يواجه عدد كبير من الأطفال بقسنطينة خطر الإصابة بأمراض معدية ومميتة تهدد الصحة العمومية، على غرار التيفوييد والكوليرا بسبب السباحة في مياه النافورات، حيث عادت الظاهرة لتطفو على السطح خلال الفترة الجارية من الصيف، بعد أن سُجلت خلال السنوات الماضية وفشلت السلطات في اتخاذ إجراءات لوضع حد لها.
إعداد: سامي حباطي
“شاطئ ” زواغي  يفتح مبكرا
قمنا بجولة حول نافورات مدينة قسنطينة، حيث كانت البداية من النافورة الموجودة بالساحة العمومية القريبة من مدخل حي سوناتيبا بزواغي، وتتجمع فيها عشرات العائلات لقضاء الوقت خلال ساعات المساء، لكن مظاهر الفوضى أصبحت تطغى على المكان، خصوصا بعشرات الأطفال الذين يقصدون الساحة للسباحة بمياه النافورة، إذ لاحظنا خلال تواجدنا في الموقع حوالي منتصف النهار عددا كبيرا من القصر متجمعين بناصية النافورة بـ”ملابس البحر” ويتسابقون في القفز داخل المياه والعوم بسرعة، في وقت يستلقي فيه آخرون على العشب المحيط بالنافورة  مطمئني البال وحقائبهم وأغراضهم ملقاة على جانب من العشب، وكأن الأمر يتعلق بشاطئ حقيقي، في حين يجلب آخرون المناشف ونظارات الغطس، وعند الانتهاء يقومون بتغيير ملابسهم للعودة إلى بيوتهم.
وأخبرنا بعض الأطفال من مرتادي المكان، بأنهم يقطنون بالمدينة الجديدة علي منجلي و قصدوا المكان بمفردهم، فيما يقطن بعض رفاقهم بحي زواغي وبعض التجمعات السكنية القريبة، كما أفاد صاحب محل قريب من المكان بأن الأطفال يتوافدون على هذه النافورة بكثرة لأنها بعيدة عن الطريق السريع ولا تتم ملاحظة ما يقومون به بسهولة، مستنكرا الأمر ومشيرا إلى أن المسؤولية تقع على عاتق الأولياء بالدرجة الأولى، خصوصا بالنسبة للأطفال القاطنين بعلي منجلي، حيث قال “كيف يمكن لولي أن يترك ابنه القاصر يتنقل بمفرده من المدينة الجديدة إلى زواغي دون رقابة عليه”. وأضاف نفس المصدر بأن الأطفال يتشاجرون فيما بينهم أحيانا.
ولاحظنا بأن لون المياه التي يسبح فيها الأطفال يميل إلى الاخضرار نتيجة تلوثها وتعرضها لمختلف العوامل الطبيعية، فهي مكان مخصص لتزيين المحيط كما أنها غير مهيأة لأن تستعمل من طرف البشر،  وقد أوضح بعض المواطنين القاطنين بالقرب من الساحة بأن ظاهرة السباحة في النافورة تقل في المساء بسبب توافد العائلات، التي يمنع بعضها الأطفال من الدخول إلى مياه النافورة، لكنهم لم ينفوا تسجيل بعض الحالات التي يصطحب فيها الأولياء أبناءهم للهو بالمياه.
