موجــة استقطـــاب جديـــدة فـي الـمنطقــة قـــد تعصــــف بمجلــــس التعــــاون الخلـــيجــــي
• قطر ترغب فعلا في وساطة جزائرية لتسوية الأزمة الخليجية
يرى المحلل السياسي الدكتور يوسف بن يزة ، أن قطر ترغب فعلا في وساطة جزائرية لتسوية الأزمة الصاعدة بين الدوحة وعدد من دول الخليج وحلفائها،  مبرزا أن الجزائر لديها تجربة رائدة في الوساطات بين الدول وتمتلك الكثير من المقومات للنجاح ، فيما توقع اتساع رقعة مقاطعة دولة قطر وظهور موجة استقطاب جديدة وشديدة في المنطقة قد تعصف بمجلس التعاون الخليجي، وقال أن الأمور أصبحت الآن أكثر وضوحا ومسعى تفتيت الشرق الأوسط
وإعادة صياغته من جديد يجري تنفيذه بإتقان.
•       النصر :      كيف تتوقعون مستقبل منطقة الخليج على ضوء الأزمة الراهنة بين عدد من الدول الخليجية والدوحة؟
-        يوسف بن يزة : ينبغي الإشارة في البداية إلى أن تسارع الأحداث وتعقدها في المنطقة العربية لم يترك للدراسات المستقبلية أي فرصة لاستشراف ما سيحدث، ولذلك أجدني أقدم قراءات مختلفة وأبني سيناريوهات قد تكون متناقضة بناء على ما توفر من معطيات، فإلى غاية الأسبوع الماضي لم يكن أحد يتوقع بأن شرخا عميقا سيشق مجلس التعاون الخليجي ودوله التي كنا نعطي بها المثال على وحدة الرؤية والمصير، وفعالية التنسيق الأمني والتكامل الاقتصادي والسياسي، مع ذلك وفي وجود عوامل تغذية الشقاق وبروز قوى دولية في خلفية ما يحدث أتوقع أن تتسع رقعة مقاطعة دولة قطر وظهور موجة استقطاب جديدة وشديدة في المنطقة قد تعصف بمجلس التعاون الخليجي، هذا من جهة ومن جهة ثانية ينبغي التحذير من تداعيات ما سيحصل على المستوى الشعبي، فالأنظمة قد تصل إلى توافقات معينة لكن ذاكرة الشعوب لا تنسى، وبالتالي فإن قساوة العقوبات ضد قطر سيكون تأثيرها عميقا على مستوى الضمير الجمعي العربي.
•       النصر : ماهي تداعيات هذه الأزمة على أسعار النفط وهل ستكون لها آثار على اقتصاديات هذه الدول الخليجية، ولاسيما قطر ؟
-     يوسف بن يزة:  منطق الأشياء يقول بأن أسعار النفط ذات حساسية مفرطة للأزمات السياسية والاقتصادية، لاسيما تلك التي يكون المنتجون الكبار أحد أطرافها أو جلها، فما بالك إذا كان الأمر يتعلق بأكبر منتجي النفط وأكبر منتجي الغاز.. إذن من الطبيعي أن تتداعى أسعار النفط مع ما يحصل، ولكن ليس بطريقة عكسية كما حصل منذ يومين حيث انخفضت الأسعار بطريقة غير منتظرة، وهذا في تقديري راجع إلى حالة الصدمة التي عمت المنطقة وحالة الشك التي خيمت على الأسواق، لكن إذا تواصلت الأزمة فأتوقع أن ترتفع مستقبلا خاصة إذا طال الحصار الاقتصادي اللوجستيك المتعلق بالمنشآت النفطية والغازية في قطر.
•       النصر:   إلى أي مدى ستؤثر «أزمة الخليج» في الوضع الجيوسياسي في المنطقة العربية وهل تتوقعون حدوث تغييرات عميقة في السياسات الحالية للدول الخليجية؟
-   يوسف بن يزة : هناك قراءة تقول بأن ما يحدث هو مرحلة جديدة في إطار تجسيد نظرية الفوضى الخلاقة وإعادة بناء الشرق الأوسط الجديد، وفق هذا المنطلق قد تختفي بعض الدول وقد تقسم أخرى، لكن المؤكد أن الاصطفاف الجيوستراتيجي للمنطقة سيعاد النظر فيه وفق المعطيات الجديدة، خاصة إذا علمنا بأن القوى الكبرى بدأت تتفاعل مع تصريحات ترامب وخطواته بنوع من الانزعاج، وهي بالتأكيد تترقب نتائج الوساطات القائمة هنا وهناك حتى تحزم أمرها وتتدخل للظفر بحصتها من الواقع الجديد.. أما عن مستقبل دول الخليج فأنا أعتقد بأن فرضية انفجار المنطقة ليست مستبعدة ولكنها ليست واردة على الأقل الآن، بالنظر إلى التجارب السابقة، فطبيعة النظام الأبوي للأنظمة القائمة هناك توفر بعض الحلول الجاهزة لكثير من المشكلات، إذ يكفي أن تذعن الدولة الصغيرة لمنطق الدول الكبيرة وتعود لبيت الطاعة، حتى يعود الأمر إلى سابق عهده.. وهذا مرجح جدا، بالنظر للخسائر الكبيرة التي لحقت بقطر مثلا في غياب حضن آخر مقنع.. وعلى هذا الأساس أتوقع أن تستجيب قطر للشروط السعودية وتنتهي الأزمة أو يتم تغيير النظام في قطر بطريقة سلمية أو عنيفة من أجل تجسيد تلك الشروط.
