وجّه الناخبون عدة رسائل إلى الطبقة السياسية والسلطات العمومية بمناسبة التشريعيات، بداية من الهدوء الذي جرت فيه العملية، حيث لم تسجل أحداث تذكر  في يوم ربيعي صوّت فيه من صوّت وتخلّف من تخلّف، وخابت فيه التوقعات بخروج الجزائريين عن النص.
واقتربت نسبة المشاركة من أرقام التشريعيات السابقة مثلما حافظت الخريطة السياسية على تضاريسها، باستثناء «العائدين» من مقاطعة أتعبتهم. ولئن كان صعود بعض التشكيلات حديثة العهد بالممارسة مفاجئا، إلا أن المثير للانتباه هو التصويت الأبيض الذي ارتفعت نسبته وتعدّدت تعبيراته، و هو ما يجب أن تتمعن فيه الطبقة السياسية، فهناك فئة من الجزائريين تذهب للانتخاب، لكنها على ما يبدو غير مقنعة بالوجوه التي تقترحها أحزاب سياسية، خصوصا و أن منشطي الحملة ربطوا بين التصويت و الاستقرار  بموجب قراءة للوضع الجيوستراتيجي، فكان التجاوب مع الشكل  وعدم التجاوب مع المضمون، ما يستدعي البحث عن شفرات تواصل مع الناخبين في الاستحقاقات القادمة. لأن المتخلفين عن الاستحقاق  والمصوتين بالأبيض فئة يجب الاستماع إليها أيضا ما دامت اختارت هذا الأسلوب في «إسماع صوتها».
وزير الداخلية الذي قال أن السلطات العمومية رفضت «مواجهة» دعاة المقاطعة من موقع قوة الدولة التي تمتنع عن مواجهة أبنائها مهما كانت مواقعهم، تمنى علنا لو أن «البراعة» التي استخدمها دعاة مقاطعة استخدمت في الاتجاه الإيجابي، مشيرا إلى أن الدولة ستعمل من أجل ذلك مستقبلا، من خلال مرافقة الشبان الذين نشطوا في الاتجاه المعاكس، والحق أن هذا الموقف يشكل تطورا إيجابيا في خطاب السلطات، إلى درجة أن وزير الداخلية اعترف بأن الإدارة مستعدة للتعلّم من الأوضاع التي واجهتها.
أوضاع يجب أن يتعلّم منها الجميع، لأن الأجيال الجديدة من الناخبين تحتاج إلى لغة أخرى، غير لغة التخويف التي اعتمدها مترشحون وأحزاب في الحملة، فالمخاطر المحيطة بالبلاد مكشوفة ولا تحتاج إلى أن يعددها مترشح أو زعيم ، كما أن الوطنية لا تقاس بالضرورة بالتجاوب مع خطابات سياسية في مواسم محددة، بل تظهر في ممارسات يومية تعكسها الاستقامة والنزاهة وسلوك المواطنة الإيجابي في الحياة العامة. كما أن الميديا الجديدة التي باتت متاحة للجميع تجعل من كل متقدم إلى استحقاق عام أمام “محكمة” مفتوحة وتجعل كل الأخطاء ظاهرة، لذلك بات أخذها في الحسبان شرط من شروط النجاح.
ويبقى استحقاق الخميس مرحلة في مران الجزائريين على الديمقراطية، أبرز ما فيها نضج التجربة التي تم تحصيلها والتي باتت بمثابة مصل مضاد لكل أنواع الانزلاق، تجربة تحتاج إلى مزيد من التجذير  من خلال استقطاب فئات شابة تفضل البقاء على هامش العملية السياسية، حتى وإن كانت الأرقام التي قدمتها وزارة الداخلية عن المترشحين تشير إلى تزايد عدد الشبان والنساء وحاملي الشهادات العليا وهي نقطة إيجابية، لأن استمرار عزوف النخب والشباب عن العمل السياسي سيتسبب لا محالة في  تفقير الطبقة السياسية التي تمد الأمة بالكوادر.
و الحاصل أن ثمة رسائل عديدة، أبانت عن وعي المواطنين أفرزها هذا الاستحقاق وجب التوقف عندها إذا صدقت نوايا السياسيين الذين كثيرا ما ينسون الناخبين بعد انقضاء الاستشارات الشعبية.
النصر

الرجوع إلى الأعلى