. و ما محاولات نشر الفكر الشيعي و انتشار السلفية و موضة الأحمدية و التبشير و غيرها من الملل المغرضة و النحل الضالة التي تخفى مكائدها عن الكثير من الجزائريين، إلا دليلا على أن المعركة الفكرية ضد التطرف و الإرهاب لا تقل أهمية عن المعركة الأمنية التي تقودها الجهات المختصة في تأمين البلاد من طوائف جديدة وضعت نفسها في خدمة الاستعمار من جديد لتخريب الأوطان و تشريد الشعوب. مهمة الحفاظ على قيم الوسطية و الاعتدال و الاعتزاز بالمرجعية الوطنية
و زرعها في النفوس، ليست بالمهمة السهلة في عالم إسلامي تتقاذفه إرادتان متصارعتان، إرادة جاهلة تريد أن تعود به إلى العصور الغابرة و إرادة ماكرة تريد أن تسلخه عن طبيعته و واقعه و تلقي به إلى مستقبل مجهول، و النتيجة في الحالتين واحدة و هي السقوط في فخ الغزاة.
النصر

الرجوع إلى الأعلى