جسدت الجولة 29 و ما قبل الأخيرة من بطولة الرابطة المحترفة الأولى بأن الموسم الحالي لهذه المنافسة يبقى محطة «إستثنائية» في تاريخ البطولة الوطنية، كيف لا و هو الذي شهد الكثير من الأحداث الغريبة، و التي أثبتت بأن منظومتنا الكروية مازالت بعيدة عن عالم الإحتراف، و أن المشروع الذي دخل حيز التطبيق منذ 7 مواسم يبقى مجرد حبر على الورق، لأن «المهزلة» التي حدثت سهرة أول أمس ببشار لا يمكن تسجيلها في بطولة محترفة، فضلا عن الإنزلاقات الخطيرة التي سجلت بملعب الحراش، حيث مازال مارد العنف يلطخ سمعة الكرة الجزائرية.
فضيحة ملعب 20 أوت ببشار كان عبارة عن مسرحية، كان دور البطولة فيها لفريق مولودية بجاية، الذي دخل التاريخ الأسود للبطولة من الباب الخلفي، لأن توقف مباراة رسمية بعد 7 دقائق فقط من شوطها الثاني أمر قد يحدث، لكن معرفة السبب تبقي الكثير من علامات الإستفهام مطروحة، سيما و أن الأمر يتعلق بقضية تقلص عدد اللاعبين إلى ما دون الحد الأدنى، و هو «السيناريو» الذي عهدناه في بطولات الشبان، إلا أن امتداده إلى الأكابر في أعلى مستوى للبطولة يشوه صورة الكرة الجزائرية، خاصة و أن الموسم يوشك على نهايته، و كل الأندية كان من المفروض أن تكون ملزمة باحترام أخلاقيات الرياضة و التنافس النزيه، إلا أن الأمور بلغت درجة عدم توفر فريق على عدد العناصر الذي يسمح له مواصلة بضعة دقائق من مقابلة رسمية.
و بصرف النظر عن الوضعية الإستثنائية التي تمر بها مولودية بجاية في النصف الثاني من الموسم الجاري فإن حادثة بشار لا يمكن تبريرها، لأن القوانين المعمول بها واضحة، و تخول لكل فريق التوقيع ل 23 لاعبا من الأكابر، و نفس العدد في الفريق الرديف، لكن إدارة «الموب» عمدت إلى افتعال «مسرحية» تعرض بعض اللاعبين لإصابات أثناء المباراة، و تقليص العدد فوق أرضية الميدان إلى 6 عناصر، بغية الخروج من هذه الدورية الطويلة و الشاقة بأخف الأضرار، لكن على حساب سمعة الكرة الجزائرية، خاصة و أن اللقاء كان دون أهمية للطرفين، و لم يختلف عن الطابع الودي.
قضية بشار تكشف عن تناقض بين قوانين الفاف و الفيفا
توقف هذه المباراة في الدقيقة 52 يجعل الفاف تصطدم بإشكال قانوني، لأن هذه القضية كشفت عن وجود تناقض في النصوص المعمول بها وطنيا بالمقارنة مع التشريع الذي سنته الفيفا، لأن القانون رقم 3 من قوانين اللعب المعتمدة دوليا يرخص بإنطلاق أي لقاء في حال حضور فريق ب 7 لاعبين، لكن الإتحادية الجزائرية عمدت إلى سن نص «إستثنائي» في قوانين تسيير البطولة المحلية، و ذلك بإشتراط حضور 11 لاعبا فوق الميدان لضمان إنطلاق المباراة، و ما دون هذا الحد فإن المقابلة تلغى، و هو الإجراء المنصوص عليه في المادة 84 من القوانين العامة للرابطة المحترفة، رغم أن القاسم المشترك بين القوانين المحلية و الدولية يبقى شرط توقيف اللقاء، في حال تقلص عدد لاعبي الفريق إلى 6.
