وادي الــزنـاتي مملـكــة الزلابيـــة و موطــن الأيـــادي الذهبية

لا تزال مدينة وادي الزناتي العريقة، متربعة على عرش الحلويات التقليدية بقالمة، متحدية التحولات الاجتماعية و الاقتصادية المتسارعة التي تشهدها المنطقة في السنوات الأخيرة، و تحاول المدينة الصغيرة التي تتوسط سهل الجنوب الكبير، المحافظة على تاريخها العريق في صناعة أحسن الحلويات و ألذها في شهر رمضان، المناسبة الدينية المقدسة التي تحيي تقاليد و عادات المنطقة كل سنة و تذكر الناس بتاريخ وادي الزناتي مملكة الزلابية و الأيادي الذهبية التي حافظت على الصنعة العريقة و نقلتها من جيل إلى جيل في مسيرة مستمرة إلى اليوم.  
النصر زارت مملكة الزلابية و نقلت صورا حية في يوم رمضاني بارد، عرف إقبالا كبيرا للزوار القادمين من قالمة و مختلف ولايات الوطن لشراء عروس مائدة رمضان دون منازع و الاستمتاع بالحرفة العريقة و رؤية كبار صناع الزلابية الذين حافظوا على تقاليد المنطقة و شهرتها التي تعدت حدود الوطن.  
و تعد مدرسة عائلة بومنجل الأكثر شهرة في صناعة الزلابية بالمنطقة، و منها تخرج الكثير من الصناع و الحرفيين المهرة الذين يواصلون اليوم رفع التحدي و مواجهة المنافسة القوية التي تفرضها أطباق الحلويات العصرية و سلوكات المستهلكين الذين تحول الكثير منهم إلى بدائل أخرى، منها التمر و حلويات أخرى، و بالرغم من هذا كله لا تزال الزلابية محافظة على مكانتها و متربعة على عرش موائد رمضان في كل البيوت تقريبا، مما شجع الحرفيين على مواصلة النشاط و تطوير الصناعة و مواكبة التحولات الجديدة التي أصبحت تميز سلوك المستهلك الجزائري في السنوات الأخيرة.   
و لم تعد شهرة مملكة الزلابية بوادي الزناتي مقتصرة على عائلة بومنجل العريقة، حيث ظهر صناع جدد فرضوا أنفسهم على أرض الواقع، مستمدين عزيمتهم من ماضي المدينة العريقة و من كبار الحرفيين الذين صنعوا أمجاد الحلويات التقليدية.  
و يعد الإخوة خيطر أيضا من أشهر صناع الزلابية بوادي الزناتي، و هم يملكون اليوم عدة محلات بالمدينة و خارجها، قد ورثوا الحرفة العريقة عن والدهم المتوفى قبل 34 سنة، كما قال الأخ الأكبر عبد الحق، البالغ من العمر 57 سنة، عندما استقبلنا بمحله المتواجد بالسوق الشعبي الشهير وسط وادي الزناتي، إلى جانب محلات بومنجل و محلات بريك صانع «النوقة» الشهير.  
و تحدث عبد الحق خيطر بإسهاب عن تاريخ الزلابية بالمنطقة، و كيف تتطور هذه الصناعة باستمرار حتى تواكب العصر و تصمد أمام الأطباق العصرية و التغيرات التي طرأت على سلوك الصائمين و المستهلكين في السنوات الأخيرة.   يقول عبد الحق «بدأت المهنة سنة 1938 ، بعد وفاة والدي الذي يعد أحد أشهر صناع الزلابية بوادي الزناتي إلى جانب بومنجل، عندما أنهيت الخدمة الوطنية في ذالك الوقت، لم أجد خيارا آخر للعمل سوى حرفة أبي الذي علمني أسرار و تقنيات الحرفة قبل وفاته، و هذا ما ساعدني على تحمل مسؤولية العائلة و المحافظة على هذه الصناعة التي تحولت إلى مصدر عيش للعائلة كلها، حتى أبناءنا الصغار يتعلمون حرفة صناعة الزلابية و ربما سيحافظون عليها بعدنا، كما فعلنا نحن بعد رحيل والدنا الذي التحق بالثورة، و بعد الاستقلال عاد لصناعة الزلابية التي تعد من أشهر الحلويات في رمضان».    
و تملك عائلة خطير اليوم محلين كبيرين وسط مدينة وادي الزناتي يشتغل فيهما الأخوان عبد الحق و لزهر ، بينما يفضل الأخ الثالث التنقل خارج ولاية قالمة في شهر رمضان لصناعة الزلابية بإحدى الولايات التي لا يوجد بها حرفيون متمكنون، و كانت الوجهة هذه السنة ولاية سوق أهراس.   
و بينما كنا نتحدث مع عبد الحق، كان العمال منهمكين في عمليات التحضير و القلي و تصفيف القطع الحمراء في نظام بديع يثير إعجاب و شهية الزبائن الذين كانوا يتزاحمون على شراء مختلف الأنواع المعروضة أمامهم.  
و ينتج عبد الحق و أخواه و كل الحرفيين بوادي الزناتي اليوم ما لا يقل عن 4 أنواع من الزلابية و هي الزلابية العادية، زلابية البيض، زلابية الشعير، زلابية القارص، و البلح آخر الأنواع المبتكرة منذ نحو سنتين تقريبا، في انتظار المزيد من الأنواع خلال السنوات القادمة، كما يقول عبد الحق، مؤكدا بأن الحرفة قد تموت إذا لم تتجدد و تتطور باستمرار.  
و يبدأ تحضير العجينة البيضاء في ساعة مبكرة من الصباح، ثم تأتي مرحلة الإنتاج و استقبال الزبائن بداية من التاسعة صباحا إلى موعد الإفطار تقريبا ، و هذا لتلبية طلبات الزبائن و خاصة القادمين من خارج الولاية، كما هو حال حسين بوزيتون الذي جاء من بلدية أولاد حبابة بولاية سكيكدة، لشراء زلابية وادي الزناتي و العودة قبل موعد الإفطار، مؤكدا للنصر بأنه تعود على زيارة المدينة العريقة كل رمضان، لشراء الحلوى التقليدية الشهيرة التي يقول بأنها من أحسن الحلويات التقليدية في شهر رمضان.   
و أغلب زوار محلات الإخوة خيطر من ولاية سكيكدة و خاصة من الحروش و أولاد حبابة، بالإضافة إلى زوار آخرين من عنابة، سوق أهراس، خنشلة، قسنطينة و أم البواقي و حتى من خارج الوطن، حيث يتردد المهاجرون باستمرار على مملكة الزلابية بوادي الزناتي، لشراء كميات من الحلوى التقليدية الشهيرة و العودة بها إلى الدول التي يعيشون بها لتناولها عند الإفطار.    
و يتفوق زهير خيطر على شقيقه عبد الحق في صناعة الفطائر، إلى جانب مختلف أنواع الزلابية، مؤكدا بأنه الوحيد بالمدينة تقريبا الذي يصنع الفطائر و يقدمها للزبائن مع الحليب في فطور الصباح، لكن هذا النوع من العجائن الشبيهة بالزلابية، يختفي في شهر رمضان فاسحا المجال للقطع العسلية الحمراء التي تنتج هنا بمملكة الزلابية، و تجوب مختلف مناطق الوطن في رحلة طويلة لا تزال مستمرة منذ عقود.                       
فريد.غ

الرجوع إلى الأعلى