كرّ و فرّ مع مصالح الأمن بنقطة الدوران بالدقسي
ومن النقاط التي تحولت إلى “قبلة” للأطفال الراغبين في السباحة، نقطة الدوران بحي الدقسي، حيث حولها القصر القادمون من مختلف الأحياء المحيطة بالموقع، على رأسها التجمع العمراني الدقسي عبد السلام ووادي الحد وسيدي مبروك وحي منتوري، إلى ما يشبه المسبح العمومي، بسبب نافورة المياه التي تم إنجازها بها خلال السنوات القليلة الماضية، ولاحظنا تواجد أعداد من الأطفال طيلة ساعات النهار، وحتى خلال المساء وخصوصا في شهر رمضان الماضي، لكن وقوع النافورة بالقرب من مقر الأمن الحضري جعل الأطفال في حالة كر وفر مع مصالح الأمن، حيث تصادف تواجدنا بالموقع مع توقف سيارة للشرطة بسبب طفلين كانا يقومان بالسباحة في النافورة، ما جعل الأول يفر في حين حمل رجال الأمن الثاني معهم في المركبة إلى المركز، وقد كان الاثنان عاريي الجسد ولا يرتديان إلا تبانا و كانا   مبللين  بالمياه كليا.
وتحدث قاطنون بالقرب من المكان عن حادثة وقعت خلال الأيام الماضية،  حيث مرت مركبة للأمن وكانت مجموعة من الأطفال “تستمتع” بالسباحة في النافورة، لكن توقف السيارة جعل بعضهم يفرون، بحيث كادت إحدى المركبات أن تصدم طفلا. وقد اعتبر محدثونا بأن نقطة الدوران المذكورة خطيرة جدا على الأطفال لكونها تشهد طيلة اليوم حركة كبيرة للسيارات، فضلا عن وقوعها وسط الطريق ما يجعل الأطفال الذين يحاولون السباحة يعبرون الطريق للوصول إلى النافورة، كما أنه توجد قنوات معدنية داخل المياه يمكن أن تصيب الطفل في رأسه في حالة القفز.
“شلال للاستحمام” وسط المدينة
ولم يسلم وسط المدينة من الظاهرة رغم الحركية الكبيرة المسجلة به، فقد تحولت نافورات المياه المنجزة على مستواه في إطار مشاريع عاصمة الثقافة العربية إلى مصدر للإزعاج، بعد أن جعل منها الأطفال وحتى الكبار أماكن للهو، وخصوصا النافورة الكبيرة المنجزة على شكل شلال مقابل مقر المندوبية البلدية سيدي راشد، أين يقوم الأطفال بالدخول تحت المياه ليستمتعوا بنزولها على أجسادهم وخصوصا خلال الحر، رغم ما يشكله ذلك من خطر على صحتهم، كما أن مصالح البلدية اضطرت إلى وقف ضخ النافورات الصغيرة الموضوعة بساحة دنيا الطرائف بعد أن تحولت إلى محل إزعاج نتيجة اللعب المفرط وبعد أن قامت بإحاطتها بحزام فاصل لمنع المتوافدين على الساحة من الدخول إليها، لكن دون جدوى.
ويشير تكرر الظاهرة إلى أن السلطات فشلت في وضع حد لها، رغم أن الأمر لا يقع على عاتقها بشكل تام، فالأولياء والأفراد يتحملونها معها مناصفة، لأن المشكلة ليست وليدة عدم توفر مساحات كافية للعب والتسلية فحسب، بل تتعدى ذلك إلى السلوكيات السلبية التي تنتجها ثقافة المجتمع، الذي لا يولي اهتماما كبيرا للمرفق العمومي ولا تعتبر بأنه من الضرورة المحافظة عليه، فضلا عن الأسرة التي تتخلى عن دورها الرقابي بتوجيه أبنائها.
وقد بلغ الأمر ببعض المواطنين الذين تحدثنا إليهم، بأن قالوا إنه من الضروري متابعة أولياء هؤلاء الأطفال الذين يسبحون في النافورات قضائيا عن تهمة الإهمال العائلي، مشيرين إلى أن مصالح النشاط الاجتماعي كانت لتسحب منهم حق الحضانة في دول أوروبية، فالطفل يظل قاصرا ولا يفرق السلوك الصحي من الذي يعرضه للمرض والخطر، في حين يفترض على الوالدين أن يقوموا بتلقين هذه المفاهيم لهم، كما عزز محدثونا حجتهم بالإشارة إلى العائلات التي تترك أطفالها في الشارع لساعات متأخرة من الليل وخصوصا خلال شهر رمضان، فمهما كانت الظروف لا يجوز السماح للأطفال بالخروج واللهو في الشارع إلى الثالثة أو الثانية صباحا، على حد تعبيرهم.
