جدّدت صناديق الانتخابات التشريعية الأخيرة الثقة في التيار الوطني، ممثلا على وجه الخصوص في حزبي الأفلان و الأرندي، و حمّلته عبء قيادة سفينة الغرفة السفلى و الإبحار بها على مدى السنوات الخمس القادمة، و بالتالي مواصلة مهمة قيادة الجهاز التنفيذي و تجسيد برنامج رئيس الجمهورية في ظروف مالية و اقتصادية تزداد صعوبة يوما بعد يوم.
إن اللّغط الاعتيادي الذي أصبح تقليدا يصاحب و للأسف العمليات الانتخابية عندنا، لن ينقص في الحمل الملقى على هذا التيار التاريخي، بل سيزيده ثقلا على ثقل، فهو مطالب بتقديم الدليل و البرهان على أنه ما زال مؤهلا و قادرا و لو لوحده على تحمّل أعباء المرحلة القادمة بكل متاعبها الموضوعية و تحدياتها المستقبلية.
  و لذلك، مبدئيا التيار الوطني الفائز تكفيه التجربة الطويلة التي قضاها في الحكم و السلطة لبناء البلاد و تشييدها على مدار نصف قرن، فهي ستساعده عمليا على مواجهة تقلبات و استحقاقات المرحلة القادمة بأريحية و طمأنينة، زيادة على أنه كل مرّة يكون الملجأ الآمن الذي يأوي إليه أكبر عدد من الجزائريين الخائفين من المستقبل المجهول.
ومع ذلك يدرك هذا التيار الغالب بحدسه السياسي البعيد، أن المهمة ليست بالسهلة وأن العبرة ليست بالعدد المحصل عليه من المقاعد الانتخابية، بل من الرسائل المشفّرة من الباطن التي يمكن استشعارها دون عناء كبير، على الرغم من أنه من الصعوبة بمكان تقديم قراءة دقيقة و وافية للعملية الانتخابية المعقدة عندنا والتي أصبحت بحكم التكنولوجيا الجديدة تظهر كل مرّة وجها يجب النظر إليه ببصيرة والاستماع إليه دون حرج.
هذا يتطلب من كل الأحزاب السياسية التي شاركت في استحقاق ماي وأيضا تلك التي تريد المشاركة في الاستحقاقات القادمة، العمل على إعادة تنظيم صفوفها من جديد وضبط سياساتها ومواقفها بناء على حصاد التشريعيات الذي كان مخيبا للكثيرين ممن ملأوا الساحة الوطنية ضجيجا سياسيا، دون أن يتمكنوا من إيصال صوتهم الخافت إلى المواطن البسيط، وهو الخزان الانتخابي لكل من أراد أن يتربّع على مقاليد الحكم.
ويبدو أن التيار الوطني بمختلف مكوناته وامتداداته داخل الغرفة السفلى والذي يتجاوز الثلاثمائة نائب، هو المعني أكثـر من غيره بترميم التشققات والتصدعات وحتى الانكسارات التي عرفها أثناء السباق المحموم نحو قطف أزهار التشريعيات.
فالأخوان الغريمان اللذان سيشكلان الأغلبية الضامنة لتمرير الإصلاحات الاقتصادية و عدم تعطيل عمل الجهاز التنفيذي، و هما الأفلان و الأرندي، مطالبان بوقف حملة العداء غير المبرر و التراشق الجزافي بين الطرفين، ذلك أن عمل الفريق الحكومي في الظروف الصعبة التي لا تخفى على أحد، يتطلب الحد الأدنى من التفاهم السياسي و التضامن على أعلى مستوى.
إن مواصلة الدفاع بقناعة عن برنامج وسياسة رئيس الجمهورية في الميدان، يحتم على القائمين بهذه المهمة من قبل الأغلبية الحاكمة مستقبلا، العمل أكثـر على تدارك الأمور في القريب العاجل وتكثيف العمل السياسي لإبراز المجهودات الكبيرة التي بذلتها الدولة لصالح المواطن.
وبعبارة أدق التقرب أكثـر من المواطن والمرافعة لصالح الإنجازات المحققة والأكثـر من ذلك قول الحقيقة للشعب ولو كانت مرّة في بعض الأحيان.
إن أي تقصير سياسي في هذا المسعى، ستكون عواقبه مباشرة على الاستحقاقات المقبلة التي تتطلب المزيد من الانخراط الشعبي في رسم مستقبل البلاد وإضفاء أكبر قدر من المصداقية على العملية الانتخابية
و بالتالي رفع العبء الذي تتحمله مؤسسات الدولة كل مرّة.استحقاق ماي مرّ بسلام و أمان و بما يحمله من دروس و عبر، لكن هناك استحقاقات قريبة قادمة لا تقل أهمية و تستحق من الأحزاب الفائزة أولا أن تبقى جاهزة للدفاع عن لقبها بناء على النتائج التي تحصلت عليها، و ثانيا أن تكذّب أو تبطل التهم الجاهزة التي يرفعها عادة الخاسرون.
النصر

الرجوع إلى الأعلى