نشب، ليلة أول أمس الأحد إلى الاثنين، حريق مهول بالسوق الشعبية رحبة الجمال بوسط مدينة قسنطينة، حيث أتى على عشرات المحلات وأدى إلى غلق الموقع ليومين وبث حالة من الخوف والهلع بين المواطنين ورواد السوق، في حين قدر التجار المتضررون خسائرهم بمئات الملايين، بعد تلف كميات كبيرة من الألبسة والهواتف النقالة ومواد التجميل.
واستنادا إلى ما صرحت به مصالح الحماية المدنية لولاية قسنطينة في بيان لها، فإن الحادثة أدت إلى احتراق تام لـ39 محلا، تقع بمركز تجاري في المكان المسمى بسوق رحبة الجمال بشارع أول نوفمبر، وهو يقع مباشرة خلف المسرح الجهوي، حيث تتكون البناية من طابق تحت أرضي يؤدي إلى المسلك المسمى بـ»الروايال» وآخر أرضي، بالإضافة إلى طابقين علويين. وقد  تمكنت عناصر الحماية المدنية من حماية 84 محلا آخر بنفس المركز و16 محلا بالجهة المقابلة والمسرح الجهوي وقاعة السينما الرمال، بحسب ما جاء في نفس البيان.

شاحنات الإطفاء لم تستطع الوصول إلى موقع الحادثة
واندلع الحريق على الساعة التاسعة وعشرين دقيقة مساء، حيث وصلنا بعد ما يقارب نصف ساعة، ولاحظنا من بعيد ألسنة اللهب تلتهم سقف المركز التجاري المذكور، في حين لم تتمكن شاحنات الإطفاء التي تجمعت بالقرب من المنافذ المؤدية إلى داخل سوق رحبة الجمال من الدخول للوصول إلى مكان الحادثة، ما جعل عناصر الحماية المدنية تمد خرطوم المياه على طول المنفذ إلى داخل السوق من أجل الشروع في عملية إخماد النيران، التي كان قد ازداد وهجها في السماء مع ارتفاع في كثافة الدخان المنبعثة من البناية الحجرية القديمة. وقد استمر وصول شاحنات الإطفاء إلى أن بلغ عددها تسعة مع ستين عنصرا من الحماية، بالإضافة إلى انتشار العشرات من رجال الأمن لحماية المكان، وعناصر من الدرك الوطني، فضلا عن ثلاث سيارات إسعاف وسيارتي اتصال. مصالح سونلغاز قامت مباشرة بقطع التيار عن جميع زبائنها بالسوق، ما جعل المصلين بمسجد رحبة الجمال يواصلون التراويح في الظلام، في حين لم يتوقف عناصر الحماية المدنية عن محاولات الوصول بالمياه إلى المركز التجاري، حيث قاموا بمد سلم كهربائي من إحدى الشاحنات وحاولوا من خلاله تمرير الخرطوم عبر سقف المسرح الجهوي لكن دون جدوى، ما جعلهم يغيرون الطريقة ويقومون بمد خرطوم إلى داخل المسرح. وأوضح لنا أحد عناصر الحماية المدنية المتواجدين بالموقع بأن الغاية من هذا الإجراء هي صد ألسنة اللهب لكي لا تمتد النيران إلى المسرح، في حين أن هذا الأمر جعل العشرات من المواطنين الذين تجمعوا بالمكان يظنون بأن الحريق نشب في المسرح الجهوي، قبل أن تنتشر الإشاعة داخل مواقع التواصل الاجتماعي.