س.ح

الدكتور محمد ياسين أمين خوجة يؤكد
الظاهرة تشكّل خطرا على الصحة العمومية
أكد مسؤول مصلحة الاستعجالات بمستشفى البير بقسنطينة، بأن السباحة في النافورات قد تؤدي إلى إصابة الأطفال بالتيفوييد والكوليرا بسبب تلوث المياه، فضلا عن أمراض جلدية خطيرة.
وأوضح محدثنا بأن مياه النافورات غير معالجة ما يجعلها عرضة لاحتضان مختلف الفيروسات والميكروبات، حيث من المحتمل أن يصاب الأطفال الذين يسبحون بها بأمراض معدية، بعضها جلدي وبعضها مميت على غرار التيفوييد والكوليرا، لإمكانية احتوائها على فضلات بشرية سائلة أو صلبة، ولكون مناعة الطفل أقل حصانة من مناعة الشخص البالغ، فضلا عن أن كميات من هذه المياه الملوثة تتسرب إلى داخل الجسد عند العوم، عن طريق الأنف والفم، وحتى الأذن، التي قد تنتقل منها فيروسات إلى باقي الأجزاء من جسد نفس الشخص بسبب المياه.
وأضاف نفس المصدر بأن السباحة في النافورات خطر على الصحة العمومية، لما قد ينشأ فيها من أمراض معدية، حيث طالب جميع الجهات المعنية بوضع حد للمشكلة واتخاذ التدابير اللازمة لذلك.
س.ح

رئيس مصلحة الوقاية بمديرية الحماية المدنية لقرع عبد الرحمان
القفـز في مـيــاه الـنــافـورة قـد يــؤدي إلـى الـموت
من جهته، قال رئيس مصلحة الوقاية بمديرية الحماية المدنية لولاية قسنطينة، النقيب لقرع عبد الرحمان، أن السباحة في النافورات العمومية ممنوعة، لكونها أماكن غير مهيأة للعوم، فضلا عن أنها تشويه للمنظر العام للمدينة، لأنها  أنجزت لتزيين المحيط وتلطيف الجو بفضل رذاذ المياه الذي يصدر منها.
وأضاف نفس المصدر بأن السباحة في النافورات قد تؤدي إلى الموت، لأنها مياه باردة وعندما يقفز بداخلها شخص ما بجسمه الدافئ قد يتعرض لصدمة حرارية ما يؤدي إلى توقف الأعضاء الحيوية للجسم وموته مباشرة، مشيرا إلى أن المشكلة لم تسجل بعد في النافورات، لكنها سجلت بالأحواض المائية، حيث توفي فلاحون بهذه الطريقة بسبب دخولهم إلى الأحواض المائية المستعملة في السقي دون تبريد الجسد بشكل تدريجي.
أما على مستوى نافورة زواغي، فذكر المسؤول بأنه تم تسجيل عدة حوادث مرورية راح ضحيتها أطفال من مختلف الأعمار بسبب محاولتهم قطع الطريق السريع للوصول إلى الساحة، حيث دعا محدثنا الأولياء إلى توعية أبنائهم بأن النافورات ليست مخصصة للسباحة، بالإضافة إلى تجنب السباحة في الأحواض المائية والسدود والحواجز والبرك، بسبب إمكانية الموت داخلها، مثلما وقع في السنوات الماضية على مستوى المريج وصالح دراجي والحاجز المائي بمدخل عين سمارة، حيث اعتبر بأنه من المحبذ السباحة في المسابح المخصصة لذلك أو في مياه البحر فقط.             
س.ح

الرجوع إلى الأعلى