•       النصر : ماذا عن الوساطات لحل الأزمة وماذا تقولون في إمكانية طلب الأطراف المتنازعة من الجزائر لعب دور الوسيط؟
-     يوسف بن يزة: حسب معلوماتي هناك طلب تم بالفعل من طرف قطر، فالجزائر لديها تجربة رائدة في الوساطات بين الدول وتمتلك الكثير من المقومات للنجاح ولذلك أنا أعتقد بأنها تتحين الفرصة لفعل ذلك في انتظار ما ستسفر عنه الوساطة الكويتية والعومانية، لكن المأمورية ليست سهلة بالنظر إلى تشابك المصالح وتعقدها واختلاط المسارات الرسمية بغير الرسمية مع وجود، تهم ثقيلة تتعلق بدعم الإرهاب ووجود شروط تعجيزية تتعلق بأطراف عابرة للحدود كتيار الإخوان المسلمين الذي يحوز بدوره على أدوات ضغط كبيرة على الأنظمة المتواجد فيها.
•       النصر : الجزائر كانت قد دعت الدول المعنية إلى انتهاج أسلوب الحوار لحل هذه الأزمة ماذا تقولون في هذا الشأن؟
-     يوسف بن يزة : موقف الجزائر نابع من مبادئ دبلوماسيتها وأسلوبها واحد وواضح، غير أن تسارع الأحداث لم يترك لمثل هذه الدعوة الكلاسيكية أي فرصة ولم يعد للحوار أي أهمية، فالأمر يتطلب نشاطا دؤوبا في الكواليس وعلى جميع الأصعدة لتقريب وجهات النظر وتذليل الصعاب وغلق بعض الملفات محل الخلاف بين الطرفين.
•       النصر : من هو الرابح والخاسر الأكبر من استمرار تدهور الأوضاع وانزلاق الأمور في الخليج أكثر ؟
-       يوسف بن يزة : الخاسر الأكبر هي شعوب المنطقة التي ستصاب في عمق نسيجها الاجتماعي الذي بقي متماسكا رغم الحدود الجغرافية التي قسمت بعض القبائل والعائلات.. ما يحدث قد تترتب عنه مشكلات اجتماعية عويصة وبالتأكيد الرابح هو صاحب مشروع الشرق الأوسط الجديد وصاحبة نظرية الفوضى الخلاقة.. الأمور أصبحت الآن أكثر وضوحا ومسعى تفتيت الشرق الأوسط وإعادة صياغته من جديد يجري تنفيذه بإتقان، دون أن ننسى القوى الإقليمية التي تترصد من وراء الأكمة للظفر بما يمكن الظفر به من الكعكة الجديدة وأقصد إيران وتركيا.
•       النصر : ماهي الحلول التي ترونها ضرورية لتجاوز هذه الأزمة وهل هناك سبيل لحل النزاع الحالي بأقل الأضرار؟
-      يوسف بن يزة: لا يمكننا الحديث عن أي حلول في غياب فهم واضح للمشكلة، هناك تقاطع لعوامل شتى تجعل الحلول الظرفية غير ذات معنى.. المشكلة في تقديري تكمن في طبيعة الأنظمة التي تحكم المنطقة والتي لم تستطع الانتقال من حالة القبيلة إلى حالة الدولة وهذا ما ولد رغبات مرضية تسعى للهيمنة والسيطرة على الآخر وتنميطه وخنق إرادته.. هذا السلوك لم يعد العالم الآن يقبل به، ولذلك فالحل يكمن في إشاعة الديمقراطية في هذه المجتمعات والتخلص من القوالب التقليدية للحياة الاجتماعية والسياسية
مراد - ح

الرجوع إلى الأعلى