إنقاذ شيخ ظل عالقا داخل المركز لحوالي ثلاث ساعات
مجموعة أخرى من عناصر الحماية ومصالح الأمن تنقلت إلى الجزء السفلي من المركز التجاري، الذي لم تمتد إليه ألسنة اللهب لحسن الحظ، حيث منع رجال الشرطة المواطنين وأصحاب المحلات من الدخول إلى المكان لكي لا يتعرضوا لإصابات، في حين واصل عناصر الحماية المدنية جهودهم لحماية سينما الرمال وجميع البنايات المجاورة للمركز، في وقت لم تتوقف فيه ألسنة اللهب عن الانتشار. والمفاجأة كانت بعد نجاح الحماية المدنية في إنقاذ حياة شيخ يعمل حارسا داخل المركز التجاري، حيث ظل عالقا داخل البناية لحوالي ثلاث ساعات ومحاصرا بالدخان الكثيف الناجم عن احتراق الملابس والسلع داخل المركز، في حين حاول متسلقو الحماية المدنية في البداية إخراجه عبر نافذة لكنهم لم يتمكنوا من ذلك ما جعلهم يقومون بتهديم جزء من الجدار وإخراجه من هناك، حيث تبين بأنه يسمى (ص ق) ويبلغ من العمر 88 سنة، ولم يتعرض لإصابات باستثناء حالة الصدمة التي عانى منها، وقد كانت أول جملة يقولها لعناصر الحماية وهم يحملونه على أيديهم، «أنزلوني ودعوني أسير لوحدي»، فيما نجا حارس آخر تمكن من الخروج.
الأمن يمنع تجارا من الدخول إلى المركز
وأفاد لنا مسؤول بالحماية المدنية التقينا به بعين المكان، بأن ألسنة اللهب لم تمتد إلى الطابق الأرضي، في حين أتت في الجزء الكبير منها على الطابق الأول والثاني وسقف المركز. وقد حضر إلى موقع الحادثة الأمين العام لولاية قسنطينة، ومندوب المندوبية البلدية سيدي راشد، الذي أفاد أمس بأن مصالحه سخرت عشرين عون نظافة من أجل رفع مخلفات الحريق لكن التجار طلبوا منهم ألا يقتربوا إلا بعد أن يقوموا هم بحمل سلعهم والمواد الخاصة بهم. وتجمع خلال الحريق العشرات من التجار وأصحاب المحلات الموجودة بالمركز حيث حاولوا الوصول إليها من أجل حمل سلعهم، لكن مصالح الأمن منعتهم، كما منعت عددا كبيرا من المتطفلين الآخرين والباعة من الدخول إلى السوق بعد  أن أغلقت منفذها المحاذي للمسرح، كما لاحظنا بأنهم اضطروا إلى منع بعض الشباب من الدخول بالقوة.تقربنا من بعض التجار بالسوق، حيث أخبرنا أحدهم بأنه كان حاضرا بمكان الحادث منذ الدقائق الأولى، وأوضح بأن المحلات كانت مغلقة ولم ينتبه أي من المتواجدين بالسوق لألسنة اللهب إلا بعد أن بدأت تنتشر بعدد من المحلات داخل المركز التجاري قبل أن تتوسع خلال بضع دقائق، كما أن بعض المتواجدين بالموقع تخوفوا من انهيار البناية لذلك تجنبوا الوقوف في المسلك المسمى بـ»الروايال» والمؤدي إلى شارع شيتور. وقد قدر محدثونا خسائر التجار الذين احترقت محلاتهم بمئات الملايين، حيث أكد لنا أحدهم بأن قيمة السلع في المحل الواحد لا تقل عن مئتي مليون سنتيم، خصوصا في محلات الملابس، لأن بعض التجار قاموا بشراء كميات كبيرة من السلع الجديدة استعدادا لموسم التسوق الخاص بعيد الفطر، في حين أفاد آخر بأن تاجرا فقد سلعا بقيمة 700 مليون كان يضعها بمخزن.
مصادر ترجح بأن سبب الحريق يعود إلى شرارة كهربائية
عدنا صباح يوم أمس إلى موقع الحريق، حيث كانت النيران قد أخمدت بشكل كلي، لكن الدخان ظل ينبعث من البناية، التي أحاطتها قوات الأمن بشريط أصفر، ومنعت جميع المواطنين أو التجار من الاقتراب منها، كما منعت الباعة من وضع طاولاتهم بالمدخل المحاذي للمسرح، في حين استمر وجود عناصر الحماية المدنية من أجل حراسة المكان والحيلولة دون نشوب الحريق مرة أخرى، كما ظل التجار متجمعين بالقرب من المكان وطالبوا بالوصول إلى محلاتهم قبل أن تسمح مصالح الأمن لأصحاب المحلات الواقعة خارج المركز بفتحها. ولاحظنا بالمكان عناصر الشرطة العلمية تقوم بحمل عينات من موقع الحادثة ومعاينة البناية، التي أصبحت جدرانها الداخلية سوداء اللون كما انتشر الرماد على كامل أرضيتها، واحترقت كميات كبيرة من الملابس في الطابقين الأول والثاني، في حين لم تصل ألسنة اللهب إلى غرفة الحارس، فضلا عن أن بعض المحلات لم تحترق رغم أن المتاجر المجاورة لها احترقت، لكن المياه أتلفت بعضا من المحتويات الموجودة بداخلها. وقد رجح مصدر تحدثنا إليه بأن سبب الحريق قد يكون شرارة كهربائية نظرا لعدم تركيب الشبكات داخل المرفق بشكل جيد، لكنه أوضح لنا بأنه لا يمكن الجزم إلا بعد انتهاء التحقيق الأمني، كما لم يُؤكد لنا النقطة التي انطلق منها الحريق داخل المركز التجاري.ويُذكر بأن وسط مدينة قسنطينة شهد عدة حرائق مماثلة خلال السنوات القليلة الماضية، أتى آخرها على عشرات المحلات بالأنفاق الأرضية العلوية، ما أدى إلى غلقها بشكل نهائي وتحويل التجار الذين كانوا ينشطون به إلى أماكن أخرى، كما أعادت الحادثة إلى أذهان سكان المدينة الحريق الذي أتلف عددا كبيرا من المحلات داخل سوق بطو عبد الله المغطى بشارع بلوزداد منذ حوالي سنتين.     
سامي حباطي

الرجوع إلى الأعلى