التاريخ  المدوّن بأقلام وطنية تطغى عليه الذاتية  
قال أمس الأستاذ الدكتور أحمد صاري في ندوة حول "كتابة التاريخ بين الموضوعية و الذاتية"، بقصر الثقافة محمد العيد آل خليفة،  أنه و بالرغم من  تطور الكتابة التاريخية في القرن 19 و وضع أسس منهجية لذلك  غير أنها لا تزال نسبية، مؤكدا بأن التاريخ الذي يكتب بأقلام وطنية تطغى عليه الذاتية و من الأفضل أن يكتب بأقلام محايدة، و هو ما يجزمه عدد كبير من المؤرخين حسبه،
 و الذين تساءلوا حول ما إذا كان للتاريخ جنسية.
و في مداخلة بعنوان « أهمية المذكرات التاريخية في كتابة الحركة الوطنية والثورة التحريرية»، أكد الدكتور أحمد صاري أن هناك من المختصين في مجال التاريخ من تساءل حول ما إذا كان للتاريخ جنسية و هل التاريخ يكتب بطريقة موضوعية عندما يكون بأقلام محايدة، مستدلا بكتابة الإنجليز للتاريخ الفرنسي، و الذين كتبوه بطريقة أحسن بكثير من المؤرخين الفرنسيين، ما يدل على أن التاريخ عندما يكتب بأقلام مواطنيه تتدخل فيه الذاتية بنسبة كبيرة .و قال ذات المتحدث بخصوص كتابة التاريخ الجزائري أن المدرسة الفرنسية هي المسيطرة على كتابته،  كما أنها  تسيطر على كل الحقب حتى الفترة الإسلامية، و الجزائريون لم يساهموا إلا بقسط قليل فقط، مرجعا ذلك لظروف الاستعمار، حيث لم  يكن يوجد حينها مؤرخون مختصون و لا هواة، إلى غاية بروز كل من مبارك الميلي و محمد توفيق المدني و الجيلالي، و الذين كتبوا حسبه التاريخ بصفة عامة و لم تكن كتابات متخصصة، و بالتالي بقت المدرسة الفرنسية مسيطرة .
و قال الأستاذ في محاضرته أن تسمية ما وقع في هذا التاريخ ، نجدها  بين الموضوعية و الذاتية ، فهناك من يسميها بالمجازر على أساس أنه استشهد فيها عدد كبير من الأشخاص في حين أن في كتابات الفرنسيين تعتبرها  أحداثا فقط، فالموضوعية و الذاتية تتعلق بالأسباب التي أدت إلى هذه الانتفاضة  و المظاهرات التي بدأت صبيحة يوم 8 ماي و تحولت فيما بعد خاصة بسطيف و قالمة في المنطقة الممتدة من بوقاعة و خراطة إلى جبال البابور إلى بني عزيز إلى فرجيوة ، فتحولت إلى انتفاضة ضد الفرنسيين أعقبها بعد ذلك القمع الفرنسي الذي استمر لأسابيع من شهر ماي و حتى شهر جوان. فحتى حول أسباب هذه الانتفاضة يضيف ذات المتحدث أن الجانب الفرنسي يرجعها لأسباب اقتصادية، و يجزم أن الجوع هو الذي أدى بالجزائريين إلى الثورة لأنهم آنذاك عاشوا ظروف الحرب العالمية الثانية و مآسيها كنقص التمويل و نقص المواد الغذائية، كما أن سنة 1945 تزامنت مع أزمة الجفاف، غير أن التقارير الفرنسية لا تبرر ذلك، حيث جاء في تقرير توبار أي تقرير اللجنة التي شكلت للبحث في الأسباب و مجريات هذه الأحداث، أن المتظاهرين في منطقة فج مزالة  مثلا لم يستولوا على مخازن القمح و هذا ينفي ما قالوه حسبه،  لكن المستعمر نفى أن تكون الأسباب السياسية وراء الانتفاضة، معتبرا  أن الجزائريين  لم يكون لديهم طموح سياسي للاستقلال فيما يرجعها الجزائريون ، حسب المحاضر ، لأسباب سياسية ، فسياسة فرنسا في الإصلاحات المتعلقة بالإندماج و الإصلاحات القليلة  التي كانت تمنحها من حين لآخر عن طريق مشرع بلوم فيوليت و مرسوم 7 مارس 1944، تعود لعدم تفهم الفرنسيين لمطالب الجزائريين السياسية التي قدموها منذ بداية القرن 20 هي التي أدت إلى هذه الانتفاضة. فالتاريخ حسب الدكتور أحد صاري ليس محايدا و لا توجد موضوعية مطلقة في كتابته ، فبخصوص كما قال عدد  و المتسببين في مجازر 8 ماي، السلطات الفرنسية تقول بأن المتظاهرين هم الذين تسببوا فيها و أنهم كانوا ينوون القيام بانتفاضة عارمة و رمي الفرنسيين في البحر، و هذا بهدف تبرير قمعها لهم، في حين أن الجزائريين و الحركة الوطنية تتهم السلطات الفرنسية الاستعمارية خاصة في سطيف، بأنها المتسبب الوحيد في هذه الأحداث، غير أن مؤرخين قالوا أن الشرطة الفرنسية هي من تسببت فيها، لمنع المتظاهرين من رفع العلم الجزائري، و السماح فقط برفع العلم الفرنسي و أعلام الدول الحليفة.و بخصوص عدد الذين استشهدوا في المظاهرات، قال المتدخل أن المؤرخين الجزائريين يقولون بأن العدد هو 45 ألفا ،و أن هناك من الحركة الوطنية من قال بأن عددهم 80 ألفا ، و الفرنسيون يقولون أن عدد كبير من الجزائريين اختفى في تلك الفترة و خافوا من الرجوع لمنازلهم و تم عدهم  كشهداء ، فبالرغم من تشكيل لجنة توبار للتحقيق حول هذه الأحداث غير أن عملها لم يدم سوى 48 ساعة ، و صرحت حينها ، كما يضيف، أن المعلومات التي جمعتها أولية فقط، كما أن إشكالية الذاتية و الموضوعية موجودة حتى في تسمية الثورة التحريرية ، حيث أن الفرنسيين كانوا يطلقون عليها إسم
«الأحداث»، غير أنه و قبل  الـ 87 اعترفت السلطات الفرنسية بما وقع في الجزائر على أنه حرب، و هذا من أجل تسوية مستحقات الفرنسيين.كما قدم الدكتور عمارة علاوة مداخلة بعنوان "بين الوثيقة والنص: قراءات في بداية تاريخ المغرب الإسلامي" . تحدث فيها عن الفرق بين الوثيقة و النص، مؤكدا بأن الوثيقة تتسم أكثر بالموضوعية لكونها تتضمن تسجيل للأحداث بشكل عفوي على عكس النص الذي هو عبارة عن شواهد.                             
أسماء بوقرن

الرجوع إلى الأعلى