من هذا المنطلق فإن مولودية بجاية ستتعرض للعقوبات المنصوص عليها في الفقرة 2 من المادة 89 من الدليل العقابي، و المتمثلة أساسا في خسارة نقاط اللقاء من باب العقوبة بنتيجة (3 / 0)، و خصم نقطة من الرصيد، إضافة إلى غرامة مالية بمبلغ 10ملايين سنتيم، فضلا عن الحرمان من عائدات البث التلفزيوني، و لو أن الغريب في الأمر أن هذه «الفضيحة» كانت من صنع فريق كان في بداية هذا الموسم مفخرة الكرة الجزائرية، لما بلغ نهائي كأس «الكاف»، و كان قريبا من التتويج باللقب القاري، لكنه أصبح بعد 7 أشهر عاجزا عن توفير الحد الأدنى من اللاعبين لخوض مقابلة رسمية، من دون مراعاة النصوص القانونية الأخرى التي تجبر كل فريق على إدراج 10 عناصر على الأقل من تعداده الرسمي في لقاءات الجولات الأخيرة من البطولة، بنية الحفاظ على أخلاقيات اللعبة، لأن هذه المواد تبقى مجرد حبر على ورق، و لم تطبق منذ سنها عند دخول عالم الإحتراف قبل 7 مواسم.
أحداث الحراش حلقة جديدة من مسلسل "البقاء للأقوى"
هذه المهزلة جاءت امتدادا للسيناريوهات الغريبة التي شهدتها بطولة الرابطة المحترفة الأولى في موسم «أسود»، زاده مارد العنف قتامة، لأن الأحداث التي وقعت بملعب الحراش في «قمة النجاة» بين الإتحاد المحلي و سريع غليزان أكدت على أن الدوري الجزائري مازال بعيدا عن الإحتراف المعتمد على الورق، مادامت المباراة قد توقفت لمدة قاربت 30 دقيقة بسبب اجتياح الأنصار أرضية الميدان، و ما انجر عن ذلك من إنزلاقات، ليجد الحكم بوزرار نفسه مجبرا على الضرب بالقوانين عرض الحائط، و استئناف اللعب و كأن شيئا لم يحدث، الحجة في ذلك تفادي وضع ملف ثقيل على طاولة الرابطة و الفاف على حد سواء، لأن هذا «المبرر» يعد السلاح الوحيد الذي يشهره الحكام في مثل هذه الوضعيات، و قد تكرر في العديد من المرات هذا الموسم، خاصة لما تكون الفرق المهددة بالسقوط طرفا في المباراة.
و في سياق متصل فإن المؤكد أن ملف قمة الحراش لن يتوقف النظر في حيثياته على مستوى لجنة الإنضباط، بل سيمتد إلى هيئات أخرى، على إعتبار أن النجاة من السقوط قد تكون بقرار إداري متعلق بهذه القضية، و لو أن الغريب في الأمر أن السعي لضمان البقاء دفع بالكثير من الأطراف المتواجدة ضمن كوكبة المهددين إلى اعتماد أساليب لارياضية بحثا عن مكانة على بر الأمان بشتى الوسائل، لتكون العواقب منع الإعلاميين من دخول الملاعب و التصوير أو حتى التعليق عبر أمواج الأثير، و توزيع «بلطجية» في منصات الصحافة و الرواق المؤدي إلى حجرات الملابس المخصصة للزوار لتنفيذ مخططات الترهيب و التهديد، و كأن البقاء ضمن حضيرة الكبار أصبح بمعيار البقاء للأقوى «جسديا» و ليس ميدانيا، في وقت تبقى فيه الرابطة تلازم موقف المتفرج، من دون اللجوء إلى تنفيذ العقوبات المنصوص عليها في المادة 26 من القوانين العامة للفاف، و التي تصل فيها العقوبة إلى حد خسارة المباراة على البساط.
الموسم يوشك على نهايته بعد طول انتظار، غير أن سلسلة «المهازل» تواصلت إلى غاية الأنفاس الأخيرة، لأن الإنطلاقة كانت بقرار معاقبة سريع غليزان بخصم نقاط من رصيده قبيل إنطلاق المنافسة، ثم غياب نفس الفريق عن جولة التدشين داخل الديار، و ما انجر عن ذلك من عقوبة خصم نقاط أخرى، لتكون حلقة فوضى البرمجة و الراحة الطويلة ميزة أساسية، لكن الخاتمة ستبقى مجهولة حتى بعد إسدال الستار على المنافسة الميدانية، مادامت إدارة «الرابيد» تتشبث بأمل البقاء، رهانها في ذلك الملف المودع على مستوى «التاس» للطعن في قرار خصم النقاط، و هو ما يوحي بأن حلقات مسلسل السقوط ستظل متواصلة إلى إشعار آخر، و هوية ثالث النازلين قد يحددها قرار إداري كنتيجة لمعركة الورق.          

صالح فرطــاس

الرجوع إلى الأعلى